ثبت، بما لا يدع مجالا للشك، أن المشاركة في انتخابات الكنيست عامل فرقة وانقسام وتشرذم ومضيعة للوقت والجهد، لا بل شَقٌللوحدة الوطنية للجماهير العربية، وقد جسّدت الخلافات الدائرة على توزيع الكراسي الغاية من خوض انتخابات الكنيست، حيث غدت هدفا وليست وسيلة لخدمة الجمهور العربي.
إن قضايا المواطنين العرب في الداخل الفلسطيني كثيرة ومعقّدة، كقضية الأرض والمسكن والعنف، ومواجهة السياسات العنصريةللسلطات الإسرائيلية بأنواعها التي ازدادت تغوّلاً مؤخراً بوتيرة عالية جدا، غدت لدى الكثيرين منا هاجساً مؤرّقاً لما قد تؤول اليه مع قادم الأيام، ولا تحتمل صراعاً على تقاسم كراسي الكنيست الإسرائيلي، بعدما ثبت عقمها، لأنها لن تحق لنا حقاً أو تبطل باطلاً، بل مضيعة للوقت والجهد، وتلميع لسلطة عنصرية بامتياز، وورقة رابحة في يدها توظّفها خدمةً لمصالحها وسياساتها عند الحاجة.
أضاع مجتمعنا كثيراً من جهده ووقته الثمين على لعبة الكنيست، مما خلّف حالة من عدم الانسجام بين المركبات السياسية في الداخل الفلسطيني، الطامح في أغلبه( أكثر من 50%) لوحدة هذه المكوّنات بعيدا عن الكنيست، حفاظا على ثوابت مجتمعنا وشعبنا الأصيلة، وغير القابلة للتفاوض عليها أبداً، ولن يحصل ذلك إلا بتجسيد مبدأ الوحدة الوطنية مطلب الجماهير العربية.
لقد ثبت يقيناً عدميّة المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وفشل مبدأ الحفاظ على الثوابت من خلال هذا المشروع العقيم، فالناظر الى ما آلت اليه أوضاع القدس والمسجد الأقصى، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وقضية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة،واللاجئين والأسرى، وملفات الأرض والمسكن وحقوق الانسان وغيرها من قضايا مصيرية دينية ووطنية ، مقارنة مع إنجازات أعضاء الكنيست العرب منذ العام 49 الى اليوم، يصل الى نتيجة صفرية تَحْمِلُ المرءَ على الكفر بانتخابات الكنيست.
إن الواجب يستدعي تكاتف جهود كل القوى السياسية والوطنية والجماهيرية، لدعم وتطوير لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية،بنقلها من المربّع الحالي الى مربّع جديد حضاري ومدروس، وبشراكة كاملة من كل مكوّنات مجتمعنا السياسية والوطنية والشعبية دونما إقصاء لأحد، وفق نظام أساسي قادر على مواجهة التحديات، وقابل للتطبيق، آخذ في عين الاعتبار تعقيدات المرحلة والواقع السياسي.
فيا جماهيرنا العربية، ويا أيتها القوى والحركات والأحزاب السياسية الفاعلة في الداخل الفلسطيني ، إن الوحدة الوطنية اليوم مطلبملح أكثر من أي وقت مضى ، وهذا لم ولن يحصل بالمشاركة في انتخابات الكنيست وما يرافقها من تجاذبات سياسية، وإنما بالوحدة الوطنية ذاتها قبل كل شيء ، ولقد ظهر للعيان صحّة هذا الطرح بعزوف أكثر من نصف مجتمعنا عن المشاركة في
انتخابات الكنيست الأخيرة (9/4/2019)، وتوقعات المراقبين بزيادة أعداد وقوة المنادين بمقاطعة الانتخابات القادمة(17/9/2019)، فوحدتنا الوطنية انطلاقاً من قناعات أغلبية جماهيرنا قوة وانتصار لثوابتنا، والمشاركة في انتخاباتالكنيست دعم لرواية الآخر وسند لسياساته العنصرية والفاشية وشَقٌ للوحدة الوطنية!!
[email protected]