أشارت نتائج استطلاع للرأي أجرته القناة الثانية الإسرائيلية بعد الحرب على غزة إلى أن 30% من اليهود يفكرون بهجرة البلاد عند وجود فرصة مواتية، وذلك لفقدانهم الأمان وتردي الأوضاع الأمنية والمخاوف من تصعيد عسكري ثان مع الفلسطينيين.
ودلت معطيات الاستطلاع على أن 56% فقط من الإسرائيليين لا يفكرون بالهجرة، إذ ينظر 36% ممن شملهم الاستطلاع نظرة سلبية حيال من قرر الهجرة، بينما تتعامل البقية بإيجابية أو بلامبالاة تجاه من يفكر بمغادرة البلاد.
وتنسجم هذه النتائج مع الإحصائيات التي كشفت عنها القناة العاشرة، حيث أكدت اعتمادا على معطيات حكومية رسمية أن حوالي ثمانمائة ألف إسرائيلي -أغلبيتهم العظمى من الشباب والعلمانيين- هاجروا في غضون السنوات الأخيرة، واستقروا بشكل دائم في دول أوروبية وأميركا، بسبب الصراع واستبعاد الأفق لتسوية سياسية مع الفلسطينيين.
ويتمثل اتساع ظاهرة الهجرة بموقع "غادر إسرائيل" (leave Israel) على الشبكة العنكبوتية الذي بات حاضنا وداعما للمهاجرين الإسرائيليين، وأضحى حلقة وصل للتعاون في ما بينهم، وتبادل التجارب والقصص والظروف التي حفزتهم على مغادرة إسرائيل والاستقرار بالمهجر. هجرة واستقرار وبخلاف الماضي والعقود الأولى لتأسيس دولة إسرائيل، يقول الناطق بلسان "كتلة السلام الآن" آدم كيلر "نلحظ مؤخرا أن المجتمع الإسرائيلي -خاصة جمهور الشباب- يجاهر ودون خجل ويبدي استعداده للهجرة وترك البلاد والاستقرار بالخارج، وذلك بعد أن كان بالسابق مصطلح هجرة أو مغادرة معيبا ومشينا، مما يؤكد تراجع قيم المشروع الصهيوني التي ما عادت تشكل مصلحة عليا للشاب اليهودي".
وعن دلالات ومعاني نتائج استطلاع الرأي بشأن استعداد الإسرائيليين للهجرة عقب العدوان العسكري على غزة، أكد كيلر للجزيرة نت أنه ليس بالضرورة أن يقوم ثلث سكان الدولة بالهجرة، لكن هناك مئات آلاف اليهود حملة الجنسية الإسرائيلية يقطنون بشكل ثابت بأوروبا وأميركا، خاصة في برلين التي باتت الأكثر شعبية ووجهة للمهاجرين الإسرائيليين.
وعزا كلير اتساع ظاهرة الهجرة واستعداد شرائح واسعة مغادرة البلاد إلى خيبة الأمل في أوساط المجتمع الإسرائيلي والشباب منهم على وجه الخصوص من حكومة بنيامين نتنياهو، وذلك في ظل تفاقم التوتر الأمني وتأجيج الصراع وفقدان الأمن والأمان وانسداد أفق أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين بالإبقاء على الاحتلال وتوسيع المشروع الاستيطاني.
ويعتقد كلير أن الصواريخ -التي أطلقت من غزة وطالت تل أبيب- قد تشكل حافزا رئيسيا بالمستقبل لمزيد من المهاجرين، لكنها ستكون عاملا إضافيا إلى جانب قضايا داخلية بالمجتمع الإسرائيلي، تتركز حول تنامي العنصرية وصعود وتيرة معسكر اليمين وتراجع القيم الديمقراطية والتضييق على العلمانيين في ظل بوادر الإكراه الديني، إلى جانب تردي الوضعين الاقتصادي والاجتماعي وإجهاض مظاهرات الحراك الشعبي التي عمت البلاد في صيف 2011.
صراع وتضحية في المقابل، طعن السفير الإسرائيلي السابق في مصر إسحق ليفانون في نتائج ومصداقية استطلاع الرأي حول الهجرة، وقال إنه لا يعقل أن ثلث الإسرائيليين على استعداد للهجرة بسبب الحرب على غزة والصراع مع الفلسطينيين، "فنتائج الاستطلاع لا تتناسب مع ما كان على أرض الواقع، حيث أبدى عشرات آلاف الجنود استعدادهم للتضحية وتواجدوا على مدار واحد وخمسين يوما بساحة المعارك دفاعا عن الدولة والشعب اليهودي".
وعلى صعيد الحديث عن اتساع دائرة الهجرة، أشار ليفانون للجزيرة نت إلى أن الحديث يدور عن مبادرات فردية وليست جماعية، وسوغ الدوافع والحافز لذلك بالاقتصادية والاجتماعية والبحث عن ظروف معيشية أفضل للفرد الذي لم يجد فرصته بالبلاد.
واستبعد أن يكون الصراع مع الفلسطينيين والوضع الأمني سببي الهجرة، مبينا أنه خلال الحرب على غزة تم استقدام مئات اليهود من أوروبا وأميركا للتوطين في إسرائيل، وذلك كمؤشر معنوي على دعم الدولة قبالة التحديات التي تواجهها.
[email protected]