لم نكد نخرج من جولة انتخابية قاسية ومرة وصعبة ومشحونة، ومحاولتنا لدراسة النتائج واستيعاب الحدث وانعكاساته وتأثيره على الحياة السياسية، وخاصة عندنا نحن عرب البلاد الذين ما زلنا نحبو بحثا عن طريق مشترك، وإذ بنا نفجع في شفاعمرو خاصة والمجتمع العربي عامة بجريمة جديدة طالت شابا مثابرا مسالما، وهو يقوم بعمله في متجره وهو المغدور غسان جوزيف عوكل. هذه الجريمة هزت شفاعمرو، لأننا اعتقدنا ورغم عدة حوادث اطلاق نار واعتداءات على محال تجارية حصلت في الآونة الأخيرة، أن شفاعمرو "بعدها بخير"، وطالما رددنا بأن شفاعمرو تعتبر بلدة آمنة أسوة بأشقائها البلدات العربية، ونمنا على وهم لنستيقظ مذعورين على جريمة مروعة أبعدت النوم عن عيوننا، وجعلتنا نتحرك ونخرج عن صمتنا، لكن هل هذه الصحوة دائمة أم يتيمة، وهل الرد على الجريمة سيكون فاعلا أم سيبقى ضمن رد الفعل؟
ليس من باب المناكفة ولا من أجل المزاودة، لكن من أجل التذكير وقرع جرس الإنذار في وجه المسؤولين وأصحاب القرار، وتذكير الناس الأقرب الى النسيان في زحمة الحياة وتحدياتها المتصاعدة، الى ما أشرت اليه منذ أكثر من عامين من أن شفاعمرو ليست بخير كما يتراءى لنا، وحاولت "دق جدران الخزان" للتنبيه والتحذير بأن أمننا وسلامتنا في شفاعمرو باتت في خطر، في ظل تكرار حوادث اطلاق النار، ومقتل سيدة شفاعمرية وقبلها شاب شفاعمري دون ذنب ارتكباه، وفي ظل انتشار السلاح وظهور بوادر اجرام منظم كما في أماكن أخرى، لكن المسؤولين الحكوميين وضعوا الطين في الأذنين كالعادة، وربما استخف المسؤولون المحليون بهذا الكلام، واستمروا يبيعوننا شعارهم "شفاعمرو بألف خير"، والناس في حيرتهم وتخبطهم، وعقلهم الباطني يرفض التعامل مع الحوادث كظاهرة تستوجب التصدي لها بقوة وحزم، لأن بلدنا ما زالت "بألف خير"، وحينها طرحت ذلك التساؤل اذا كانت بلدنا فعلا بألف خير؟
ولا بأس أن أذكر بما كتبته قبل أكثر من عامين في مقالي آنف الذكر، حيث قلت معلقا: " لو تمعنا التفكير وراجعنا ما يجري في شفاعمرو بتعمق بسيط، لأدركنا أن ترديدنا لتلك العبارة ما هو إلا هروب من معالجة المشكلة. شفاعمرو لا تختلف عن غيرها من البلدات العربية سواء بالتركيبة الاجتماعية أو العقلية القبلية التي عادت لتسود مجتمعنا وتحكم سلوكياته للأسف. فالهدوء الذي تنعم به شفاعمرو ما هو الا "هدوء مشوب بالحذر".
لم أتوقع أن يحصل حراك جماهيري، ولم تكن لدي أوهام بمبادرة المسؤولين الى اتخاذ إجراءات وخطوات عملية، بل لم يخب أملي من عدم انعقاد أي اجتماع جدي لبحث تلك الظاهرة الدخيلة على بلدتنا. هنا لا بد من الإشارة إلى ما يقوله الكثيرون من ناحية أخرى في الأحاديث اليومية المغلقة، بأن قدوم بعض "الأغراب" عن البلدة يساهم في انتشار العنف والتمادي في العدوان على الآخرين. وما يقصده أهل بلدتي بالأغراب ليس كل من وفد إلى شفاعمرو واختارها بيتا بديلا له، بحثا عن الأمان وراحة المكان، لأن من عمل وفق المثل الشعبي " من عاشر القوم إما صار منهم أو رحل عنهم"، انما تحول الى مواطن شفاعمري يمارس حياته اليومية العادية أسوة بأهل البلد، وبات مرحبا به على أساس تلك المقولة، لكن البعض وهم أقلية لم يحضروا ليندمجوا ويصبحوا من أهل البلد، انما ليواصلوا نهج حياتهم هم كما اعتادوا عليه بغض النظر عن المكان الذي يأويهم، ولهذا لم يرحلوا عن البلد لأنهم لا ينتمون اليها ولا يشعرون أنهم من أهلها.
لذا تساءلت في خاتمة مقالي المذكور: " هل يعقل أن تختبيء الأغلبية الخيرة والطيبة من أبناء بلدتنا وتنزوي داخل البيوت، وتترك لقلة من الزعران والعابثين أن يسودوا ويحكموا في شوارعنا وأحيائنا وبيوتنا؟ أن يتحكموا في ساعات تنقلنا وساعات احتجازنا داخل البيوت؟ علينا عدم الانتظار أكثر، وعلى كل العناصر والهيئات، بل كل الناس والأهالي أن يتحركوا، أن ينظموا أنفسهم، أن يفرضوا هيبتهم، لأنه ما حك جلدك مثل ظفرك".
وها أنا أعود وأطرح ذلك التساؤل الكبير، بعدما شهد الشارع الشفاعمري بعض التململ والتحرك الخجول في أعقاب جريمة مقتل الشاب غسان عوكل في الأسبوع الماضي، فهل يكون ذلك التحرك مدخلا نحو عمل منظم ومدروس ومثابر لاقتلاع الجريمة، أم أن تحديات الحياة اليومية ستعود وتقهر الناس لينسوا ما قالوه في ساعة " فورة الغضب"، ونبقى في انتظار الجريمة القادمة لنخرج باكين، لائمين، تائهين.
[email protected]