معرض أحوالنا للفن التشكيلي
للفنّان جميل عمرية
تعرّفت إلى فنّاننا الجميل قبل سنوات في مسرح الميدان، فهو عضو إدارة هناك وأنا عضو لجنة مراقبة، وهو مواظب على المشاركة في نشاطات نادي حيفا الثقافي كلّ مساء خميس. بادرتُ في حينه لإقامة معارض فنيّة مشارِكة للأمسيات العكاظيّة الشهريّة، وكان المعرض الأوّل للفنّان ظافر شوربجي، وبعد انتهاء الأمسية أخبرتني زوجتي سميرة أنّ جميل يرسم فاتصلت به في الحال ورتّبت مشاركته في معرض لأعماله في النادي، لاقى استحسان الحضور ومتابعي صفحة النادي وسعدت بحضور افتتاح معارضه في أم الفحم وسخنين وغيرها.
وكان لي شرف إلقاء كلمة افتتاحيّة لمعرضه بعنوان "أحوالنا" يوم السبت 06.04.2019 في بلده، إبطن بين أهله، حيث حضرت المعرض برفقة زميلي المحامي علي رافع.
لفتت انتباهي وجذبتني لوحات وأعمال الفنّان جميل عمرية المميّزة، أسلوبًا ومضمونًا (52 لوحة، ركّز المعرض الفنّان محمود صبح).
يعملُ جميل في سكبِ المعادنِ لتكون هوايته ومهنته، وهو يمارسُ الفنَّ التشكيليَّ على ألوانِه منذ عام 1972 ، يستخدم في لوحاتِه ألوانًا زيتيةً على الجلدِ، ألوانُ إكريليك، ونحتٌ وسكبٌ من الألومنيوم والبرونز. شارك جميل بمعارضَ محليّةٍ ودُوليّةٍ وله الكثير من الجداريّات في البلدان العربيّة وشارك في التحضير وسكب الخامات للنصب التذكاري لشهداء يوم الأرض الخالد في مدينة سخنين.
كجزء من رسالته ومسيرته الوطنيّة والفنّية، تناول جميل أحداث ومآسي شعبنا، تاريخه وتراثه، نكبته وآلامه، تهجيره ومفاتيح العودة المُشتهاة، وللأرض حضور طاغ على أعماله وهذا ما يظهر جليّا في لوحاته بالمعرض.
وجدت في لوحاته المؤثّرة نوعًا من التحدّي ورسالة من بقوا ولم يُقتلعوا من بيوتهم ووطنهم إثر النكبة، متمسّكين بالأرض والحياة ... والأمل.
وجدت في لوحاته رسالة تحدّ وانتماء... لوحات ملتزمة؛ نعم، هناك فنّ ملتزم وليس فنّانًا ملتزمًا! وحكاية شعب، تحكي القضيّة بريشة فنّان ذي رؤية.. ورؤيا، مرتبط بأهله وبلده، بريشة إنسان وفنّان ... مبدع.
يسعدني انتشار ظاهرة حميدة: مواكبة معارض فنيّة لأمسيات ثقافيّة، ابتدأناها في نادي حيفا الثقافي برفقة زميلي المحامي فؤاد نقارة وباتت منتشرة في بلادنا.
كلمة حقّ لا بدّ منها: جميل يشارك زملائه الفنّانين في معارضهم، هنا وهناك وفي كلّ مكان، وحبّذا لو يحذو فنّانينا حذوه، يُنحّوا نرجسيّتهم جانبًا، ويشاركوا غيرهم، تشجيعًا وإثراءً! توقّعت أن يشارك فرسان الفيس بوك من المعجبين والفنّانين، فهم أوّل من "يُليّك" لكل تغريدة، سواء كان احترامًا أو مجاملة لزميلهم جميل، ولكن خذلوه، كلّ وتبريره، وامتنعوا عن مشاركته وتغيّبوا. فكان الغياب والصمت صارخًا، وبقي جميل في الساحة "يتيمًا"!
أخذني حفل افتتاح المعرض مجدّدًا للوحة "لا تتركوا الحصان وحيداً" للفنّانة التشكيليّة الفلسطينيّة تمام الأكحل بحصانها الأبيض، تحيطه التلال الصخريّة من كل جانب لتشي بأنّها اتحدت متآمرة لحصاره ومنعه من التحليق، ليقف وقفةً توحي بالحيرة التي انتابته من مشهد الطريق المغلق أمامه حتى الافق ليقف بلا حراك يسأل عن "أصحابه" يرجو دعمهم في تلك الوِحدة القاتلة؟
وكذلك لما قاله شاعرنا محمود درويش:
"لماذا تركت الحصان وحيدًا؟
-لكي يؤنس البيت، يا ولدي،
فالبيوت تموت إذا غاب سكّانها...
تفتح الأبديّة أبوابها من بعيدٍ
لسيارة الليل، تعوي ذئاب
البراري على قمر خائف، ويقول
أب لابنه: كن قويًا كجدّك!
واصعد معي الى السنديانة الأخيرة
يا ابني، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ
عن بغلة الحرب، فاصعد معي
لنعودَ"
اتصّل بي بعد حفل افتتاح المعرض بيومين صديق مغترب وسألني حول لوحات المعرض، فجميل صديق له على الفيس البوك (وأنا أعترف بأنّي لستُ بصديق لجميل في عالمه الإفتراضيّ) وشاهد صورتي وصور أشخاص حضروا الافتتاح وغابت عن صفحته صور اللوحات!!! فدخلت الصفحة "متلصِّصًا" وصُدِمت لغيابها، وأدهشتني لايكات الإعجاب والتعقيبات رغم غياب "العرسان"، ألا وهي صور اللوحات! آلمني أنّ الليلكة صارت سيّدة الموقف و"نجوميّة" فنّانينا تُقاس بالتعليقات والتبجيلات وبعدد اللايكات التي تحصدها صور على الصفحة! وبات الفيسبوك "مربط خيلنا"، وما زلتُ أتساءَلُ : لماذا؟ لماذا طغى علينا طابعُ الليلكةِ، فبتنا ننشر الصور لأجل حصد اللايكات أكثر منه لأجل الكتابة والفن ورسالتهما. ليصبح الشعار: ليّكلي بليّكلك؟ مؤسف حقًا تفرّغ أميرات ومشايخ الفيسبوك من "مًثقّفينا" لحصدِ اللايكات والنفاق، خاصّة حين يُليّكون للصور، من باب المجاملة أو رفع العتب فقط. إنّ انقيادنا الأعمى وراء "ثقافة الفيسبوك" مدمّر ومُهلِكٌ، فهي ثقافة أوهن من بيت العنكبوت! وفنّ جميل عمريّة الملتزم، بطابعه الخاصّ والمميَّز بغنى عن ذلك.
يا معشر الفنّانين، كفانا نرجسيّة! أحبّوا بعضكم بعضًا. شاركوا زملاءكم في معارضهم ليشاركوكم في معرضكم، تشجيعًا وإثراءً.
قيل: "أعطني مسرحًا أعطيك شعبًا"؛ وأنا أقول: "أعطني فنًّا أعطيك شعبًا"!!
المحامي حسن عبادي
[email protected]