دماء تسيل على الشاشات، أنهار من الجثث ظهرت في المنطقة مع قدومهم، لا يمر يوم من دون أن يتلذذوا بنحر البشر بعد أن هدموا الحجر، لا يخفى على أحد أنهم عناصر "الدولة الاسلامية " الذين يتنفسون رائحة الدم لا الأوكسجين .
تتوالى المذابح الفردية والجماعية يومياً، مشاهد مقززة إلى حد الغثيان تلاحقنا من التلفاز إلى جهاز الكمبيوتر وصولاً إلى الهاتف المحمول، فيديو لنحر إنسان مع التفنن في مكان وضع رأسه بعد فصله عن جسده، فتارة نجده على ظهر الضحية وتارة معلقاً في البرية، لا بل وصل الأمر إلى استبدال أولاد لا تتجاوز أعمارهم أصابع اليد، الكرة برأس مقطوع، يحملونه، يلتقطون صورة مع ضحكة وليس فقط ابتسامة، أطفال يتعلمون كيفية حمل السكين لا الكتاب!
ويبقى السؤال، هل "يستذئب" الانسان فجأة ويصبح قابلاً لنحر الآخر من دون أن يرف له جفن؟ هل هي "ثقافة" دم موروثة أو نتيجة "طبيعية" للغوص بالحروب؟ وبماذا يشعر "الناحر" حين يقدم على جريمته؟
"الحقد الدفين يوّلد رغبة للأذية، والأذية المثلى تكون بالذبح لأنها بمثابة شطر دماغ "العدو" المحرك الأساسي للانسان عن جسده، وبالتالي يكون قد أوصل القاتل ثلاثة رسائل، الأولى أنني أكره الآخر، الثانية أن باستطاعتي أن أقول للآخر أني قادر على شطر دماغك الذي يمثل محركك البنيوي لتصبح جثة، أما الرسالة الثالثة فمدلولاتها سياسية وطائفية وهي اننا قادمون ومصممون، نحن قتلة يجب أن تهابونا وتخافونا لأنه لا يمكنكم أن تقوموا بما نقوم به لا لسبب سوى لأنكم أفضل ونحن نعرف ذلك ولكن كونكم أفضل لا ينقذكم من شرنا "، وذلك بحسب رأي الدكتور نبيل خوري، الاختصاصي في علم النفس العيادي.
وأشار خوري الى أنه "لا يوجد ثقافة موروثة بل جهل وحتى غباء وسوء فهم لحقيقة النفس البشرية مع قدرات تحليلية ضعيفة وقدرات ادراكية تكاد تكون شبه ميتة، لذلك لا يفكر القاتل بما يقوم به ولا يحزن لأن ما قام به محفز أصلاً من خلال الجهالة والتعصب، ولا يمكن للانسان أن يكون متعصباً إلا عندما يكون جاهلاً، (بالتأكيد ليس المقصود أنه لا يحمل شهادة جامعية) ".
عملية أوتوماتيكية
وإذا كان لدى القاتل قناعة أن الآخر مختلف، فينطلق من قناعته بعد أن يرسخها بشكل يصبح ما يفعله ضرورة لانقاذ البشرية من براثن الآخر الذي أساء إليه، فإن خوري رأى أنه "خلافاً لما يتم تداوله والتحليلات الواهية التي يتم ترويجها لأغراض سياسية أو طائفية او مذهبية، فإن القاتل قاتل أيا يكن انتماؤه الطائفي والمذهبي والديني. والدين الذي يجب أن يكون المحفز الأول للحفاظ على روح الآخر يصبح المحفز الأول للقتل لديه، وبالتالي تسقط كل الممنوعات والمحظورات وتصبح عملية القتل عملية أوتوماتيكية تنسجم مع طموحات وأفكار ومخيّلة صاحبها، والتي قد تكون مخيّلة غير خصبة، بمعنى أن القاتل غالباً ما يكون غبياً متعصباً، وكل غبي متعصب محرّض من قبل أشخاص أذكياء يعرفون كيف يلعبون على وتر عصبيته بعد تجهيله بشكل تام ونهائي، بالتالي يعتبر أن فكره الديني هو الفكر الأوحد وأن الآخرين لا يستحقون الحياة، فيقدم على الذبح تعبيراً عن مكنونات نفسه ويصبح الدين محفزاً للقتل بدل أن يكون رادعاً ". الى ذلك، "يعتبر القاتل أن الغاء الآخر مهمة مقدسة، فيشعر بالراحة والطمأنينة عندما يقتل وكلما تمادى بالقتل كلما شعر براحة أكبر وضعفت عنده عقدة الذنب، لأنه يعتقد أن ما يقوم به هو لهدف سامٍ، وبالتالي يكبّر وهو يذبح، يريد أن يقول أنا أكرمك يا ربي بقتل الشرير والعدو وممثل الشيطان على الأرض، كما يقوّي بذلك نفسه ويتشجع على القيام بعمل ليس سهلاً و يعزز ضعف عقدة الذنب" .
أجهزة تحركهم
واعتبر خوري أن " المحركين الكبار للقتلة ينتمون الى أجهزة دولية تعمل عبر أشخاص أذكياء ومثقفين جداً على غسل أدمغة أفراد لديهم نقص في الثقافة أو فشل اجتماعي أو ضعف أو فقر مدقع، وتبقى الأرضية الأكثر خصوبة لتجهيز هؤلاء هي الفقر ".
وعن انجراف الأولاد إلى مستنقع الذبح والعنف: قال ان "الأرضية للتربية تبدأ بالأطفال كونهم قابلين للقولبة، يجري تعليمهم أن ما يحصل يشابه ما تشاهدونه في أفلام العنف والمصارعة الحرة وألعاب "البلاي ستايشن"، ويقولون لهم الآن نؤمن لكم الوسلية لتطبيقه مع أشخاص هم أعداء الأمة وأعداء الإيمان " .
" الحيوانات تقتل لتعيش، أما الانسان فيقتل كي لا يعيش الآخر، وبالتالي يعود بغرائزه إلى القرون الوسطى وما قبل القرون الوسطى بل حتى إلى العصر الجاهلي، فإذا كان القتل ليس جديداً على البشرية حيث كان قائماً في الماضي وضعف بعض الشيء عند ظهور الأديان، فإنه عاد من يحييه اليوم باسم الأديان السماوية "، ختم خوري .
ادمان
يشعر القاتل بعد ذبح "فريسته " بالنصر والاكتفاء واشباع شراهته ، بحسب ما قاله عالم الاجتماع العيادي الدكتور رائد محسن لـ"النهار" ، وأضاف: "هم ينحرون نحراً ليس فقط يذبحون، يتلذذون وهم ينقضون على فريستهم بسكين صغير كما شاهدنا عند "نحر" الرقيب علي السيد ، عملية الذبح تشكل راحة نفسية لهؤلاء الذين ادمنوا على الدم، تماماً كمدمن مخدرات لا يرتاح حتى يحصل على جرعة منها. ومؤسف ما نشاهده اليوم من قدوم شباب من أصقاع العالم، ليس لديهم خلفية عربية ولا اسلامية لكنهم يعتنقون الاسلام حباً بالقتل فقط، فهم يعتقدون أن هذا هو الإسلام ".
التعصب والتطرف
من جهته، رأى أستاذ التاريخ الشيخ فادي سكرية أن ما يقدم عليه عناصر "داعش" هو "نتيجة تعصبهم لعقيدتهم، فأي عقيدة حين تتطرف تصل إلى النتيجة ذاتها " ، أما الأسباب التي تدفع للذبح، بحسب سكرية، فهي "وجود أشخاص مهمشين يتحيّنون الفرصة لاثبات أنفسهم، ثانياً عدم مواكبة الفتوة الدينية للأحداث، وعدم وجود مجمع فقهي يرشد إلى الخطأ والصواب، ثالثاً غياب المؤسسات الدينية الراعية، فكل الذين يدينون ما يحصل يمثلون حالات فردية لا ترقى إلى وضع صيغة عامة ومشروع مواجهة يحتاج الى مال سياسي".
[email protected]