نعود إلى قصة حانا ومانا، التي تلاحقنا وتلازمنا، في الكثير من نواحي حياتنا. فنحن نتميز بالتردد والتروي والريب، وصبرنا يطول أكثر من صبر أيوب. فكم جلسنا الساعات نستمع لقصص الحكواتي الخرافية، أو نغيب عن الوجود مع أغاني ثومة الأسطورية، فكأن الوقت لدينا ألعوبة صبيانية. غيرنا يسعى ويجدّ كالنمل، ونحن مثل الزيز ننعم بالكسل. سوانا يقرأ ويفكر ويخطط، ونحن نقضي الوقت بالنوم نغطّ. غيرنا يبتكر ويخترع وينمو، ونحن نلعب ونسمر ونلهو. المختلف عنا عقله دائما مهموم ونحن عندنا الجهل مركوم.
كم سعدنا قبل أربع سنوات، حين نجحت أحزابنا ببناء التحالفات. وأخذنا نعظ أبناء جلدتنا، أن تعلموا وسيروا وفق خبرتنا. مرت الأيام والشهور والسنون، ونحن عن حقيقة أمرنا غافلون. سعد ممثلونا بالمقاعد الجلدية الوثيرة، التي تدر عليهم الرواتب الدسمة الوفيرة. واطمأنت لجنة الوفاق، إلى ما أنجزت من عناق. لكنها لم تنتبه لأصغر الهفوات، فتحولت إلى أزمة في الترتيبات. ومن كان بالكاد يعبر خط الاجتياز، بات يرى في نفسه الأول بامتياز. فقد عرف من أين تؤكل الكتف الطرية، فأجاد أصناف الألعاب البهلوانية، في كل عرس له قرص وفي كل ميدان له لسان وفي كل فضائية له تكيّة وعند كل حبيب له نصيب.
رحم الله أجدادنا الذين عرفوا كيف يتغلبون على المشكلة قبل حضورها. وسقطت لجنة الوفاق في إشكالية التناوب داخل المشتركة، وقامت معركة لا معنى لها من أولها إلى آخرها. كلٌّ يدعي أن الكرسيَّ من حقه وإذا استقال فهو يتنازل عن أعز أملاكه. وتركوا الجمهور يتابع باندهاش وهو في حيرة من أمره. وأعلن الطبيب المدلل عصيانه وتمرده، دون أن يوقفه أي كبير عند حده. وسكت البعض وأخذ يعمل تحت الأرض، حاملا معول الهدم ليهدم ما يمكن هدمه. وبان التصدع والخلاف والانشقاق بين الأطراف جليّا عالمكشوف. وبدأت خطوة فك الشراكة دون وجل أو خجل فالشركة تركة كما هو مألوف. وإذا ما سأل أحد عن وضع التحالف وما يحمله الغد من أخطار. تجاهل البعض واستنكر البعض بأن لا خطر على أفضل خيار.
وبين جنون العظمة واحتكار المكان والتصلب بالرأي والتهور في الزمان، تسرب الشك وتغلغل الحقد وكثر اللغط وتبلبلت الألسنة بين الاخوان. فاستغل المتربص والمترصد والخصم والحكم هذا الوضع البائس، وجاء بالكاز والحطب وعود الثقاب وأشعل النار التي أكلت الأخضر واليابس. وعدنا كما كنا بدل أن نكون عربا أصبحنا عربين، بل بتنا في حال يرثى له ويندى له الجبين. فكل حزب لا يتنازل عن تمثيله، وكل طائفة تريد مندوبا، وأهل المثلث يطالبون بمرشح أسوة بأهل الجليل، وسكان المدن المختلطة والساحل عن مكانتهم غير راضين، وأهل النقب أعلنوا الغضب لأنهم ما عادوا في الحسبان، وكل متزعم يرى في نفسه حزبا مُهَزهَزاً متجاهلا ويلات جبران، فطموحه أن يكون نائبا في كنيست ليس له فيه شان. واحتدمت المعركة وترافست البغال لينعم المكاري بهذا الحال. وبدل أن نكون قائمة واحدة موحدة بتنا قائمتين منفصلتين متحاربتين، وكاسك يا وطن..
[email protected]