دعت شخصيات فلسطينية مقيمة في عدد من بلدان اللجوء إلى تنظيم حوار وطني شامل للاتفاق على البرنامج السياسي، وأسس الشراكة الديمقراطية والتعددية، وإلى الربط بين برامج العمل الوطني لمواجهة المخاطر التي تهدد الحقوق الوطنية، وبرامج العمل لمعالجة مشكلات وهموم التجمعات الفلسطينية المختلفة في الوطن والشتات.
وقدم هؤلاء مجموعة من الرؤى والاستنتاجات المتعلقة بالقضايا الوطنية العامة وتعزيز القواسم المشتركة والتصدي للمخاطر والتحديات من جهة أولى، وكيفية معالجة أوضاع الفلسطينيين في بلدان اللجوء والحفاظ على حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية، وآليات التنسيق والتشبيك للنهوض بدور الفلسطينيين في الخارج من جهة ثالثة.
جاء ذلك خلال ورشة حوارية نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، بالتعاون مع مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية، في إسطنبول، بمشاركة مجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية والناشطة في أوساط التجمعات والجاليات الفلسطينية في عدد من بلدان اللجوء (لبنان، الأردن، قطر، بريطانيا، ألمانيا، الولايات المتحدة، تركيا).
وألقى فائد مصطفى، سفير فلسطين لدى تركيا، كلمة في افتتاح الورشة رحب فيها بالمشاركين، وأشاد بدور مركز مسارات في تنظيم اللقاءات الحوارية التي تركز على القضايا الوطنية العامة، وأوضاع الفلسطينيين في الشتات، متمنيًا أن تحقق الورشة أهدافها.
وجاءت هذه الورشة في سياق سلسلة من الحوارات التي ينظمها "مسارات" في فلسطين التاريخية والشتات ضمن عملية مراجعة شاملة لجهود تحقيق الوحدة الوطنية في ضوء الدروس المستفادة طيلة فترة الانقسام، والمقاربات والاجتهادات المختلفة التي طرحت لتحقيق الوحدة الوطنية، بما فيها برنامج إعادة بناء الوحدة الوطنية الذي ينفذه مركز مسارات، وكذلك في ظل ما تفرضه التطورات والتحديات الراهنة أمام الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية من تفكير بالإستراتيجيات والآليات والأدوات الكفيلة بتعزيز القدرة الفلسطينية على مجابهة المخاطر وتحويل التحديات إلى فرص تخدم الكفاح الوطني الفلسطيني.
وطالب المشاركون بإعادة بناء المشروع الوطني الجماعي بالاستناد إلى الرواية التاريخية والحقوق الطبيعية والوطنية، وركائز المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني أينما وجد، مع تأكيد التمسك بالهدف الإستراتيجي المتمثل في تفكيك البنية الصهيونية ومنظومات السيطرة الاستعمارية الاستيطانية العنصرية، إلى جانب ضرورة الاشتباك مع سياسات دولة الاحتلال في كل الساحات دائمًا، وبمختلف أشكال النضال والعمل السياسي والديبلوماسي والإعلامي.
وجرت مناقشة المخاطر التي تهدد الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية جراء سياسات تعميق الاحتلال والاستيطان والعنصرية، والشروع في تطبيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبخاصة فيما يتعلق بالقدس ومحاولات تغيير مكانة وصفة اللاجئ الفلسطيني وشطب وكالة الغوث (الأونروا) وتشجيع مسار التطبيع العربي الإسرائيلي. وتم التأكيد على ضرورة وجود سياسة فلسطينية واضحة وحازمة تركز على إحباط هذه الخطة، ورفض ومقاومة التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وخاصة في الخليج، مع بذل جهد عربي يوقف تسابق بعض الدول العربية على التطبيع المعلن وغير المعلن مع إسرائيل، والاستفادة من موقف الشعوب العربية المناهض للتطبيع، إلى جانب توسيع حركة المقاطعة على المستوى العالمي لتشديد عزلة إسرائيل وسياساتها الاستيطانية والعنصرية.
وتوقف المشاركون أمام تداعيات استمرار الانقسام ومخاطر تحوله إلى انفصال وأسباب عدم نجاح الجهود التي بذلت حتى الآن في إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية. وأكدوا في ضوء ذلك وجوب العمل ضمن مسارين: الأول تنظيم حوار وطني حقيقي على موضوع البرنامج السياسي، والمسار الثاني كيفية مواجهة تحديات ومشكلات كل تجمع فلسطيني في ظل الانقسام. ونوهوا إلى أن العمل المشترك على معالجة القضايا الجزئية يمكن في حالة تحقيق نجاح به أن يقود الى تشجيع مختلف الأطراف على العمل تجاه القضايا الكلية الكبيرة، والعكس صحيح. وهو ما يعني الربط بين برامج العمل الوطني لمواجهة المخاطر التي تهدد الحقوق الوطنية، وبرامج العمل لمعالجة مشكلات وهموم التجمعات المختلفة في الوطن والشتات.
وناقش المشاركون إشكاليات التمثيل السياسي في ضوء تراجع مكانة ودور منظمة التحرير، وبخاصة فيما يتعلق بتمثيل الفلسطينيين في بلدان اللجوء، ومعالجة مشكلاتهم وتوفير الحماية لحقوقهم بمختلف أشكالها، لا سيما مع امتداد تأثيرات الاستقطاب الحاد بفعل الانقسام إلى المؤسسات والاتحادات والأطر التي تنشط في أوساط التجمعات والجاليات الفلسطينية خارج الوطن. ودعا عدد منهم إلى العمل على إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير لتضم الجميع، مع الحرص على إيجاد صيغ لتمثيل الفلسطينيين في أراضي 48 وفلسطينيي الأردن، في إطار المنظمة، وبخاصة مع وجود أعداد كبيرة ممن لا يحملون الجنسية الأردنية (حملة الجوازات المؤقتة)، موضحين أن استنهاض منظمة التحرير يجب أن يكون أساس عمل التجمعات والجاليات الفلسطينية في الخارج.
وجرى التأكيد على ضرورة توفير الشروط اللازمة لتمكين الفلسطينيين من اختيار ممثليهم عبر انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة على المستويات كافة في المنظمة والسلطة والبلديات والاتحادات والنقابات المهنية. وحذر بعض المشاركين من أن الانتخابات العامة في ظل تدخلات الاحتلال وحالة الانقسام ليست الحل، بل تعيد تدوير الأمور نفسها، مؤكدين أهمية توفير بيئة تضمن للجميع حرية الترشح والانتخاب، وفي مقدمتها التوافق على البرنامج السياسي، وأسس الشراكة السياسية، وأن تكفل حق الجميع بالمشاركة في الانتخابات، من خلال انتخابات للرئاسة والمجلسين التشريعي والوطني.
وفي هذا السياق، توقف المشاركون أمام واقع ومشكلات الاتحادات والنقابات المهنية وتعدد الهيئات والأطر التي تنشط في أوساط التجمعات والجاليات الفلسطينية في بلدان اللجوء، وبخاصة في أوروبا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، وطالبوا بالعمل على إعادة إحياء الاتحادات الشعبية والنقابات وتوحيدها مهنيًا وتغليب دورها النقابي والمهني على الدور السياسي. كما أكدوا على ضرورة دعم المبادرات القائمة، أو إطلاق مبادرات جديدة، لتوحيد الجاليات الفلسطينية والاتحادات والهيئات الممثلة لها.
وأوصى مشاركون بوضع برنامج لدراسة أوضاع كل من الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية والشعبية، مع تقديم اقتراحات عملية لكيفية إحيائها وتوحيدها، وإجراء انتخابات لهيئاتها، وإعلان نتائج هذا الجهد وتوظيفه كوسيلة ضغط لإصلاح الاتحادات والمنظمات الشعبية في سياق الضغط لإصلاح وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير.
وأكد المشاركون أهمية تعزيز وتوسيع مشاركة الشباب، وإلى إعادة دراسة العلاقة ما بين الحزب والفرد في ضوء العزوف، وبخاصة من الشباب، عن العمل السياسي المنظم، ورصد تأثير التحولات في هذا المجال على القضية الوطنية، وإلى ضرورة الوصول إلى بناء تيار وطني ضاغط، وكيفية تحويل أشكال العمل الجديدة خارج المنظومة السياسية التقليدية على مستويات المنظمة والسلطة والأحزاب السياسية إلى فرص تخدم تعزيز وحدة العمل الوطني المشترك لاستنهاض الطاقات الفردية والجماعية، وتركيزها على إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، مع تأكيد الحاجة إلى نهج من العمل القائم على مبادرات من القاعدة إلى الأعلى.
وفي ضوء ما سبق، اقترح مشاركون تشكيل لجنة "فنية" تضم كفاءات وتمثل معظم الفصائل، للعمل بعيدًا عن الاستقطابات وعن الإعلام، للتوصل إلى وثيقة برنامج سياسي مشترك، بحيث تشكل هذه الوثيقة أساسًا للنقاش مع الجميع في الوطن وبلدان اللجوء، في حين اقترح آخرون تشكيل فريق أو مجموعة تفكير لعقد لقاءات متكررة ومنتظمة للوصول إلى توافقات حول قضايا مختلفة، يجري إعلانها، ووضع خطة ضغط ومناصرة لتحقيقها.
كما اقترح آخرون على مركز مسارات تنظيم ورشات عمل للتجمعات والجاليات الفلسطينية في الخارج، وخاصة في لبنان وأوروبا، لمناقشة التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية، وأوضاع الفلسطينيين في تلك التجمعات بصورة خاصة، ووضع الحلول لها، واقتراح آليات تنسيق مشترك بين الهيئات والأطر الناشطة في أوساط الجاليات الفلسطينية، إلى جانب تنظيم ورشة عمل موسعة أو مؤتمر في الخارج للشباب والأطر الشبابية الفلسطينية من مختلف التجمعات في فلسطين التاريخية وبلدان اللجوء، وكذلك تنظيم ورشة خاصة بالمرأة الفلسطينية اللاجئة، وبخاصة في لبنان.
وأوصى المشاركون بالعمل على إنشاء آليات لربط خبرات المهجر والشتات مع المناطق التي بحاجة لها في الداخل ولبنان وبلدان اللجوء عمومًا، من خلال موقع إلكتروني لعرض الاحتياجات من التجمعات المختلفة، وكذلك عرض الخدمات والخبرات من الجهات التي يمكنها تقديم الخدمات والمساعدة.
وأشار البعض إلى أهمية قيام الجهات المعنية بإجراء إحصاء فلسطيني شامل لمعرفة أعداد الفلسطينيين ومؤهلاتهم في كل التجمعات، وأوصوا بالتشاور بهذا الخصوص مع مختصين ومع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. كما اقترح البعض إنشاء سجل نفوس لجميع الفلسطينيين، ودراسة الآليات اللازمة من أجل تحقيق ذلك. وتم التأكيد على ضرورة وضع حلول للحد من تزايد هجرة الفلسطينيين، وبخاصة من قطاع غزة ولبنان وسوريا، ومتابعة أوضاع المهاجرين في بلدان اللجوء، إضافة إلى إجراء دراسة لأوضاع الجاليات الفلسطينية في كل من هذه البلدان لمعرفة مستوى التأثير والاندماج، وبناء إستراتيجية عمل للجاليات في الخارج.
وطالب البعض بتشكيل صيغة أو إطار عمل مشترك يجمع مراكز دراسات مهتمة بالشأن الفلسطيني للعمل المشترك على عدة قضايا، مثل تقديم اقتراح لبرنامج وطني سياسي، وكيفية تطوير المنظمة، وإعداد تقرير حول أسباب الانقسام وكيفية تحقيق الوحدة يتم تقديمه لجميع الأطراف المعنية، إضافة إلى تنظيم ندوات ومؤتمرات في الخارج. ودعا البعض إلى تشكيل لجنة من مراكز الدراسات الفلسطينية والمهتمة بالشأن الفلسطيني تتعاون على مشاريع بحثية تقدم أجوبة، وتخرج برؤية حول دور الشتات لتعرض على جميع الأطراف المعنية.
يشار إلى أن نقاشًا مستفيضًا دار خلال الورشة حول أوضاع الفلسطينيين في لبنان وحقوقهم الإنسانية والاجتماعية، ومساحات العمل المشترك بين مختلف الفصائل رغم حالة الانقسام الداخلي، وبخاصة في ضوء مشاركة عدد من أعضاء القيادة السياسية الفلسطينية في لبنان في الورشة الحوارية. وتم الاتفاق على عقد اجتماع خاص قريب على مستوى القيادة السياسية لإحداث نقلة نوعية في دورها وانتظام اجتماعاتها والسعي لوضع برنامج عمل محدد وواضح.
[email protected]