أرحب بكم جميعًا، وأثمن حضوركم في هذا الظرف العصيب، فنحن آثرنا عقد هذا الحفل في ظل الأوضاع الصعبة تقديرًا منا لكم، وتجسيدًا للحقيقة الراسخة بأن الشعب الفلسطيني يحب الحياة وسيحيا بغض النظر عن المخاطر والصعوبات.
أبدأ بتحية الشعب الفلسطيني العظيم الذي بفضله ووعيه وتضحياته بقيت قضيته حية منذ أكثر من مائة عام وحتى الآن، رغم كل الأهوال والمؤامرات والمجازر والدمار والموت، ورغم عشرات الآلاف من الشهداء وأضغافهم من الجرحى، ورغم مليون معتقل، العديد منهم قضى سنوات طويلة وراء القضبان.
أحيي الشعب الذي أنجب أم ناصر أبو حميد، خنساء فلسطين، وأحيي الشهداء الأعظم والأكرم منا جميعًا: أشرف نعالوة، صالح البرغوثي، مجد أبو مطير، محمود نخلة، أحمد جرار، باسل الأعرج، حسين العارضة، إبراهيم أبو ثريا، رزان النجار، نور بركة، وجميع شهداء مسيرات العودة والشهداء القادة من جميع الفصائل ... آملًا أن تكون دماؤهم درب الوحدة الضرورية من أجل حماية القضية والسير بها على طريق الانتصار.
إن الحفل الذي نشارك فيه اليوم هو مسابقة برنامج تحدي الإبداع ... فلسطين 2018، التي تهدف إلى تنمية مشاركة المرأة الفلسطينية مشاركة كاملة جنبًا إلى جنب مع الرجل.
فالمرأة الفلسطينية تعاني من اضطهاد مزدوج: الاضطهاد الأول والأكبر، اضطهاد الاحتلال الذي يستهدف الشعب الفلسطيني كله برجاله ونسائه، والاضطهاد الثاني، اضطهاد النظام الأبوي الذكوري الذي يميز بين الرجل والمرأة، رغم أن المرأة نصف المجتمع، والمجتمع الذي نصفه مضطهد لا يمكن أن يفجر كل طاقاته وإمكاناته وإبداعاته، ولا يمكن أن يكون حرًا، فحرية المرأة ضرورية لتحرير الوطن والإنسان، وحرية المرأة لا تتحقق بنضال المرأة وحدها فقط، وإنما بنضال المرأة والرجل. فالحرية قضية واحدة لا تتجزأ.
في هذا السياق، جاءت مسابقة تحدي الإبداع ... فلسطين 2018، وهي عبارة عن مسابقة تنافسية بمشاركة مجموعات تضم شبانًا وشابات من مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني، وهذا ينسجم مع فلسفة مركز مسارات التي تنطلق من أن الشعب الفلسطيني وقضيته واحدة وأرضه واحدة، وشعبه واحد، لذلك تستهدف مختلف البرامج أفرادًا أو مجموعات من الضفة والقطاع وأراضي 48 والشتات.
إن برنامج تحدي الإبداع يمثل تجربة جديدة لمركز مسارات، وهي تسعى لتنمية مقاربات تهدف إلى تقوية مشاركة المرأة في الجهود المجتمعية، من خلال تقديم مبادرات تساهم في تحقيق هذا الغرض. وأظهر المشاركون فيها دورًا قياديًا في تصميم وتطوير مبادراتهم بشكل ملموس، وقاموا بتقديم حلول قابلة للتطبيق للمشكلات التي عرضوها.
وتلقى المشاركون في البرنامج تدريبًا وإشرافًا في مجالات عدة، فقد اكتسبوا مهارات في العمل الجماعي والمشاركة السياسية، وتحديد الرؤية ومسار التأثير، وتعرفوا إلى كيفية تحديد المشكلة، ومعرفة الجدوى والحل، وأدوات الاتصال، وكيفية الحصول على التمويل ووضع الموازنة والمساهمة في شبكات التواصل، ومعرفة وتحديد المجموعات المستهدفة وأصحاب المصلحة.
شارك في هذا البرنامج خبراء محليون نقدم لهم التحية والتقدير على ما قاموا به، كما شارك فيها خبراء من فنلندا من مؤسسة ديموس المتخصصة، ومن مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية (CMI)، وكان من بين الخبراء عضو في البرلمان، شغلت منصب وزير الصحة ونافست على الرئاسة الفنلندية.
نفذ هذا البرنامج بالشراكة ما بين مركز مسارات وCMI، الشريك الدائم لمسارات منذ تأسيسه في واحد من أهم البرامج التي ينفذها المركز، وهو برنامج الحوار الوطني من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية. هذا البرنامج الذي ساهم مساهمة ملموسة في تشخيص أسباب الانقسام وجذوره، والأهم ساهم في وضع اقتراحات وحلول، من خلال مشاركة واسعة من الخبراء والمفكرين وممثلي مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، ومن النشطاء والفاعلين من المرأة والشباب.
نحن نفخر بهذا البرنامج الذي ساهم في إبقاء ملف الوحدة مطروحًا في كل الظروف والمراحل، وأظهر بالملوس أن الوحدة ممكنة إذا توفرت القناعة والإرادة اللازمة. كما ساهم في تقليل أضرار الانقسام دون تدهوره أكثر.
إن برنامج تحدي الإبداع يستجيب للاتجاه العالمي الذي يركز على المبادرة والخلق والإبداع، فلم يعد يكفي في هذا العصر أن تكون متعلمًا أو صاحب شهادات أو خبرات عامة، بل لا بد أن تكون مميزًا ومبدعًا وقادرًا على مواكبة وتقديم الجديد باستمرار.
وما يعكس هذا الاتجاه العالمي أن شركات كبرى نشرت إعلانات في الآونة الأخيرة تطالب بموظفين، ولا تشترط بالمتقدمين للحصول على الوظائف أن يكونوا من حملة الشهادات، وإنما أن يكونوا من ذوي الخبرات والمهارات المطلوبة.
لقد كانت مسابقة تحدي الإبداع تجربة مثيرة وملهمة، استفدنا منها في مركز مسارات واستفادت منها الفرق المشاركة، وهي جميعها فازت بغض النظر عمن سيفوز بالجائزة، فهي عاشت تجربة فريدة ومذهلة حصل فيها المشاركون على معارف وخبرات وصداقات جديدة. وبالنظر إلى أهمية هذه التجربةـ يدرس مركز مسارات تكرارها وتعميمها على مجالات وقطاعات جديدة.
أحيي جميع الفرق على ما أظهرته من قوة وجدية ومسؤولية وإبداع، وأحيي الحضور الذي حضر رغم الظروف العصيبة الراهنة، وأحيي الخبراء المحليين والأجانب ولجنة التحكيم التي قامت بعملها بكل شفافية، وأحيي شركاءنا في مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية، وخاصة سلطان ياسين مستشارهم في فلسطين، الذي لعب دورًا مهمًا في جميع مراحل إعداد هذا البرنامج، كما أحيي الطاقم الوظيفي في المركز، خصوصًا خليل شاهين مدير البرامج في المركز، الذي كان له حضور واضح ومتميز في تنفيذه.
شكرًا لكم مرة أخرى، وآمل أن يكون هذا البرنامج نموذجًا قابلًا للتعميم في فلسطين من قبل مؤسسات ومراكز أخرى.
[email protected]