رغم الحقيقة أن البلدات في الداخل الفلسطيني تخوض "إنتخابات ديمقراطية" لإنتخاب رؤساء وأعضاء للسلطات المحلية ككثير من البلدان حول العالم إلا أن الواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي لمواطني هذه البلدات له خصوصية تفرض تعاطياً مختلفاً مع مفهوم وممارسة الإنتخابات سواء كان من قبل المرشح أو الناخب .
يجب ألا يغيب عن بال المرشح والناخب أن المواطنين الفلسطينيين يخوضون التجربة الإنتخابية – وأن كانت في ظاهرها ممارسة للديمقراطية – في ظل معادلة معقدة تتداخل فيها سياسة الإضطهاد القومي والتضييق الإقتصادي, مصادرة الأراضي , إنتهاك الحريات الشخصية , محاولات طمس الهوية الوطنية , محو الإرث الحضاري وإجتثاث الأجيال الشابة من إنتمائهم الحقيقي من قبل السلطات المشرفة على الإنتخابات " الديمقراطية " والأنكى من ذلك تقزيم همّ المواطن ليقتصر على الإنشغال بلقمة العيش وتسهيل الأمور اليومية.
هذه الحالة الخاصة لطبيعة واقع المواطنين في الداخل تحتم على الناخب التعاطي مع مفهوم الإنتخابات من منطلق واع وناضج يليق بمستوى الهم الوطني والواقع السياسي لهذا المواطن.
ومن هنا فإنه يتحتم على المرشح أخذ هذه الحقائق بعين الإعتبار عندما يطرح برنامجه الإنتخابي ويمارس دعايته الإنتخابية ,بحيث لا يبقى مكان للتساقط الأخلاقي والإنحراف عن قيم الصدق والغيرة ,فلا توزع وعود شخصية ,والتي أقل ما يقال فيها أنها خيانة للأمانة, ولا مكان للوعود الفضفاضة والكذب على الناس أو رفع شعارات يستحيل تطبيقها .لا مكان لإثارة النعرات العائلية والصراعات الحزبية والفتن والتهديد والوعيد أو الإنتقام أو الإستقواء على الناس، فالمطلوب طبعا طرح برنامج إنتخابي راقٍ يشمل مشاريع قابلة للتطبيق تعني المواطن وتهدف إلى رفع ثقافة ووعي الناس وطنياً و تعزيز الألفة الإجتماعية. من المفروض أيضا التفاني في تنفيذ المشاريع الخدماتية وطرح حلول معقولة في مشاكل التربية والتعليم، المسكن , البيئة , ظاهرة العنف في بلداتنا أو التساقط السياسي . أي باختصار طرح مشروع شامل يعكس الواقع السياسي المميز لأبناء المجتمع .
طبعا هذا مع التأكيد أن يكون المرشح نظيفاً وطنياً، صاحب خلق ومحل ثقة بين الناس، مؤهل بمهاراته القيادية أن يتبوأ هذا المنصب الخدماتي.
وعلى الناخب أن يسير بنفس التيار ويرتقي في تعاطيه مع التصويت إلى مستوى همه الكبير وأن يدرك أن باب الأرزاق ليس إنتخابات السلطة المحلية وأن الإنتخابات يجب ألا تكون سبب للخلاف والتعاطي بقلة احترام وعنف مع الآخر وأن التصويت حرية شخصية وأن تزكية إنسان كرئيس للسلطة المحلية هي أمانة في عنق الناخب . لذلك يجب أن يبنى إختياره على إعتبارات راقية حضارية . إذا هي ثقافة وممارسة يجب إتقان كليهما.
[email protected]