أوجه رمحي هذا الأسبوع كالمطر الغزير ليغذي نموَّ الإنسان دون أن يدمِّر جذوره، وأختار الكتابة بلغةٍ أشبهَ للغة الصمت المطلق؛ لما لها من صدًى ونغمة خاصّة.
أكتب للكثيرين منا الّذين ينتمون إلى فئة الجثة الهامدة، وأتساءل: من منكم يريد أن يكون قبرًا لها.
وأضيف واحسرتاه! على هؤلاء الذين يغمسون أقلامهم المزيفة والمزركشة في دماء قلوبنا، ثم يدّعون ويزعمون الوحي والإلهام، رغم ما لهم من دور وضلع لما وصلنا إليه من انحلال، نفاق، تلوّن، عنف، فساد، وبلطجيّة. وقد تفاقمت ظاهرة لغة التجريح، الحقد، الكراهية، ونكران الجميل وغدت متجذّرة في أعماقنا، وانعدم الصدق والأمن. فأين القانون ومؤسساته وأصحاب المواقف والعقول المتزنة وأهل الخير والإصلاح؟
بعد هذه المقدمة لم أشرح وأوضح الدوافع والتوقيت...
داخل أسوار مدينتي وبين حاراتها، وفي حواكيرها، وعلى سطوحها وقلعتها النازفة والمستغيثة يتألم ويتذمّر المواطن ويعاني، ولا أبالغ إن قلت بدأ يفتش عن العزلة والهدوء ليرتاح ويحافظ على ما تبقى من كرامته في بلد أصبح كلٌّ يغني على ليلاه. بلد كان الأنقى والأجمل، القدوة والمثال إلا أن تغيير قوانين اللعبة وقواعدها، ومجرى الحياة تسير في الاتجاه السلبي، نحو الهاوية. وكما يقول المثل: العنوان على الحائط والأيام الآتية ستكون أقسى. ثم آه، بل ألف آه على ما يجري على مستوى العائلة، فماذا يحدث مع الأخ والجار وابن العم والصديق وابن البلد؟
لا، لم نعد نتمنى لبعضنا الخير، وماتت مشاعرنا وقلوبنا، كل يحلّل ويحرّم ما يحلو له ويخدم مآربه الشخصية مهما كان الثمن ولو على حساب أقرب المقربين.
ألف ألف هلا بقدوم شهر "المرحبا " شهر الصفقات، المؤامرات، المجاملات، الأكاذيب، الخداع، المسرحيات، والشعارات البراقة، ومسح الجوخ والهز.
نعم تدهشني حكاية مدينتي وأهلها الّذين، وكما يبدو، لا يراهنون على إسدال الستارة على هذه المشاهد الهزلية المقلقة ومحاربة هذا النهج والاستراتيجية والعقلية القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب، وأورثتنا التدهور، التردي، الانحلال، الرضوخ، والركوع للروتين، والتسليم إلى هذا الواقع.
رغم ما تقدم، رماح لا زالت تؤمن بوجود طاقات قادرة على التغيير والإصلاح إذا توحّدت وعملت بنوايا وقناعة لعل وعسى تنعم بلدتي وقلعتها الباسطة ظلالها باستقبال فجر جديد يبشر بخلع حلة بيضاء مزهرة عليها؛ لتبدو كالربيع في فصوله التربوية، الأخلاقية، الاجتماعية والسياسية، والله وراء القصد.
[email protected]