منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً وأنا أظهر بشكل مستمر على شاشات التلفاز ، أقدم البرامج تارة ، وأحل ضيفاً على زملائي الإعلاميين تارة أخرى ، وبرغم تنوع أسماء المحطات والقنوات والإذاعات التي أقصدها - عربية وغير عربية - إلا أنني شعرت بشعور مختلف تماماً هذه المرة ، شعور دفعني للتعبير عنه بخط القلم بعد دفق القلب .
بدعوة من الزميل الإعلامي هشام منور ، حللت ضيفاً على قناة أورينت السورية في اسطنبول ، كمختص في الشأن التركي لتحليل بعض القضايا التي تتصل بتركيا وعلاقاتها مع الإقليم والولايات المتحدة والعقوبات ونحوها ، ومع أن الموضوع مهم وحساس ، إلا أن الشعور الذي رافقني وأنا أدخل القناة ، وأجلس على مقعد الضيف ، وأتلقى الأسئلة الكريمة من محاوري العزيز ، قد حملني إلى بعد آخر تماماً .
أنت في قناة سورية ، هواؤها وكلمات فريق العمل وموظف الاستقبال والفريق التقني فيها يتكلم باللهجة السورية المحببة ، تذكرت وتذكرت ، وحلقت في فضاء درعا ودوما وجسر الشعور وإدلب وجرجناس، تذكرت حلب وحماة ، وطافت بي الذكرى في أشكال الألم والمعاناة التي عاشها هذا الشعب العزيز لقرابة عقد من الزمان ، شعب انتقل من المطالبة بحقه سلمياً لصراع كل قوى العالم التي تدخلت في أرضه وسمائه، وباتت كل أساطيل العالم تتحرك حول دياره التي طرد منها .
شعور غريب فعلاً أن تعيش اللحظة بين أهلها ، تسأل عن حال الناس بينهم ، وتتعرف إلى أناس جدد تلتقيهم من مناطق سوريا الجريحة النازفة فتزداد شوقاً للمعرفة كما تزداد شوقاً للبكاء.
مع انتهاء مقابلتي ، طلبت من فريق العمل أن يعرفني بإدارة القناة ، وبالفعل ، كان في استقبالي المدير التنفيذي الأستاذ مهند سيد علي الذي أغدق علي ببسمته قبل حسن ضيافته، ومن خلال لقاء قصير ومقتضب ، شعرت أن لسوريا حقاً علي في التفاعل معها بما أستطيع ، وأن نكون وقّافين عند حدود مسؤولياتنا الإعلامية والأكاديمية في نصرتها بما نستطيع في ظرف تخلى عنها فيه أصدقاء سوريا قبل أعدائها.
هي لحظات من السعادة التي عشتها بكل تفاصيلها، ورغبت بمشاطرتكم إياها ، فالجرح السوري الغائر ليس مدعاة لليأس برغم كل ما فيه ، ومتى رأيت شاباً سورياً صامداً مبتسماً يحاول أن يشق طريقه في عالم العطاء كلما تيقنت أن سوريا بخير، وكلما رأيت نجاحات السوري المشرد عن دياره في الجامعات التركية أو الأوروبية أو الحياة الأكاديمية أو العمل الإعلامي كلما انتابني شعور بالفخر لجيل جديد لا يمتلك من مقومات الحياة إلا عزته وبها يصول ويجول ، فشكراً لمن أتاح لي هذه الفرصة السانحة لعيش هذه اللحظات .
[email protected]