أثناء مكوثي في لندن، شاهدت عشرات العروض المسرحية، فمن المتّبع هناك، أن يؤمّن المسرح نسخة مطبوعة من المسرحيّة للمشاهد، وبسعر مخفّض.
سنحت لي الفرصة يوم الجمعة 08.06.2018 أن أشاهد برفقة زوجتي العرض الاحتفاليّ لمسرحيّة "راس عروس" على خشبة مسرح المركز الجماهيري مجد الكروم (بدأ العرض بتأخير 24 دقيقة، وهذا مأخذ يُدان على المنظّمين، فعليهم احترام التوقيت لبناء ثقافة مسرح واحترام الفن)، لكنّي فوجئت بأنّ كُتيّب المسرحيّة معروضٌ، ومجانًا، لمن يتعهّد بقراءته!. بوركتم!
ألّف المسرحيّة وأنتجها، المسرحيّ إبراهيم خلايلة، من مواليد قرية مجد الكروم الجليليّة، ومن مؤسّسي فرقة "الحكواتي" المسرحيّة الفلسطينيّة والمسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس. حيث شارك في التأليف الجماعيّ لمسرحيّات الحكواتي، كما شارك في التمثيل في أعمالها المسرحيّة: "محجوب محجوب"، "جليليّ يا عليّ"، "ألف ليلة وليلة من ليالي رامي الحجارة"، "قصّة العَين والسنّ". إضافة إلى تأليفه مسرحية "تغريب العبيد" ومسرحيّة "العصافير". (صدر كُتيّب "أساطير الإنس والجانِ في دولة برهان الزمانِ" عن دار النشر الحيفاويّة "مجد" لصاحبها الفنّان ظافر شوربجي، وتحوي في طيّاتها 60 صفحة من القطع المتوسّط، لوحة الغلاف: الفنان زياد حمّود، تدقيق لغوي: وسام دلال خلايلة).
تتناول مسرحيّة "راس عروس" موضوع العودة كموتيف مركزيّ، قام الفنّان منير بكري بتصميمها وإخراجها ومسرحتها، وساعده أحمد تيتي، لتُعرض على خشبة المسرح، يقوم بتمثيلها الفنّانون فزع حمّود، أحمد حسيّان وهديل خطيب.
بعض من ملامح الشخصيّات وقصصهم مستوحاة من شخصيّات حقيقيّة لمهجّرين في قضاء الناصرة. عامر العبد الله: الراوي- ابن عبد الله بن فالح "قطروز" راس عروس، برهان الزمان- شاعر وزجّال راس عروس، زكريا- ناطور راس عروس، أحلام/ذكرى- ممثّلة مبتدئة في بداية طريقها وعاملة اجتماعيّة وتُقدّم جميعها من خلال ثلاثة ممثّلين يؤدّيها فزع، هديل وأحمد بمهنيّة عالية، أمّا فزع فهو ممثّل بالفطرة وهذه مشاركته المسرحيّة الأوّلى!
تتناول المسرحية قصّة تهجير أهل راس عروس وتشتّتهم في أماكن مختلفة ولكن حلم وهوَس العودة يلاحقهم يوميًا، ومفتاح الدار في رقبة عامر، ينتظر عودته إلى بلدته ليفتح باب البيت ويتزوّج عروسه الموعودة هناك.
مَهر العودة سمسم راس عروس، سمسم مسحور، الحبّة منه تفتح أبواب الدّنيا، ومهمّة عامر أن يوزّع حبّات السمسم على أهالي راس عروس المشتّتين في طول البلاد وعرضها، برفقة زكريا وبرهان الزمان وأحلام/ذكرى ابنة الأستاذ معلم المدرسة من راس عروس، للمرأة دور أساسي في مشوار وقضيّة اللجوء... والعودة.
تتناول المسرحيّة التيه، و"لخبطة" الأدوار، بين الممثّلين والواقع المرير، عذاب الغربة والتهجير والفقد، والمفتاح باق في رقبته، حجاب ومفتاح الدار براس عروس، بفضله يتنفّس ويحيى ومن أجله بعيش ويبقى... يحتفظ به ليوم الفرح، يوم العودة ليفتح باب داره ولا يريده أن يفتح أي باب حتّى أبواب الجنّة!. معه المفتاح ويصرخ بأنّه يريد الباب... الباب الموجود في راس عروس.
أعجبني مشهد المقهى وروّاده وما يدور فيه بين المسنّين وطقوسهم ولعبة الورق ...سكمبيل، وأحلام المسنّين وما آلت إليه أحوالهم منذ النكبة وضياع الحقل... والراديو محور حياتهم. يُفقد الأمل ليعود الحزن وتختفي الفرحة عن الوجوه.
يلتقي زكريا بمعظم أهالي راس عروس، الجيل القديم وأولادهم الجيل الجديد وجميعهم أخذوا حبّة سمسم، ووضع حبّة سمسم على قبور الأموات ونادى بنزع ثياب الملل والانتظار وارتداء ثياب العمل والاحتفال للّقاء في راس عروس.
يسيرون نحو راس عروس على صوت الموسيقى ورقصة الفرح، يتّجه برهان نحو الباب ويفتحه ويتّجه نحو أحلام العروس ويُراقصها كأنّه زكريا وبسرعة يعود ويُراقصها كأنّه عامر العبد الله وهي أحلام وتنتهي بغناء عامر:
"عندما يأخذ كلّ واحد فيكم حبّة سمسم من السمسم المسحور.
وكلّنا مع بعض نقول افتح يا سمسم...
يمكن أن تفتح أبواب راس عروس..."
وينزلون بين الجمهور ويوزّعون السمسم!
ديكور المسرحية بسيط متواضع، عبارة عن مقعد خشبيّ، راديو قديم، بقجة ملابس ومفتاح العودة من تصميم الفنّان عبد الله نقولا. صمّمت مارلين كيوان الملابس وجاء تصميمها موفّقًا وملائمًا للمسرحية وأجوائها. عملت صوفيا كيوان على حركة الممثّلين ونجحت في ذلك. الموسيقى الخلفيّة بإدارة بلال خلايلة وصوت سناء موسى أدخلا الجمهور إلى أجواء المسرحيّة، فجاءت مميّزة ببساطتها ومهنيّتها.
أعذروني يا من قمتم بهذا العمل الرائع، ولكن، عدم توزيع مطويّة ببرنامج الأمسية وأسماء المشاركين وطاقم العمل، حال دون إنصافي لكم بما فيه الكفاية، فردًا فردًا، فحبّذا لو نال اهتمام المسؤولين، وتعاملوا معه بدرجة أعلى من المهنيّة، كما هو متبّع في المسارح العالميّة (فهناك، إضافة لأسماء المشاركين، لمحة قصيرة عن كل منهم، كما ويُضاف عرض موجز للمسرحية).
وأخيرًا،
عندما يشرب الضيف القهوة في الشتات يقول لمُضيفِه: "بالعودة"! وبدوري أقول لكم: "بالعودة"!
المحامي حسن عبادي
[email protected]