سيادة المطران عطا الله حنا يشارك في ندوة عقدت في مدينة سيدني الاسترالية حول الحضور المسيحي في فلسطين : " المسيحيون الفلسطينيون متمسكون بعراقة حضورهم وانتماءهم لهذه الارض المقدسة"
القدس ، سيدني – شارك سيادة المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس اليوم في ندوة عن الحضور المسيحي في الاراضي الفلسطينية وقد اقيمت الندوة في مدينة سيدني الاسترالية بمشاركة عدد من ممثلي الكنائس والشخصيات الفلسطينية المقيمة هناك .
وقد شارك سيادة المطران في هذه الندوة مباشرة من مدينة القدس عبر وسيلة الفيديو كونفرنس حيث تحدث عن المبادرة المسيحية الفلسطينية ووثيقة الكايروس .
شكر سيادة المطران في كلمته القائمين على هذه الندوة والمشاركين والمتحدثين فيها مؤكدا على اهمية هذا الموضوع المطروح لا سيما اننا عندما نتحدث عن الحضور المسيحي في فلسطين نحن نتحدث عن المسيحية في مهدها وفي الارض المقدسة التي احتضنت كافة الاحداث الخلاصية والتي منها انطلقت البشارة الانجيلية الى مشارق الارض ومغاربها .
فلسطين في المسيحية لها مكانتها الكبيرة حيث ان هذه البقعة المقدسة من العالم التي اسمها فلسطين تحتضن اهم المقدسات المسيحية المرتبطة بحياة المخلص على الارض لا سيما كنيسة المهد وكنيسة القيامة وغيرها من الاماكن المقدسة الشريفة الموجودة في بلادنا .
الحضور المسيحي في بلادنا هو حضور اصيل ، والمسيحية في فلسطين كما وفي سائر انحاء مشرقنا العربي ليست بضاعة مستوردة من الغرب كما يظن البعض ، هنالك بعضا ممن لم يقرأوا التاريخ جيدا عندما يتحدثون عن المسيحية يلتفتون الى الغرب وكأن المسيحية انطلقت من الغرب واتت الى الشرق والى سائر ارجاء العالم ، المخلص لم يولد في روما ولا في القسطنطينية كما انه لم يولد في لندن ولا في باريس وفي غيرها من العواصم العالمية ، المخلص ولد في فلسطين وفي قرية متواضعة اسمها بيت لحم ولذلك فإننا كفلسطينيين نفتخر بأن وطننا هو وطن المسيح الارضي وبلادنا هي البقعة المقدسة من العالم التي تمت فيها كافة الاحداث الخلاصية ولذلك فإنني اود في مداخلتي هذه ان اؤكد بأن المسيحية مرتبطة تاريخيا وجغرافيا وتراثيا وحضاريا بأرضنا المقدسة ومشرقنا العربي ، الحضور المسيحي في بلادنا العربية ليس من مخلفات حملات الفرنجة كما يظن بعض اولئك الذين يتفننون في تزويرهم للتاريخ، نحن لسنا من مخلفات حملات الفرنجة او غيرها من الحملات الغربية التي مرت ببلادنا، نحن اصيلون في انتماءنا لهذا المشرق العربي والمسيحيون كانوا دوما ضمير هذا المشرق وكانت لهم اسهاماتهم في الحقول الثقافية والفكرية والانسانية والوطنية الى جانب زملائهم وشركاءهم في الانتماء لهذه الامة وهم اخوتنا المسلمون الذين نتشاطر واياهم الالام والاحزان كما والهواجس المستقبلية .
المبادرة المسيحية الفلسطينية هي مبادرة اطلقها رجال دين وشخصيات مسيحية فلسطينية من قلب فلسطين الارض المقدسة ، من رحاب القدس وبيت لحم ، من رحاب هذه البقعة المقدسة التي نعتبرها بأنها قبلتنا الاولى والوحيدة ، يؤسفنا ان نقول بأن هنالك من سعوا لتغييب الحضور والموقف والصوت المسيحي في الحياة الوطنية الفلسطينية ، في ظل انعدام وجود موقف كنسي رسمي من القضية الفلسطينية باستثناء بعض الاصوات الشريفة النظيفة التي نسمعها اتت هذه المبادرة لكي تكون صوتا بإسم المسيحيين الفلسطينيين الذين يشعرون في بعض الاحيان بأنه لا يتحدث احد بإسمهم ولا يتحدث احد عن آلامهم وهواجسهم وتطلعاتهم ، اتت المبادرة المسيحية الفلسطينية لكي تكون صوتا واضحا بإسم مسيحيي بلادنا المنتمين الى كنيستهم والى وطنهم والمؤمنين بقضايا العدالة والحرية ، اردنا ان يصل صوت المسيحيين الفلسطينيين الى كل مكان في هذا العالم ، فكانت وثيقة الكايروس ، حيث رغبنا بأن يسمع العالم ما يقوله المسيحيون الفلسطينيون عن انفسهم ولا ما يقوله الاخرون عنهم .
لا ندعي اننا نمثل كافة المسيحيين الفلسطينيين ولكننا نمثل شريحة كبيرة من مسيحيي بلادنا المتمسكين بعراقة انتماءهم وجذورهم واصالتهم الروحية والوطنية العربية الفلسطينية .
يؤسفنا ويحزننا ان هنالك من سعوا ومازالوا يسعون لتهميش الموقف المسيحي واضعاف الحضور المسيحي العريق في هذه الارض المقدسة ، يؤسفنا ويحزننا ان هنالك بعضا من القيادات الروحية المسيحية التي تتحدث عن القضية الفلسطينية بلغة دبلوماسية لكي لا تزعج هذا الطرف السياسي او ذاك في حين ان الصوت المسيحي حول القضية الفلسطينية يجب ان يكون واضحا بدون تلعثم وتردد وخوف ، في دفاعنا عن قيم العدالة والحرية والكرامة الانسانية ، لا يجوز لاي احد ان يكون مترددا او متلعثما فالقيم المسيحية تحثنا على ان نكون منحازين لكل انسان مظلوم ومعذب ومشرد ومضطهد ، ومن يترددون في دفاعهم عن هذه الشريحة انما يسيئون للقيم المسيحية وللرسالة المسيحية الحقة ، اردنا ان يكون هنالك صوتا مسيحيا وطنيا في ظل غياب موقف كنسي رسمي ، اردنا ان يكون هنالك موقف مسيحي فلسطيني وطني واضح في ظل ما تتعرض له القضية الفلسطينية من تحديات ومؤامرات هادفة لتصفيتها .
هنالك بعضا من الاقطار العربية لا سيما سوريا والعراق وغيرها من الاماكن التي عانت من الارهاب الذي استهدف المسيحيين وغيرهم من المواطنين ، حيث اوجدت لنا القوى الاستعمارية في عالمنا هذه المنظومة الداعشية الخارجة عن السياق الانساني والروحي والحضاري ، أما عندنا في فلسطين فقد اوجدوا لنا داعش من نوع اخر وبثوب مختلف بهدف استهداف المسيحيين في عقر دارهم وتهميشهم واضعافهم والنيل من حضورهم وانتماءهم وتصفية ما تبقى من اوقافهم التي هي جزء من تاريخنا وتراثنا وانتماءنا ، الكنيسة الارثوذكسية مستهدفة ولكن يمكنني ان اقول بأن كل الكنائس مستهدفة وبوسائل وانماط متعددة ومختلفة ولذلك فإنني اعتقد بأنه ما هو مطلوب منا في هذه المرحلة هو ان نتحلى بالوعي والحكمة والمعرفة بخطورة هذه المرحلة التي نمر بها ، البعض مصرون على تجاهل الوضع المأساوي الذي وصلنا اليه ، وهم كالنعامة يضعون رؤوسهم في الرمال ويظنون انهم موجودون في مكان اخر ، علينا ان نعرف خطورة الوضع الذي وصلنا اليه ، فالمسألة ليست مقصورة على عقارات واوقاف تباع بأبخس الاثمان ، ولكن هنالك مؤامرة تستهدف وجودنا العريق في هذه الارض المقدسة .
صحيح انه للبيت رب يحميه وصحيح ان للكنيسة هنالك رب يحميها ، ولكن هذا لا يعني ان جماعة المؤمنين يجب ان يتنصلوا من مسؤوليتهم تجاه كنيستهم وتجاه هذا الحضور المسيحي العريق في هذه البقعة المقدسة من العالم .
لن يغيب وجه المسيح عن بلادنا وعن مشرقنا مهما كثر المتآمرون والمتخاذلون ، ومهما كثر تجار الهيكل الذين يلبسون ثوب الدين والدين منهم براء الا ان الكنيسة باقية وشعبها باق ولا توجد هنالك قوة قادرة على اقتلاعنا من جذورنا الايمانية والوطنية في هذه الارض المقدسة .
في وثيقة الكايروس تحدثنا عن الدولة المدنية التي نتمناها ، لا نريد دولة يتحدثون فيها بلغة الاكثرية او الاقلية ، نريد دولة مدنية ديمقراطية تحترم فيها حقوق الانسان ولا يتحدثون فيها بلغة الانتماء الطائفي بل بلغة الانتماء للوطن ، نريد دولة المواطنة ، نحن نطمح الى ان تكون فلسطين دولة متميزة بمدينيتها وديمقراطيتها ورقيها ، فهذا الشعب الذي قدم كل هذه التضحيات يستحق ان تكون عنده دولة نموذجية وهذا ما يتمناه كل فلسطيني عاقل مثقف ومنتمي لوطنه ولقضية شعبه .
كثيرة هي الضغوط التي تمارس علينا بسبب حضورنا في الحياة الوطنية الفلسطينية وهذه الضغوط تمارس علينا منذ عشرات السنين ، تعرضنا للاضطهاد والاستهداف والتهميش والتهديد والوعيد ولكننا باقون على العهد ولم ولن تؤثر علينا مثل هذه الضغوطات والممارسات لاننا اصحاب قضية عادلة ولسنا مستعدين بأي شكل من الاشكال للتنازل او التراجع عن مواقفنا المبدئية ودفاعنا عن شعبنا الفلسطيني المظلوم الذي ننتمي اليه ومن واجبنا ان ندافع عن عدالة قضيته ، المسيحيون الفلسطينيون هم قلة في عددهم ولكنهم ليسوا اقلية ، نحن نرفض ان يتم التعاطي معنا وكأننا اقلية ، نحن مكون اساسي من مكونات شعبنا ومشرقنا وجمال وبهاء بلادنا لن يكون الا من خلال هذا الحضور المشترك وثقافة الوحدة الوطنية والتآخي الديني بين كافة ابناء شعبنا الفلسطيني الواحد مسيحيين ومسلمين .
لن يصمت المسيحيون الفلسطينيون امام اية ضغوطات او ابتزازات من اي جهة كانت وسيبقى انحيازنا لشعبنا ولقيمنا الانسانية والروحية ولحضورنا التاريخي وجذورنا العميقة في هذه البقعة المقدسة من العالم .
كما اجاب سيادة المطران على عدد من الاسئلة ، أما المشاركون في الندوة فقد وجهوا التحية لسيادة المطران ولكافة ابناء الشعب الفلسطيني وعبروا عن تقديرهم وتثمينهم لدور سيادة المطران الرائد في الدفاع عن الحضور المسيحي في فلسطين وفي الدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية كما واعربوا عن تضامنهم مع سيادة المطران الذي تعرض وما زال يتعرض للاضطهاد والاستهداف بسبب مواقفه رافضين التفريط بالعقارات ومطالبين باتخاذ الاجراءات المطلوبة لوقف هذا النزيف الذي يستهدف الحضور المسيحي ويستهدف اوقافنا المسيحية في الارض المقدسة .
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]