يتساءل الكثيرون من ابناء رعيتنا ومن ابناء شعبنا الفلسطيني ماذا يحدث في بطريركيتنا الارثوذكسية في القدس ؟؟!!
يتسائل الكثيرون عن اوضاع الكنيسة الارثوذكسية واوقافها وعقاراتها المستباحة ومستقبل وجودها في هذه الارض المقدسة .
ونحن نود ان نقول بأن كنيستنا الارثوذكسية هي كنيسة نفتخر بانتماءنا اليها وهي الكنيسة الاولى والام في هذه الارض المقدسة ، وان افتخارنا وتشبثنا وارتباطنا بايماننا وتراثنا وانتماءنا الروحي لا يعني على الاطلاق الصمت والاستسلام والضعف امام الاخطاء البشرية والتجاوزات التي تحدث داخل الكنيسة والتي تسيء الى تاريخها وهويتها ورسالتها في هذه الارض المقدسة .
ان مسألة التفريط بالعقارات والاوقاف الارثوذكسية ليست مسألة حديثة العهد بل هي نكبة نعيشها منذ عشرات السنين ومن يذهب الى القدس الغربية او الى غيرها من الاماكن في بلادنا المقدسة يمكنه ان يعاين الكثير من الاراضي والعقارات التي تم التفريط بها بشكل غير مسؤول وبطرق التفافية غير قانونية وغير شرعية ، حتى ان هنالك بعضا من المؤسسات الحكومية الاسرائيلية الرسمية في القدس الغربية مبنية على اراض تابعة للبطريركية الارثوذكسية في القدس .
لم تتوقف هذه الصفقات منذ ذلك الحين واليوم نحن نشهد موجة جديدة من هذه الصفقات لعل اخطرها واسوأها هو ما يسمى بصفقة باب الخليل والتي اذا ما تمت سوف تكون تداعياتها كارثية على الحضور المسيحي في هذه المدينة المقدسة وعلى مدينة القدس بشكل عام .
ما اود ان اقوله لمن يعنيهم هذا الامر بأنني ارفض رفضا قاطعا هذه الصفقات واعتبرها عملا غير مشروع لا ينصب ومصلحة كنيستنا لا بل المستفيد الحقيقي من هذه الصفقات انما هي جهات معادية للشعب الفلسطيني وللمسيحيين والمسلمين على السواء .
ان اولئك الذين يفرطون بعقاراتنا ويقدمونها على طبق من ذهب للاحتلال انما لا يمثلوننا ولا يمثلون عراقة الحضور المسيحي في هذه الارض المقدسة .
لا يمكننا ان نكون صامتين مكتوفي الايدي امام هذه التجاوزات كما وغيرها ايضا من التجاوزات التي نعيشها ونلحظها في كل يوم .
ان نقدنا للواقع الذي نعيشه نابع من محبتنا لكنيستنا ، فنحن لا نريد ان نسيء لاحد وليس في نيتنا ان نشهر بأحد ولكننا نعتقد بأن الصمت على هذه الاخطاء والتجاوزات يمكن ان يستغل كغطاء لكي تستمر مثل هذه الاخطاء وهذه التجاوزات ، ولذلك فإنني اقول بأنني اقف الى جانب الحراك الارثوذكسي الوطني ما دام هذا الحراك ارثوذكسيا وما دام وطنيا ، انني اقف الى جانب هذا الحراك ما دام هدفه هو معالجة هذه التجاوزات والاخطاء ووقف حد لها والعمل على النهوض بكنيستنا ، هذه الكنيسة العريقة التي لها حضور لم ينقطع لاكثر من الفي عام ومن واجبنا جميعا ان ندافع عنها وعن حضورها وعن تاريخها وتراثها وان نرفض سياسة التفريط بعقاراتها واوقافها التي هي جزء من تراثنا وتاريخنا وانتماءنا لهذه الارض المقدسة.
ان مسألة التفريط بالعقارات تسيء الينا كمسيحيين فلسطينيين لان انتماءنا هو لفلسطين ارضا وقضية وشعبا وانتماء وتراثا وهوية ، لا يمكننا ان نقبل بأن يتم تسريب عقاراتنا لجهات احتلالية تسعى لطمس معالم مدينة القدس وتشويه طابعها وتزوير تاريخها .
نفتخر بانتماءنا للكنيسة الام ولكننا ايضا نفتخر بانتماءنا للامة العربية وللشعب الفلسطيني المناضل من اجل الحرية ، وكل ما يسيء لشعبنا ويسيء لامتنا يسيء الينا ايضا.
يجب ان يُسمع الصوت المسيحي الارثوذكسي الوطني الرافض لهذه الصفقات المشبوهة ، ويجب ان يُسمع الصوت الارثوذكسي الوطني المنادي بالاصلاح ومعالجة الاخطاء والتجاوزات، ويجب ان يُسمع الصوت الارثوذكسي الوطني المنادي بالحفاظ على الحضور المسيحي العريق في هذه الارض المقدسة ونحن نعتقد بأن التفريط بعقاراتنا واوقافنا انما يندرج في اطار سياسة تهميش الحضور المسيحي الوطني في هذه الارض المقدسة .
لقد تم استهداف الحضور المسيحي في المشرق العربي وقد اوجد لنا الاعداء منظمات ارهابية اعتدت على المسيحيين وكنائسهم كما انها اعتدت على كافة مكونات امتنا العربية ، اما نحن هنا في فلسطين فقد اوجد لنا الاعداء ادوات اخرى هادفة للنيل من انتماءنا الوطني وعراقة وجودنا في هذه الارض المقدسة .
اوجدوا لنا في وقت من الاوقات من سعى لتجنيد ابناءنا في جيش الاحتلال ، واوجدوا لنا من اخترعوا قوميات وهويات بديلة للمسيحيين في هذه الديار وكأننا نعيش في ازمة هوية ، وهذا ليس صحيحا على الاطلاق ، وها نحن اليوم نلحظ ان مسلسل التفريط بالعقارات والاوقاف مستمرا ولم يتوقف منذ عشرات السنين ، وهذا امر مسيء لكنيستنا ولرعيتنا ولعراقة وجودنا في هذه الارض المقدسة .
انه عمل يندرج في اطار سياسة اضعاف الحضور المسيحي في هذه الارض المقدسة ولذلك فإننا نتمنى لهذا الحراك الارثوذكسي الوطني التوفيق والنجاح لكي يصل الى اهدافه وتطلعاته النهضوية في خدمة الكنيسة والوطن .
ادعو الى مزيد من التعاون بين كنائسنا وهنا لا بد لي ان اؤكد على اهمية دور المبادرة المسيحية الفلسطينية الوطنية ففي ظل غياب قيادات دينية مسيحية وطنية تتحدث بلغتنا وبهواجسنا وتطلعاتنا نحن نتمنى ان تقوم المبادرة بدورها المأمول وفي ظل هذا الفراغ الذي نشهده لا بد ان تقوم هذه المبادرة بدورها الروحي والانساني والوطني دفاعا عن عراقة الوجود المسيحي في هذه الارض المقدسة وتأكيدا على اهمية التعاون بين كافة الكنائس والمسيحيين وكذلك ضرورة تكريس لغة المحبة والحوار والتعاون مع اخوتنا المسلمين شركاءنا في الانتماء الانساني وشركاءنا في الانتماء الوطني .
رسالتي الى ابناء كنيستي ورعيتي بأن لا تستسلموا لثقافة اليأس والاحباط والقنوط التي يريدنا البعض ان نكون فيها ، لا تخافوا اذا ما شاهدتم كنيستكم تتعرض الى هذا الكم الهائل من المؤامرات والتحديات والاستهداف وكونوا على يقين بأن الله لن يترك كنيسته ، الله يفتقدنا دوما برأفته وحنانه ونسأله تعالى بأن يحفظ كنيسته ويصونها من اعدائها المنظورين والغير المنظورين لكي تبقى كنيسة المسيح الحاملة لرسالته في هذه الارض المقدسة وفي العالم بأسره، اقول لابناء رعيتنا بأنكم جزء اساسي في مسيرة الاصلاح التي نتبناها ونتمناها لكنيستنا فلا يجوز لاي احد منكم ان يتنصل من مسؤوليته لان الكنيسة هي انتم وليست فقط جماعة الاكليروس بكافة رتبهم ومقاماتهم .
من احب كنيسته ساهم في عملية الاصلاح والتغيير نحو الافضل ، من احب كنيسته كان على قدر كبير من المسؤولية والحكمة والرصانة لكي يميز ما بين الخيط الابيض والخيط الاسود، من احب كنيسته تحلى بالجرأة في قول كلمة الحق حتى وان ازعجت هذه الكلمة البعض لان ما يهمنا في النهاية هو مرضاة الله وليس مرضاة البشر .
من احب كنيسته عبر بوضوح عن موقفه الرافض لهذه التجاوزات والاخطاء التي تسيء لكنيستنا ولا تنسجم مع مسألة الحفاظ على الحضور المسيحي العريق في هذه الارض المقدسة.
نحن نقف الى جانب الحراك الارثوذكسي الوطني ونتمنى ان يكون هذا الحراك بعيدا عن الاجندات السياسية او الحزبية او الفصائلية او تصفية الحسابات ، نتمنى ان يكون هدف هذا الحراك خير الكنيسة والرعية والانطلاق الى مرحلة جديدة مرحلة نهضة وخير لكنيستنا ورعيتنا ووطننا .
نتمنى ان يكون هذا الحراك الذي نشهده في هذه الايام حراكا بعيدا عن الاجندات الشخصية والمصالح الانية فنحن في هذه الظروف التي نمر بها نحتاج الى اناس مستقيمين مخلصين متحلين بالقيم الانسانية والوطنية النبيلة ، كنيستنا بحاجة الى من يضحي في سبيلها وكلنا مطالبون بأن نكون مضحين من اجل هذه الكنيسة وان نكون خداما حقيقيين لها ، ضحوا من اجل كنيستكم ولا تقبلوا بأن يأتي من يضحي بالكنيسة من اجل مصالحه واهدافه واجنداته الشخصية ، ضحوا من اجل كنيستكم التي تستحق ان يضحى في سبيلها والتفتوا الى المصلوب وتعلموا منه كيف يجب ان تكون التضحية وكيف يجب ان تكون المحبة والرأفة .
لا نريد انقسامات او انشقاقات في كنيستنا بل نتمنى ان يكون الحراك الارثوذكسي الذي نلحظ انه يتطور يوما بعد يوم ان يكون اداة لتكريس المحبة والاخوة والتضامن والتعاون بين كافة مؤسساتنا المسيحية وابناء رعيتنا ، لا نريد كراهية ولا نريد ضغينة ولا نريد حقدا او كراهية بل ما نتمناه هو ان يكون لسان حالنا المحبة ، المحبة لكنيستنا ولبعضنا البعض ولوطننا ولشعبنا.
اقول لشبابنا بانكم مطالبون لكي تكونوا جزء من هذه المسيرة ، مسيرة اصلاح ما يمكن اصلاحه وانتم قادرون على الاصلاح بمحبتكم لكنيستكم وانطلاقا من قيم انجيلكم وتعلقكم وتشبثكم بوطنكم وبهويتكم العربية الفلسطينية .
نحن نراهن على عنصر الشباب كما اننا نراهن على كافة ابناء رعيتنا من مختلف الاعمار ففي الدفاع عن الكنيسة وهويتها وعراقة وجودها ، كلنا شباب وكلنا مطالبون بأن تكون عندنا حماسة الشباب من اجل النهوض بكنيستنا من هذا الواقع المأساوي الذي نعيشه ونراه في كل يوم .
نحن فلسطينيون نحب وطننا وننتمي الى شعبنا وندافع عن عدالة قضيتنا الوطنية العادلة ولا يمكننا ان نقبل بأولئك الذين يسيئون الى شعبنا والى قدسنا والى هوية القدس الحقيقية التي نعتبرها كفلسطينيين بأنها عاصمتنا الروحية والوطنية .
رسالتي الى ابناء شعبي الفلسطيني بأن ما نمر به في كنيستنا ليس شأنا ارثوذكسيا فحسب وليس شأنا مسيحيا فحسب وانما هو شأن وطني بامتياز وعلينا ان نرفض جميعا كأبناء للشعب الفلسطيني الواحد اي تآمر واستهداف تتعرض له مقدساتنا واوقافنا المسيحية والاسلامية ، فأولئك الذين يخططون لابتلاع اوقافنا المسيحية هم ذاتهم الذين يستهدفون مقدساتنا الاسلامية فنحن شعب واحد وكلنا مستهدفون في قدسنا ومقدساتنا وفي حريتنا وكرامتنا وفي انتماءنا وجذورنا العميقة في تربة هذه الارض المقدسة ، فلنكن جميعا على قدر كبير من الوعي والوحدة والتضامن لكي نفشل المخططات التي تستهدفنا جميعا في هذه الارض المقدسة ولا تستثني احد على الاطلاق .
لا يضيع حق وراءه مطالب فبالصبر والوعي والحكمة والايمان والاستقامة نحن قادرون على ان نحقق الكثير من الانجازات .
وستبقى كنيستنا رغما عن كل التحديات والمؤامرات التي تحيط بها كنيسة وطنية جذورها عميقة في تربة هذه الارض ، ستبقى كنيستنا كنيسة هذه البقعة المقدسة من العالم التي اختارها الله لكي تكون مكان تجسد محبته نحو البشر ، وستبقى كنيستنا حاملة لرسالة روحية انسانية ووطنية ، كنيسة مرتبطة بهذه الارض وشعبها ، ستبقى كنيسة البشر وليست كنيسة الحجر ، ستبقى كنيسة مدافعة عن كل انسان مظلوم ومعذب ومتألم ، كنيسة منحازة لقضايانا الوطنية وفي مقدمتها قضية فلسطين .
فلنعمل معا وسويا على انقاذ كنيستنا والنهوض بها وتصحيح الاعوجاجات والاخطاء القائمة ورفض التجاوزات التي لا يمكن القبول بها .
كونوا على ثقة بأن كنيستنا باقية ولن تتمكن قوى الشر من النيل من هويتها وتاريخها وعراقة وجودها .
|
[email protected]