"كل وقدره" هذه مقولة نرددها ونقبل بها وفي بعض الأحيان تجور الأقدار علينا فتحصل المصائب ولكن الإيمان بالقدر هو ما يخفف من وقع المصائب رغم صعوبة الموقف!!
حين تحصل وفاة طبيعية أو في حادثة طرق فهذا قدر. لكن حين تمتد يد الغدر لتطال حياة الأبرياء والمسالمين فهذه يد الغدر وليست يد القدر.. في مثل هذه المناسبات يقوم بعض الملمين بالأمور الدّينيَّة بإلقاء الوعظ الدّينية.. وتخفيف وقع المصاب هو مهمة إنسانيَّة وواجبديني راقٍ دون أدنى شك! لكن المشكلة أن البعض من الواعظين هم ليسوا شيوخًا فليس كل من له ذقن ويلبس جلبابًا هو شيخ!! بعض الشبان المتحمِّسين يسيئون إستعمال المنَصَّة التي أتيحت لهم ورغم الصوت الجهوري وبلاغة اللُغَة فَإنَّ المشكلة تكمن في المضمون وليس في الأُسلوب .. قبل بضعة أيّام قليلة شاءت الأقدار أن تختطف شابٍّا في إحدى القرى المجاورة وقمنا بواجب العزاء الإنساني.. هناك إنبرى أحد الشباب المتمشيخين وبدأ حديثًا عن النّار! بدأ مسلسل دب الرعب في النفوس فقال بِأن الله سبحانه وتعالى قد أمضى ألف سنة ليصبح لون النار أبيضًا ومن ثم ألف سنة أخرى حتى أصبح لونها أحمر وألف ثالثة حتى أصبح لونها أسود!!، "شيخ النّار" أحب الموقف أي أنه أحب أن يرهب ويدب الرعب في نفوس المستمعين.. لا أدري إن كان يشعر في تلك اللحظة بأن التحذير من النار هو واجب عليه أم أنه ببساطة يحب التهديد والوعيد ودب الرعب والذعر في النُّفوس .. مرة أخرى يؤلمني أن هناك من يتبع هذا الأسلوب الذي من المفروض أن نكون رميناه في النّار .. نحن جئنا معزين ولم نحضر قطعًا لسماع "مقطوعة النّار" ووصف النار والتهديد بالنّار .. تجاوزنا مرحلة النّار منذ زمن بعيد فمن لا يجيد سوى هذه الأسطوانة عليه أن يصمت لان الصمت أفضل بكثير من الكلام الأجوف .. لم نعد شعبًا أميًّا وأصبحنا بدرجة من الوعي تضع شروطًا للمتحدّث.. فمن كانت النار موضوع لسانه وحديثه وقدراته فهو مرفوض..!. لكن من يجيد الكلام عن حتمية الموت وكون الحياة والموت يكملان لبعضهما البعض فكلنا آذانٌ صاغِيَة... كنا نريد أن يشرح لنا الطَّريق إلى الجنَّة بدل أن يسهب ويبرع في وصف النّار.. توقعنا أن يتحدث عن مكارم الأخلاق والطّريق إلى الخلود بدل خطبته النّارِيَّة.. بكل تواضع تجاوزنا مرحلة الخطاب الأمي وأصبحنا شعبًا يريد خطاب العقل.. نتوق إلى الكلام المتزن العقلاني الدّيني !. ونمقت التهديد وخطاب أهل النّار ونريد شرحًا للأقدار .. سئمنا من هذا النمط من الخطاب الذي أكل عليه الدّهرُ وشَرِب ونصيحتي لشيخ النّار صاحب الخطبة النّارِيَّة أن يقرأ شيئًا جديدًا ولا يأنس بأن يكون عن طريق الترغيب لا الترهيب!!!.
بقلم : مأمون فاعور
[email protected]