قرأتُ ديوان " فراشات على الورق " للشاعر الحيفاوي أنور سابا، الصّادرِ عن "الآن ناشرون وموزعون" – عمان، وهو يحوي في طيّاته 38 قصيدة في 118 صفحة، قام بمراجعته عُمر السِّنَوي الخالِدي، وقام بتنسيقه داخليا مجدي أبو قويدر.
هذا إصداره الثاني وشارك في مهرجانات شعرية عديدة، ونشر قصائده في الصحف وقراءته تعتبر رحلة ثقافية مميزة.
في ديوانه الأول: "عزف على خاصرة الكلمة" بفصوله الاربعة: الغياب، البحث عن الوطن، الحنين وأعباء، أثار أنور تساؤلات عدة منها : التكلّس الفكري والتقوقُع والمناشدة بالتعددية ، وحاول في ديوانه هذا الاجابة عليها.
أثبت أنور في ديوانه هذا بانه قارئ ومثقف حيث أنه سرح مع غابرييل غارسيا ماركيز ورائعته "مائة عام من العزلة" ليجد الوطن الذي بحث عنه في ديوانه الأول ، فيدلّه إليه ماركيز قائلًا "المرء لا ينتمي إلى أي مكان، ما دام ليس له فيه ميت تحت التراب" أما أنور فيقول في قصيدته "الوطن" :
"ما هو الوطن!؟
لكلٍّ في أرضِ وطنِهِ لهُ وطنٌ
ترابٌ يضمُّ لحدَ أجدادِهِ "
وكذلك سرح مع محمود درويش وحنينه وغيابه المفقود في ديوانه الأول لنراه يجده في قصائده مِثلكم، هذهِ هويتي وهذا وطني، وطن بلا حدود، طريق الآلام، أطياف، وفي قصيدته "انسان جديد" يقول :
"لستُ عاريًا ولي انتماءٌ
من هنا أنا
وأيضًا من هُناك
الأرضُ، الشجرُ والحجرُ لي"
ثم أبحر مع أحلام مستغانمي وروايتها "فوضى الحواس" فيقول في قصيدته "إبحار في أنهار الزمن" :
"حضورُكِ!
فوضى في الحواس
تُرخي حِبالها في سُهوبِ الرأسِ
وتترُكُ على اللسانِ طعمَ مرارَة".
ومن بعدها ترنّح في قصيدته "المرأة والمرآة" مع ليلى الأطرش وقدسها في رواية ترانيم الغواية فقال :
"حين تنظرين الآن في المرآةِ
لن تلمحي خدوشًا على الزجاج
سترين فقط ظلال رجالٍ
عبروا يوما على طريقِك".
أما في رائعته "فراشات على الورق" فهو يراوغ ادونيس قائلًا :
" تحُطُ فراشَةٌ على ثغرِكِ
تحمرُّ شفتاكِ خجلًا فأشِقُّ بِحارَ العشقِ
هائمًا، مسحورًا لأعود كأدونيس
في ربيعٍ تزهو ورودُهُ على غمّازةِ خدِّكِ:
ومن ثم يشوط وإياه ويتصالح معه في قصيدته " عودة ادونيس" قائلًا :
"أدركُ واعيًا
أن الحبُبَّ هزيمةٌ
وأنتحِرُ كبرقٍ في وضحِ النهارِ
لأكتَمِلِ بالموتِ
وأعودَ في الربيعِ
كأدونيس."
يكتب أنور للأرض والوطن ويبحث عن الغياب والحنين ليجده مع غسان كنفاني وعودته إلى حيفا في قصائده "النزوح" و"جدران وشبابيك" حيث يقول :
"تعبق الجدرانُ برائحةِ أصحابِها
حتى وإن غابوا."
ويشطح شاعرنا مع الياس خوري وروايته "باب الشمس" ويتغنّى بالأرض ولها في قصيدته "سنديانةُ الجليل أنت" فيقول :
"جدّه، سنديانَةٌ من أرضِ الجليلِ
يسقي جذعَ الكرمَةِ
ويَبتسِم!!"
تغزّل أنور وكتب قصائد غزليّة نِزاريّة ويقول في بداية الفصل "كلُّ حبّ جديد هو ولادة ثانية بعد هزيمةٍ وانكسار، والمرأة هي الأم والأرض.. الوطن والعشيقة، لذلك تصبح قصائد الغزل منبرًا، وحروفُ الكلمات صلاة." فكتب قصيدة "اجتياح" و "طُغيان" صارخًا :
"تجتاحُني أنوثتُكِ اجتياحَ المُحاربين
وأنا، مفطورُ الفؤادِ مثخنٌ بجراحٍ
كخُطوطِ الوشمِ على جسدٍ قديم"
طبعا لم ينسى أنور مهنته الهندسيّة فشطح وارخميدس في قصيدته "وجدتُها وجدتُها!!" باحثًا عن السعادة المفقودة ليجد ضالّته :
"أيّتُها السعادةُ
يا سِدرةَ المشتهى ...
السعادةُ في العطاءِ أكثر منها في الأخذِ"
وكما في ديوانه الأول ترك لنا التساؤلات في اسطورته " في انتظار عودة جلجامش" فيقول:
"نادِ يا منادٍ في الساحاتِ
ليولَد انكيدو فتعود ملاحمُ البطولةِ
ويعبرَ جلجامشُ مياهَ الموتٍ، يحُلُّ
لُغزَ الخلودِ ويأتينا بعُشبَة الحياةِ
فتخلعُ أرضُنا عنها ثيابَ الحِدادِ."
في الجانب اللغوي، أزعجتني الأخطاء النحوية واللغوية والإملائية عبر صفحات الديوان مما ظلم شاعرنا استخفافا بالقارئ، ولفت انتباهي غيابُ الفنّان صاحب صورة الغلاف فلم يُعطِه الناشر حقَّه وتساءلتُ: لماذا ؟؟
حان الوقت يا أنور لتقطع حبل السرة مع المدرسة الدرويشية لتنطلق وتحلّق في سماء العشق تاركًا حبل السرة الذي رأيناه في قصائدك "الوطن" (ص7)، "لقيطة" (ص20)، "نافذة الى النهار" (ص 36)، و"مواسم لولبية" (ص71) حين يقول:
"حين أكتمِلُ، أُبعثُ طفلًا،
أقطَعُ حَبلَ السُرّةِ، أشُمُّ رائِحةَ
الحليبِ... أجِدًكِ تسكُنينَ خلايا
دَمي، فتبداُ طيوري موسِمَ
الهِجرَةِ من جديد."
المحامي حسن عبادي
[email protected]