يشهد مجال الطب في فلسطين بالسنوات الأخيرة تطورا ملحوظا، لا يخفى على متابع، ولا يزال الطبيب يحتفظ بمكانته الاجتماعية المرموقة والتقليدية رغم التحديات والمصاعب التي يفرضها الاحتلال على مهنة لا تعرف الحدود ولا نمو وتتطور في ظل الحصار والتضييق.
وفي هذا السياق، يؤكد مدير عام وعميد كلية الطب في مستشفى النجاح في مدينة نابلس، بروفيسور سليم حاج يحيى أنّه رغم حجم الصعوبات، وعلى رأسها تضييق الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحول دون وصول المعدات الطبية إلى المستشفيات الفلسطينية، إلا أنّ الطبيب الفلسطيني أفضل من أي طبيب في العالم، إذا ما آمن في نفسه، وعلى القدرات الفلسطينية أن تكون فخورة في نفسها وفي كفاءاتها.
وقال حاج يحيى: أعمل في جراحة القلب والبحث العلمي، وأشغل مدير عام لمستشفى النجاح في مدينة نابلس، وعميد كلية الطب وعلوم الصحة في جامعة النجاح الوطنية، أعمل تطوعًا، وعملت، سابقًا، بالعديد من المستشفيات في جميع أنحاء العالم.
إنجازات فلسطينية في مجال الطب
وعن الإنجازات التي سجلها طاقم الجراحة الفلسطيني في مستشفى النجاح في نابلس، قال حاج يحيى: أنجزنا للمرة الثالثة في غضون عامين، انجازات تاريخية فلسطينية، في مجال جراحة القلب. فقبل نحو عام ونيّف، نجحنا بإجراء أول عملية زراعة قلب صناعي في فلسطين.
وتابع: وقبل ستة أشهر، نفذنا، في مستشفى النجاح الجامعي في مدينة نابلس، عملية جراحية تضمنت إماتة مريض سريريًّا، في عملية تعد الأولى من نوعها في الأراضي الفلسطينية والشرق الأوسط.
وأضاف حاج يحيى أن طاقم الأطباء في المستشفى أتم، قبل نحو شهر، عملية زراعة قلبين اصطناعيين وإزالتهما لاحقًا في المستشفى الجامعي، وذلك يتم لأول مرة في الشرق الأوسط، وكانت هذه العملية كفيلة بتعافي المريض وعودته لممارسة حياته الطبيعية خلال ثمانية أسابيع، بعد أن فشلت جميع المستشفيات الإسرائيلية من معافاته إجرائها.
ثلاثة قلوب في جسم واحد
وعن العملية الأخيرة التي أجراها طاقم الأطباء، خلال زراعة القلبين للمريض الفلسطيني قال حاج يحيى: هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، العملية في المجمل استغرقت 30 ساعة متواصلة، أجرينا خلالها زراعة قلبين اصطناعيين مؤقتين، كانا عبارة عن مضختين تعملان خارج الجسم بقوة الدفع المغناطيسي، إضافة إلى قلبه الطبيعي.
وعن العملية، أوضح حاج يحيى أنّ المضخة اليمنى تقوم بسحب الدم من الجزء الأيمن للقلب وضخه إلى شرايين الرئة، بينما تسحب المضخة الأخرى الدم من الجزء الأيسر لتضخه إلى الشريان الأبهر الرئيسي، ما يعني أن القلب الطبيعي سيكون في حالة استراحة طوال الوقت، وتوقف عن ضخ الدم لجسد المريض خلال الفترة القادمة من حياته، وهذه الدورة الدموية تسمى دورة دموية (ميكانيكية).
ونوّه حاج يحيى أن هذا النوع من العمليات المعقدة للحالات الميؤوس منها، يعتبر من الناحية الطبية جسرًا لحين اتخاذ القرار لاحقًا بخصوص إعادة تشغيل وإنعاش الأعضاء الحيوية في الجسم التي فشلت تمامًا نتيجة فقر ضخ الدم.
وأضاف كذلك أن الخطوة الأصعب والتحدي الأكبر كانت لفريق الأطباء بعد مرور ستة أسابيع على إجراء العملية الأولى، حيث أجرينا عملية ثانية تم خلالها شق الصدر لإزالة القلبين الصناعيين الظاهرين الخارجيين، واستبدالهما بزراعة قلب صناعي دائم داخل الصدر.
واستطرد حاج يحيى قائلًا: وهكذا استطعنا أن نسيطر على التسمم الحاد في دم المريض، والمعجزة كانت أن أعضائه الفاشلة رجعت تعمل بشكل طبيعي، مثل الكلى والكبد والرئتين، وعادت للمريض شهيته، وبدأ يتغذى كالسابق، وبدأ يتمشى في المستشفى بثلاثة قلوب في جسده، وبدأ يتحسن نفسيا وجسمانيا وقلبيا، ليتمكن بع ذلك من العودة إلى بيته وهو معافى.
وفي هذا السياق، تطرق حاج يحيى إلى المعدات التكنولوجية والتطور العلمي، وقال: لم تترك التكنولوجيا شيئا، وهي تساعدنا جدا للوصول إلى هذه المراحل، ما كان يعد مستحيلا في السابق، لم يعد مستحيلا في عالم الطب اليوم، وهنالك أجهزة يمكنها أن تستقيم أكثر من سبعين عاما دون أن تتعطل، لذا يجب علينا أن نستلها من الناحية العلمية والإنسانية.
رغم الاحتلال؛ الفلسطيني يصنع المستحيل
وتابع حاج يحيى: نحن شعب خلّاق، لدينا كفاءات وإنجازات كثيرة، وعلينا كشعب أن نفتخر بأنفسنا، وأن نشجع الكفاءات وندعمها، كي تعود لوطنها وتكون جزءا من بناء هذا الوطن.
وختم حاج يحيى: نحن نطمح بمستقبل أفضل، ولأن يدا واحدة لا تصفق، لا نريد فقط أطباء محترفين ينجزون العمليات المعقدة، إنما نريد أطباء مرشدين، يورّثون هذا العلم إلى الجيل الصاعد. الإنسان الناجح في عمله، ولا يضع سقفًا لطموحاته، سوف ينجح. ونحن شعب طموح، بالرغم من كل الصعاب والتحديات الموجودة، الاقتصادية والجغرافية والسياسية، إلا أننا نواجه ذلك بكل صمود وفخر واعتزاز.
بروفيسور سليم حاج يحيى
[email protected]