أفاد المستشفى الجامعي في نابلس أنه استقبل مريضًا في حالة ميؤوس منها ويعاني فشلا تاما في جميع أعضاء الجسم الحيوية كالكلى والكبد والرئتين إضافة إلى تسمم في الدم، نتيجة قوة الضخ الضئيلة في القلب، بعد أن أعلنت المستشفيات الإسرائيلية استسلامها عن إمكانية إيجاد علاج مناسب له، وتم نقله بصورة عاجلة إلى مستشفى النجاح الجامعي كمأوى أخير قبل وفاته بساعات على حد التعبير.
إلا أن الطاقم الطبي في المستشفى الجامعي بقيادة البروفيسور سليم الحاج يحيى قرر استقبال الحالة فورا، رغم تعقيدها، وتم إدخال المريض إلى غرفة العمليات حيث شق صدره بالسرعة الممكنة في عملية استغرقت 15 ساعة متواصلة،أجريت خلالها زراعه قلبين اصطناعيين عبارة عن مضختين تعملان خارج الجسم بقوة الدفع المغناطيسي، إضافة إلى قلبه الطبيعي.
معايير عالمية
وأوضح البروفيسور الفلسطيني أن المضخة اليمنى تقوم بسحب الدم من الجزء الأيمن للقلب وضخه إلى شرايين الرئة،بينما تسحب المضخة الأخرى الدم من الجزء الأيسر لتضخه إلى الشريان الأبهر الرئيسي؛ما يعني أن القلب الطبيعي سيكون في حالة راحة طوال الوقت وتوقف عن ضخ الدم في الفترة القادمة من حياة المريض. ونوّه أن هذا النوع من العمليات المعقدة للحالات الميؤوس منها، يعتبر من الناحية الطبية جسرا لحين اتخاذ القرار لاحقا بخصوص إعادة تشغيل وإنعاش الأعضاء الحيوية في الجسم التي فشلت تماما نتيجة فقر ضخ الدم.
وقد تكللت جهود الفريق بنجاح في العملية التي تمت بمعايير عالمية هي الأولى من نوعها في فلسطين والشرق الأوسط على الإطلاق، إذ أشار الفريق الطبي الذي أجرى العملية أن استثنائية هذه الحالة تكمن في أن العلامات الحيويةبدأت تظهر على المريض في إشارة إلى تعافيه بشكل تام، وقد عادت جميع الأعضاء الحيوية الفاشلة للعمل بشكل سليم بما فيها الكبد، الرئتين، الكلى وباقي الأعضاء.كما تمت معالجة التهاب الدم والقضاء عليه نهائياً، وبدأ المريض بالمشي والأكل وممارسة حياته بشكل شبه مستقر حاملاً ثلاثة قلوب، اثنين في كفه وثالثاً مرتاحا في جسده.
التحدي الأكبر
إلا أن الخطوة الأصعب والتحدي الأكبر للبروفيسور وفريق القلب الفلسطيني كان بعد مرور ستة أسابيع على إجراء العملية الأولى، حيث أجريت عملية ثانية تم خلالها شق الصدر لإزالة القلبين الصناعيين الظاهرين الخارجيين، واستبدالهما بزراعة قلب صناعي دائم داخل الصدر.وقد استغرقت العملية 15ساعة ليكون مجموع ساعات العمليتين معاً 30ساعة، تعافى المريض بعدها وعاد للمشي والحركة خلال أقل من أسبوعين.
وقد أجمع العديد من ذوي الاختصاص في المجال على أن هذه العملية هي الأكثر تحدياً وخطورة، إذ تعتبر هذه الحالة الأشد خطورة في الطب البشري، كما يشكل خوض عمليات مشابهة تحدياً عاليا على المستوى الجراحي وفق المعايير الطبية العالمية.
كيف تحقق الإنجاز
يؤمن الأطباء في المستشفى الجامعي أن ذلك لم يكن ممكناً لولا توفر فريق عمل كفؤ ومتفانٍ وكوادر بشرية مهنية وبنية تحتية تسمح بإنجاز هذه العملية المميزة والنادرة. كما يرون أنها كانت حافزاً مشجعاً لهم لاسيما وأن نجاح تلك العملية في فلسطين عامة والمستشفى الجامعي خاصة، يعتبر تحدياً هاماً ومحورياً يُحسم وبجدارة لصالح المستشفيات الفلسطينية، ويرتقي كونه ليس تحدياً مع المستشفيات الإسرائيلية فحسب، بل مع باقي مستشفيات العالم الغربي، باعتبار المستشفى الجامعي لا يمثل نفسه فقط إنما، وبكل ثقة، جميع مستشفيات الوطن.
من الجدير ذكره أن أولى العمليات من هذا النوع في العالم كان قد أجراها البروفيسور الفلسطيني سليم الحاج يحيى في لندن، ولاحقا في عام 2011 لأول مرة في غلاسكو، وقد لاقت في حينها تغطية إعلامية بريطانية واسعة. وها هو الطب الجامعي الفلسطيني، يؤكد الفريق الطبي في المستشفى الجامعي في نابلس، يصل إلى ذات الإنجازات القياسية خلال أربعة سنوات لاحقة فقط.
وما كان ذلك ليتم ويتحقق، يشير الفريق الطبي في المستشفى، لولا الرعاية الكريمة والدعم اللامحدود من دولة رئيس مجلس أمناء المستشفى ورئيس مجلس الوزراء الدكتور رامي الحمد لله، الذي وبالرغم من عظم مسؤولياته إلا أنه يولي هذا الصرح كل الاهتمام والتقدير إضافة إلى جهود لجنة الوقف الاسلامي والممولين الذين تبرعوا ولازالوا لبناء وتطوير هذا الصرح الطبي الذي أصبح منافساً على مستوى المنطقة في شتى المجالات، الأمر الذي له كان له الأثر الأكبر في كسب ثقة المواطن الفلسطيني بمؤسساته الوطنية، وفخره واعتزازه بكفاءاته الطبية العالمية.
[email protected]