آن الأوان لإحداث تغيير شمولي في السياسات الحكومية تجاه المجتمع العربي البدوي في النقب. التقرير الأخير لمراقب الدولة يؤكد بأن الدولة تعمدت في العقد الأخير أن تشترط تطوير القرى البدوية في النقب بموافقة الأهالي على التوصل لتسوية بشأن الأراضي وهو ما يعني تنازلهم عن مطالبتهم بالاعتراف بحقهم بامتلاك الأرض. ونتيجة هذه السياسية هي بأنه منذ أكثر من عقد حيث تم الاعتراف بـ 11 قرية ضمت إلى مجلسي القسوم وواحة الصحراء اللوائيين ما زالت هذه القرى تفتقر إلى البنى التحتية الأساسية كالارتباط بشبكات المياه، الكهرباء والمجاري، والحالة أخطر في القرى التي ما زالت الدولة ترفض الاعتراف بها والتي يحرم سكانها من الخدمات الأساسية التي يضمنها القانون مثل التربية والتعليم والمواصلات. اليوم، هنالك ما يزيد عن مئة ألف مواطن عربي في النقب يعيشون دون أي بنى تحتية أو خدمات أساسية.
ويبين التقرير أيضا، أنه رغم وجود القرى تحت مسؤولية المجلسين اللوائيين القسوم وواحة الصحراء، إلا أن "سلطة تنظيم الاستيطان" هي المسؤولة عن تطوير البنى التحتية في هذه القرى، وترفض أي تعاون مع لجان التخطيط والحكم المحلي. في هذا الوضع فإن الميزانيات التي تخصص لتطوير البلدات تبقى بغالبيتها غير مستغلة بينما يتم استثمار أغلب الميزانيات بالعمليات المتعلقة بالهدم.
مطالبة المواطنين العرب البدو في النقب بالاعتراف بحقهم بملكية الأرض التي يسكنون عليها هي قضية سياسية إشكالية إذ أن هنالك فجوة هائلة بين مطالب المواطنين وموقف الدولة. هذه الإشكالية تستلزم التوصل إلى حل وإن طال الزمن، والحل العادل هو حيوي وهام من أجل تطوير القرى البدوية والنقب كله. إلا أن اختيار الحكومة بتجميد تطوير البلدات إلى أن يبدأ السكان بعملية مساومة على الأرض، تؤجل احتمال وقوع هذا الحل، حيث أنها ومن خلال هذه الممارسات ترفع من حدة العداء والانغلاق وانعدام الثقة بين المواطنين والدولة.
السياسات الحالية تنتج واقعا عبثيا يبقى فيه أكثر من 5000 طفل في أجيال الحضانة دون أي إطار تعليمي. هذا الوضع ليس فقط أنه غير قانوني أو أخلاقي، إنما يمس في المدى البعيد بمصالح كافة الجهات ذات الصلة – أولا وقبل أي طرف آخر، بالمواطنين العرب البدو، الذين يتعرض أبناؤهم للمخاطر اليومية وتهبط احتمالات اندماجهم في عالمي التعليم والعلم؛ إلا أن الدولة أيضا ستدفع الثمن في نهاية المطاف، إن كان من خلال انعكاس هذه السياسة على إعاقة النمو الاقتصادي أو جعل نسب عالية من هؤلاء الأطفال في المستقبل أكثر تعلقا بمخصصات الدعم والرفاه.
بدلا من ذلك، يجب اتخاذ خطوات تؤدي إلى بناء الثقة ما بين المجتمع العربي البدوي في النقب والدولة وتوفير الخدمات الحيوية والأساسية لعرب النقب دون أي اشتراط لذلك بالتسوية بشأن الأراضي. من الضروري والممكن إقامة حضانات للأطفال في القرى غير المعترف بها. من عملية رصد قمنا بها في المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها وفي جمعية سيكوي، اعتمادا على معطيات وزارة المعارف يتبين بأن الدولة تشغل اليوم نحو 50 حضانة في عشر قرى غير معترف بها. في الأماكن التي أقيمت بها الحضانات، تم التمكن من التوصل إلى اتفاقيات مع المواطنين الذين يطالبون بحق امتلاك الأرض دون الدخول بعملية تسوية على الأراضي.
هنالك حاجة إلى إقامة نحو 200 غرفة حضانة إضافية في القرى المعترف بها وغير المعترف بها. هذه العملية تتطلب تخصيص الميزانيات الملائمة والتحرك السريع من قبل مؤسسات التخطيط، وبالأساس – منح صلاحيات للمجالس الإقليمية المؤتمنة على تطوير القرى، كي تتمكن من توفير الخدمات والبنى التحتية للمواطنين في مناطق نفوذها.
السياسة التي تقودها سلطة تنظيم الاستيطان تكرس الفجوات بين المجتمع العربي البدوي وبين عموم المجتمع في إسرائيل، وتزيد من حدة العداء بين المواطنين والدولة. من الواضح بأن هذه السياسة ترى بقضية الأرض قضية قومية بحتة، إلا أن وضع القرى غير المعترف بها في النقب هو أولا قضية مدنية واجتماعية. إن تجاهل البعد المدني يعيق الحل الشامل ويمس بكافة الأطراف ذات الصلة. السلطة لتنظيم الاستيطان تشكل وفقا لهذا عائقا، أمام حل الوضع القائم، وحان الوقت بأن تنقل صلاحياتها إلى المجالس اللوائية. إن توفير الخدمات الحيوية للمجتمع العربي البدوي في النقب دون أي اشتراط يتعلق بملكية الأرض هو خطوة ضرورية وبالامكان القيام به في الوضع القائم. إنها خطوة هامة في الطريق الطويل من أجل سد الفجوات ودمج المواطنين العرب البدو في المجتمع والاقتصاد في البلاد.
[email protected]