من بين ما جسده مولد الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام ، أن ميلاده كان ميلادا لأمة ماتت او كادت ان تموت .. ميلادا لإنسانية كانت في الرمق الأخير من حياتها .. وميلادا لقضية ، وميلادا لحاضر ومستقبل .. سجل ميلاده عليه السلام ميلادا لفلسطين والقدس والاقصى والتي حازت على مكانها المرموق في الصياغة النبوية للمشهد على امتداد محور الزمان إلى قيام الساعة ..
لذلك كله فقضية فلسطين والقدس والاقصى بهذا المعنى ، ليست مجرد قضية سياسية ووطنية وإنسانية تحكمها قوانين دولية ، ويمر على جسدها المثخن بالجراح مشرط الصراعات والمصالح الدولية ، وإنما هي فوق ذلك كله قضية عقيدة ودين ، من أجلها تحركت أمة من أقصاها إلى أقصاها لتعيد لها البسمة في مراحل تاريخية معروفة ، ومن اجلها ستتحرك أمة عاجلا او آجلا ، وعلى نفس القواعد والأسس التي حركتها في الماضي .. هذا أيضا نعتبره عقيدة ودينا ، وليس اقل من ذلك .
( 1 )
لم يعد خافيا على احد أن مؤامرة الاحتلال الإسرائيلي ضد القدس والأٌقصى تسير بوتيرة متسارعة ، وان خططها لإحكام القبضة عليهما يتم تنفيذها دونما عائق يُذكر رغم مخالفتها لكل قوانين وقرارات الشرعية الدولية ، ودونما إجراء دَوْلِيٍّ وعربي وإسلامي جدي يردع إسرائيل ويمنعها من الاستمرار في ارتكاب جرائمها ضد المدينة المقدسة وقلبِها النابض الأقصى المبارك .
اهم ملامح هذا المخطط الإسرائيلي الخبيث في هذه المرحلة ، هو عملها الدؤوب لفرض التقسيم الزماني والمكاني للأقصى المبارك بما يضمن تواجد اليهود الفعلي فيه اسوة بما فرضه الاحتلال الإسرائيلي المجرم من تقسيم مكاني وزماني خبيث في الحرم الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل .
هذا الاجراء ، والذي يعتبر الأخطر على الاطلاق منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس ، يؤكد أطماع الحكومة الإسرائيلية اليمينية بالمسجد الأقصى، القائمة على حججٍ واهية وادعاءاتٍ باطلة تقوم على تزييف التاريخ والحضارة والهوية العربية والإسلامية للمدينة وللأقصى .
المشروع التهويدي للقدس والاقصى – والذي كانت تفاهمات كيري نتنياهو التآمريةُ الأخيرةُ آخرَ فصوله - والذي تنفذه إسرائيل بشكل منهجي ، ويحظى بالدعم والاسناد المادي والسياسي من الجمعيات المتطرفة من يهود العالم وغلاة المسيحية الصهيونية ، يسير بخطى حثيثة نحن تحقيق الهدف ، ولن يتوقف الا اذا تحركت الامة كلها جنبا الى جنب مع احرار العالم الذين يهمهم الاستقرار والامن الدوليان لإنهاء الاحتلال ..
لا شك في أن انهاء الاحتلال الإسرائيلي للقدس والاقصى هو الضمانة الوحيدة لإنقاذ القدس والاقصى قبل فوات الأوان ، ومن يقول غيرَ ذلك فهو في نظرنا ليس اكثر من بائعٍ للأوهام والسراب الخادع الذي سينفجر في وجه امة المليار ونصف الميار مسلم في العالم ، هيكلا مزعوما يُقام على انقاض الأقصى لا قَدَّرَ الله ..
( 2 )
نحن في الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر ، وذراعها السياسية ( حزب الوحدة العربية ) وقيادتُها الدعويةُ والسياسية ونوابها في البرلمان وكلُّ مؤسساتها وكوادرها وانصارها ، ومعنا كل مكونات مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل ، نعمل ليل نهار من خلال العديد من المشاريع الداعمة للأقصى والقدس، على مواجهة خطط الاحتلال قدر المستطاع والتقليل من اخطاره وفضحه واحراجه .
كما ويقدم الشعبُ الفلسطيني وشبابُه – في هذه الأيام بالذات - ذكورا واناثا ارواحهم كما نرى منذ انفجار بركان الغضب في انتفاضة القدس بداية شهر تشرين اول/أكتوبر 2015 ، املا في ان تحرك هذه الدماءُ الزكية الامةً لعمل شيء في هذا الصدد .
( 3 )
منذ بداية الصراع الصهيوني – الفلسطيني – العربي حول فلسطين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، يقف الشعب الفلسطيني حارسا امينا على قضيته ووطنه ، يقدم الشهداء تلو الشهداء ، ويبذل الغالي والرخيص في سبيل دحر المشروع الصهيوني ..
مر اكثر من مائة عام تقريبا من عمر الصراع على فلسطين ، ولا نلحظ تقدما ميدانيا على الأرض لأسباب تتعلق بأوضاع الامة العربية أساسا التي لم تنهض حتى الان بمشروع جاد وشامل لتحريرٍ كاملٍ لفلسطين والقدس والاقصى . هذا الواقع العربي مكن الاحتلال الإسرائيلي من المضي قدما في تنفيذ خططِ اغتياله للقدس والاقصى وهو مطمئن تماما تقريبا الى انه في مأمن من ان تمتد اليه يد العدالة الإسلامية لتقطع ذراعه وتعيدَ كيدَه الى نحره .
لكن انتفاضة القدس الحالية والتي تستحق ان تسمى بانتفاضة الشباب ، تعود لتذكر الاحتلال بان للقدس والاقصى حماةً لن يقبلوا بالضيم ولن يُعطوا الدنية في دينهم ووطنهم ، وسيظلون حماةً لمقدساتهم يقدمون في سبيلها الأرواح رخيصة حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . شباب انتفاضة القدس هم بشائر الطائفة المنصورة التي سيحقق الله بسببها وبشراكة كاملة معها النصرَ الذي تتوق اليه اجيال المسلمين كما كانوا في كل المنعطفات التاريخية الشبيهة .
خاض الشعب الفلسطيني صراعا مريرا ضد الاحتلال الصهيوني منذ قرن ، وخاض انتفاضات ثلاث حتى الان منذ العام 1987 ، وبغض النظر عن إنجازاتها الميدانية ، الا ان أحدا لا يمكن ان ينكر انها أبقت القضية الفلسطينية وقضية القدس والاقصى حيةً في الذاكرة العربية والإسلامية والدولية ، وحاضرةً على الاجندة المحلية والإقليمية والعالمية ، علاوة على تذكيرها الدائم للاحتلال الإسرائيلي ان تفوقه العسكريَّ والسياسيَّ لن يكون كافيا لكسر إرادة شعب يؤمن حتى أعماق روحه بقدسية قضيته وبحتمية نصرها مهما طال الزمن ومهما عظمت التضحيات ... وهذا يكفي انتظارا لوعد الله الذي لن يتأخر ، وهذه عقيدتنا .
( 4 )
حُقَّ لامة المليار ونصف المليار ان تخجل وهي ترى شباب الشعب الفلسطيني وشاباته يسطرون بدمائهم ملحمة القدس الجديدة ، يواجهون آلة الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة وقطعان مستوطنيها بإرادة من حديد وان لم تملك من أسباب القوة المادية شيئا ..
قد ينجح الاحتلال في محاصرة الانتفاضة الحالية قتلا وحصارا وتنكيلا واغلاقا وملاحقة واعتقالا وتدميرا للبيوت والمزارع وتجريفا للأراضي واستيلاء على الأملاك الفلسطينية ، وتوسيعا للاستيطان ، الا انه لن ينجح في تركيع هؤلاء الشباب والشابات ، لن يكسر ارادتهم ، لن يصادر اصرارهم على تحرير بلدهم ومقدساتهم ، وهذا ما يُقلق إسرائيل ويربك مخططاتها .
إسرائيل تنفذ اعداماتٍ ميدانيةً غيرَ مسبوقة أمام بصر العالم وسمعه وبدون محاكمات، الامر الذي يُصنف على انه جرائمُ حرب بموجب القانون الدولي ، الا ان شيئا لا يحدث لوقف هذا النزيف على مستوى العالم كله عربيه واعجميه ، ما عدا بيانات استنكار خجولةً وتقاريرَ حقوقيةٍ متواضعةً لا تسمن لا تغني من جوع .
الشباب الفلسطيني لم يعد لديه ما يخسره وهو يرى الاحتلال يبتلع وطنه وحُلُمَهُ في الاستقلال وكنس الاحتلال ، فقرر ان يقف شامخا في المواجهة مهما كلفه ذلك من ثمن ..
انا على ثقة ان هذه الدماء لن تذهب هدرا ، كما ان الاحتلال لن ينجح ابدا في تركيع هذا الجيل من الفلسطينيين ... المسالة لا علاقة بالإحباط ، فهذا المصطلح ليس موجودا في قاموس الشباب الفلسطيني ، الا انه الواجب الذي يعاود دائما دعوتهم لحمل لوائه تذكيرا للامة بدورها الذي تنازلت عنه بمحض ارادتها ، وارجو ان يجد في النهاية من يستجيب له ، والا فقد اعذر الشباب الفلسطيني امام الله ..
( 5 )
لقد وعد الله بنصر دينه واوليائه وبتحرير مقدساته ، وهذا ليس شانا نظريا ، فتاريخ الامة منذ أن أشرقت شمس الإسلام وعلى مدى قرونه الطويلة اثبت هذه الحقيقة اليقينية بما لا يدع مجالا للشك .. التحدي الكبير الآن الذي يقف امام الامة العربية والإسلامية والعالم يتحدد فيما إذا كان في نيتهم تحمل مسؤولياتهم الدينية والقومية والقانونية الدولية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن القدس والاقصى والأراضي الفلسطينية المحتلة ، على اعتبار ان هذا الاحتلال مخالف للشرعية الدولية التي تدعو الى ازالته من الوجود ، ام انهم سيختارون ان يكونوا في صف المتخاذلين والمتآمرين على القضية الأولى من قضايا العرب والمسلمين ، وقضية الاحتلال الأخير على مستوى العالم الذي ما يزال يمارس أبشع صور البطش امام نظر وسمع المجتمع الدولي .
انا واثق من ان المستقبل للقضية الفلسطينية ، وان الاحتلال وظلمَه الى زوال ، لكنها سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير ، والتي من انسجم معها ساد وانتصر ، ومن لم ينسجم معها دَلَّ واندحر ، وان ادعى انه مسلم ..
المسافة بين واقع امتنا اليوم وعلى جميع المستويات وبالذات في مسألة فلسطين والقدس والاقصى ، وبين ان تصل الى الوضع المثالي ، ما زالت مسافة شاسعة وواسعة ، بدليل ان فلسطين ما زالت محتلة والقدس والاقصى ما زالا محتلين ، والشعب الفلسطيني وشبابه يعدمون ميدانيا وبالمئات دون ان يتحرك لاستنقاذهم احد .. هذه حقيقة مرة يجب تسجيلها رغم مرارتها ، رغم ان دولا عربية وإسلامية تحاول تقديم ما امكن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، ونطالب بالمزيد بما يتفق مع خطورة الموقف الذي تمر به فلسطين والاقصى والقدس .
في ظل الأوضاع المتردية لامة كادت ان تنسحب من التاريخ ، لا بد من تحرك عربي واسلامي يعطي الامل بأن امتنا ما زال فيها الخير ، وما اصطفاف شعوبنا العربية والاسلامية دعما لفلسطين والقدس والاقصى الا دليلا على انتفاضة وعي حقيقيٍ ، ارجو ان يكون مقدمة لنهضة عربية حقيقة تعيد الحق الى أصحابه وبالذات في فلسطين والقدس والاقصى المبارك .
اما اسرائيل وسياساتها فهي اهون من بيت العنكبوت ، ولن تنجح ابدا في منعنا من الاستمرار وبكل قوة في خدمة قضايانا الدينية والوطنية ..
في ظل هذه الظروف المتشابكة والمعقدة علينا الا ننسى ان أٌقصر طريق لتحرير القدس تمر عبر بوابة الصلح مع الله سبحانه وتعالى ، والذي به تتحرر الامة على الحقيقة وتتوحد شعوبها ونظامها الحاكم والجامع ، وتنضبط حركتها ويرتفع شأنها ويعز جانبها وينتصر جَمْعُها ، وتحتل مكانها ومكانتها بجدارة كما أراد الله لها ( كنتم خير امة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .. هذا ليس وهما ولا خرافة .. تاريخنا اثبت ان هذه الامة ما حققت الامجاد الحضارية والمدنية والسياسية الا بعدما التحمت بإسلامها كما فهمته خير الاجيال بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . هذا من جهة ، اما من الجهة الأخرى ، فقد اثبت تاريخنا القريب الممتد الى اليوم أن كل أشكال الأنظمة المنسخلة عن جذورها والتي حكمتنا وما تزال ، لم تجر على الامة الا الويلات والتخلف والانهيارات في كل مجالات الحياة.
فلنبدأ بهذه الخطوة ، وانا على ثقة بأن النصر سيكون اقرب الينا من حبل الوريد .
وقد قيل : ما عند الله لا يدرك الا بشرطه .. ما عند الله هو النصر في قوله تعالى : ( وما النصر الا من عند الله) . واما الشرط ففي قوله سبحانه : ( ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم ) ..
[email protected]