حجبت الاعتداءات الارهابية الأخيرة في باريس الأنظار عن ملف اللاجئين لبضعة أيام. لكن الجدل بهذا الشأن يزداد احتداما، لاسيما فيما يخص موضوع تحديد سقف أعلى لنسب أعداد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا.
خلال مراسيم دفن المستشار الأسبق هلموت شميت في هامبورغ، قدمت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل جوابا على الخلاف الذي جمعها في نهاية الاسبوع مع هورست زيهوفر رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي أثناء فعاليات المؤتمر الوطني لحزبه. وذَكرت ميركل بثبات المستشار الراحل شميت وبشجاعة مواقفه والدفاع عنها حتى إن كلفه ذلك أعلى ثمن، أي منصب المستشارية. وكانت ميركل تضع صوب أعينها القرار السابق للمستشار شميت تجاه خطوة أقرها حلف شمال الأطلسي. لكن تصريحاتها هذه جاءت كوسيلة للدفاع عن موقفها الخاص بشأن سياسة اللجوء.
واشارت ميركل الى أن المستشار الأسبق شميت كان يتطلع الى مواقف سامية وأدرك في وقت مبكر أن العالم سيشهد انفتاحا. واذا كانت ميركل قد استغلت خطابها التأبيني للتوضيح مجددا أنها لن تتخلى عن سياستها بشأن اللجوء كيفما كانت التكاليف، فان ذلك يشير إلى موقفها الراسخ في المضي قدما في هذا الاتجاه والدفاع عنه. وقبل أسابيع كانت ميركل قد حذرت من أنه لو امتنعت المانيا عن منح اللجوء للفارين من الحرب الأهلية في سوريا، فانها ستكف عن اعتبار المانيا وطنها الأم، كما قالت.
فهل تلك التصريحات بمثابة إعلان عن استقالتها؟ منذ مدة والاشاعات تروج في برلين في هذا الاتجاه. لكن هناك أيضا شائعات معاكسة لذلك. وقالت ميركل في كلمتها في هامبورغ ان شميت اتخذ قرارات بعدما تأكد أنها كانت موزونة وذكية، وأن قيادته الحكومية وتجاوزه للأزمات ساهما في صقل قدرته على تقييم الأحكام. فهل تود ميركل الاشارة الى أنها لم تتخذ بعد قرارا نهائيا بشان الحد الأقصى لعدد اللاجئين الذين يحق لهم دخول البلاد؟
وكان نائب المتحدث باسم الحكومة غيورغ شترايتر قد أعلن في نفس الوقت أمام الصحافة بالعاصمة برلين أن الأمر يتعلق بالبحث عن حل أوروبي وليس عن الماني لقضية الهجرة، معتبرا أن كل حل ألماني سيؤدي الى تحديد سقف أعلى من جانب واحد، وعليه فان الأمر يرتبط حاليا بتحديد عدد اللاجئين على المستوى الأوروبي. فهل يعتبر هذا مسلكا واقعيا؟ ميركل تخسر مع مرور الوقت مساندين لها داخل الاتحاد الأوروبي، حيث أن جميع بلدان البلطيق ودول أوروبا الشرقية ترفض استقبال اللاجئين.
وسبق لمتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية أن صرح بأن محادثات حول تحديد عدد اللاجئين تتواصل بقوة داخل الاتحاد الأوروبي، موضحا انه لن يستطيع تحديد برنامج عمل ملموس، ومعتبرا في الوقت نفسه أن الاوروبيين يحاولون الوصول في أقرب وقت ممكن التوصل إلى تفاهمات مع تركيا بهذا الشأن. وتحتل تركيا حاليا موقعا حاسما في رسم حل بشأن حصص اللاجئين، لأنها البلد الذي يعبره أكبر عدد من اللاجئين. وبالموازاة لذلك هناك حوار ألماني تركي بشأن الهجرة، ومن المبكر الاعلان عما تم التوصل إليه من نتائج.
تعثر قانون جديد بشأن اللجوء
نائب المتحدث باسم الحكومة شترايتر قال بأن هدف الحكومة الالمانية هو خفض مستوى الهجرة. ويتمثل الضغط الفعلي في هذا السياق في الارقام الجديدة التي كشفت عنها الشرطة الألمانية التي تتوقع تسجيل رقم قياسي من اللاجئين في شهر نوفمبر. فمنذ بداية هذا الشهر تم تسجيل نحو 180 ألف لاجئ في وضع غير قانوني، فيما سجل أعلى رقم للاجئين في أكتوبر الماضي ب 181 ألف مهاجر. وخلال الأسبوعين الماضيين عبر الحدود الالمانية بصفة غير شرعية ما بين 7000 و 8000 شخص في اليوم الواحد.
وكما تم الإعلان عنه في الأسبوع الماضي، كان من المقرر أن يدخل قانون لجوء جديد حيز التنفيذ بداية الأسبوع، يتضمن تشديدا للقوانين بهدف التخفيض من عدد اللاجئين. وانطلق مشروع القوانين من وزارة الداخلية التي لم تبث فيه بعد. وهناك تسريبات بهذا الشان، اذ ان الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك الحكومي، يبدو أنه يرفض بعض النقاط فيه. وكان من المخطط له أن يلغى فيه حق لم شمل العائلات بالنسبة للاجئين غير الراشدين. حيث إن آلاف من الأطفال قدموا الى المانيا بمساعدة مهربين. كما تتضمن القوانين الجديدة تعاملا صارما مع اللاجئين الذين لا يتوفرون على هويات شخصية، بحيث يمكن طردهم بسرعة.
وكانت المستشارة ميركل قد أيدت في رزنامة أولى بشأن قوانين اللجوء تشريعات سريعة صنفت جميع دول البلقان بأنها دول "آمنة"، الأمر الذي قد يقلص من فرص الحصول على حق اللجوء في المانيا.
ويمكن القول إجمالا بأن الوضع غير سهل بالنسبة للمستشارة الألمانية ميركل، حيث يحاول شريكها الحكومي من الحزب المسيحي الاجتماعي اقناعها بسلك نهج أكثر تشددا في سياسة اللجوء، فيما يسعى الشريك الحكومي الآخر، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، التريث شيئا ما. الى ذلك يضعف السند داخل حزب المستشارة نفسه. وتفيد استطلاعات للرأي أن الحزب المسيحي الديمقراطي يخسر من أنصاره الذين يلتحقون بحزب البديل لألمانيا الشعبوي. فما يحصل داخل أوروبا ليس في الأساس بيد المستشارة الألمانية، مثل هذا الوضع يحتاج فعلا لكثير من الثبات.
[email protected]