تمر اجيال واجيال.. وكلنا نرى مدى بشاعة العالم وهمجية الانسان.. نرى ونعيش كل الظلم وكل الصعوبات وكل البشاعة هذه! تأثير التاريخ والحروبات والفلسفة والافكار والفعل وعدم الفعل علينا يسير من سيء الى اسوء.. فطبع الانسان يتحول من جشع الى اجشع.. صفات الطمع والجشع والانانية اصبحت جزء لا يتجزأ من شخصية كل احد بيننا.. بسبب الحروبات.. بسبب الرأسمالية.. بسبب الفتن.. بسبب ضُعفِنا.. بسبب استسلامنا للمُسَلمات ولأفيون الاخ الاكبر.. كل هذا ادى الى تَجَرُدِنا من الانسانية.. من كلمة "انسان".. من كل الصفات التي تتبع لهذا الكائن الذي يُدعى انسان.. والتي طبعا من الممكن اننا حتى لا نعرف ما هي الصفات التي تتبع لهذا الكائن.. ولربما كل الافكار التي عندنا هي فقط بسبب تدخل سياسي، اعلامي، ثقافي، فلسفي.. وليست صفات نحن اكتشفناها او خلقناها بأنفسنا.. فنحن لم نكن ابدًا حتى الان في الوضع الطبيعي الذي تكلم عنه جون لوك وروسو.. نحن خُلقنا في عالم مدني.. عالم مبني على العقد الاجتماعي.. مبني على عقد موهوم بوجود الانسان لكي يطبقه!
والمحيّر في الامر.. ان رغم عدم ارتياحنا في هذه الحياة وهذا الواقع ورفضنا لكل جرائم العالم ويأسنا من كل واقع الحياة، الانانية التي انزرعت في طبعنا تجعلنا نتجاهل كل هذه الفظائع ونلبي فقط شهواتنا ورغباتنا في جلب انسان اخر لهذه الحياة! فنحن نولد الاطفال الى عالم لا امان فيه.. عالم مبني على الطمع.. عالم تملأه الحروبات.. عالم فيه الاخ يقتل اخوه.. واقع يقتلون فيه حتى الان على شرف العائلة.. عالم ليس فيه فرص عمل.. ليس فيه تربية صحيحة.. طائفي.. قمعي.. رجعي.. مقسم.. مشوه.. غير عادل.. رأسمالي.. عالم يملأه الفقراء.. عالم يفرقون فيه العربي المسلم عن العربي المسيحي.. عالم لا تستطيع ان تكمل الشهر بسبب المصاريف الهائلة وارتفاع الاسعار.. عالم لا يمت للإنسانية بصلة.. عالم يبعد عن الجماليات كل البعد.. ولكن فقط لأننا انانيون نقنع الاطفال بجمال هذا العالم..
فنحن نجلب الاطفال فقط لأن الانثى بيننا تريد احساس الامومة وتُلبي رغباتها وأنانيتها ولأن الذكر بيننا يريد احساس الابوة ويريدان امتلاك انسان اخر في هذه الحياة.. وللأسف ولا احد منا يفكر في هذا الانسان البريء الذي تجلبه ليعيش كل هذه البشاعة التي عشتها في وهم ان الحياة الوردية قد تأتي يومًا ما.. ويلف الدولاب مرة اخرى واخرى واخرى..
ولو ان احد منا يفكر حقا في الانسان الذي يود ان يجلبه لهذه الحياة وليس في رغبته هو في جلب طفل، لكانت نسبة الولادة انخفضت كثيرًا.
بقلم: مروة صليح
[email protected]