الحرص على تناول وجبة الفطور في الفترة الصباحية من اليوم، هو أحد السلوكيات الصحية.. هذا ما تستقر عليه النصائح الطبية في جانب الوقاية من السمنة ومعالجتها.
إلا أن الحرص الطبي على التوجيه بتناول كمية معتدلة من الطعام في أول النهار، أي وجبة الإفطار، لا يقتصر على الاستفادة من ذلك في خفض معدلات السمنة وفي تسهيل نجاح الجهد الذي يبذله المرء لتخفيف وزنه، بل يتعدى إلى خفض احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب وارتفاع الكولسترول ومرض السكري وغيرها من الأمراض المهمة والمؤثرة على صحة الإنسان.
وكانت مجلة «أوبيستي» obesity المعنية بالسمنة، قد نشرت عام 2002 البحث المميز الذي لاحظ أن 80% من الأشخاص الذين تمكنوا من التخلص من 15 كيلوغراما من أوزانهم الزائدة وحافظوا على ذلك الخفض لمدة عام على أقل تقدير، كانوا من أولئك الذين يتناولون وجبة الإفطار. في حين لم يتمكن من تحقيق ذلك الخفض والمحافظة عليه سوى 4% من الأشخاص الذين لا يتناولون وجبة الإفطار. وهو ما أيدته دراسة للباحثين من ماساشوستس نشرت في المجلة الأميركية لعلم الأوبئة American journal of epidemiology عام 2003، ولاحظت فيه رابطا قويا بين ترك تناول الإفطار وارتفاع معدلات السمنة.
وكانت أولى الدراسات الطبية التي ربطت فيما بين وجبة الإفطار وأمراض شرايين القلب، هي تلك التي تم عرضها في مؤتمر رابطة القلب الأميركية عام 2003، وتبين من خلال متابعتها للنمط الغذائي لأكثر من 3000 شخص أن من يتناولون وجبة الإفطار هم بدرجة كبيرة أقل عرضة للإصابة بالسمنة ومرض السكري. ومعلوم أن هاتين الحالتين من أقوى العوامل خطورة في التسبب بأمراض شرايين القلب.
وثمة تبريرات علمية متعددة لتفسير الاستفادة من تناول الفطور على هذه الجوانب، من أهمها اثنان: التبرير الأول يقول إن تناول كمية معتدلة من الطعام في أول النهار يقلل من الشعور بالجوع في أوسطه أو على مشارف أواخره، وبالتالي فإن الشهية تكون معتدلة عند تناول وجبة الغداء، بخلاف ما لو كانت وجبة الغداء هي الوجبة الأولى التي يتناولها المرء بعد العمل لساعات متعددة وحال الشعور الشديد بالجوع. والتبرير الثاني هو أن الدراسات الطبية لاحظت حقيقة أن تناول وجبة الفطور يقلل من درجة مقاومة الجسم لمفعول هرمون الأنسولين، insulin resistance، وبنسبة تصل إلى 50%. وبالتالي، تقل احتمالات حصول الاضطرابات المصاحبة لـ«متلازمة الأيض» metabolic syndrome، التي من أهمها السمنة وارتفاع الدهون الثلاثية وارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة سكر الغلوكوز في الدم وانخفاض نسبة الكولسترول الثقيل الحميد.
ولكن يبقى السؤال: ما هي مكونات وجبة الفطور التي يُمكن بتناولها تحقيق الاستفادة في منع الشعور بالجوع خلال أوقات النهار التالية، وبالتالي تقليل احتمالات الإصابة بالسمنة؟
الإجابة ربما يتضح كثير من جوانبها الدقيقة في الدراسة الطبية الحديثة الصادرة عن الباحثين من جامعة ميسوري الأميركية، المنشورة ضمن العدد الأخير لمجلة «أوبيستي» المتقدمة الذكر. ولاحظ الباحثون أن تناول وجبات إفطار ذات مكونات صحية، وخاصة غنية بالبروتينات protein - rich breakfast، يحقق الشعور بالشبع ويقلل من احتمالات الشعور بالجوع طوال ساعات اليوم. وتقدموا في درجة الدقة العلمية في دراستهم عبر استخدامهم تقنيات «التصوير الوظيفي للدماغ بالرنين المغنطيسي» fMRI technology. ووجدوا من خلال التصوير الدقيق لعمل أجزاء الدماغ، أن تناول الإفطار الغني بالبروتينات يُقلل من إصدار المناطق المعنية بالجوع في الدماغ للإشارات والرسائل العصبية التي تثير المرء نحو البحث عن الطعام والتهامه.
وعلقت الدكتورة هيثر لايدي Heather Leidy الأستاذة المشاركة في قسم التغذية بجامعة ميسوري والباحثة الرئيسة في الدراسة، بالقول: «الكل يعلم أن تناول الإفطار أمر مهم، ولكن كثيرا من الناس لا يزالون لا يعلمون أهميته وأولويته. وهذا البحث يُقدم لنا مزيدا من التأكيد للقيمة الاستراتيجية الصحية لتناول الإفطار في ضبط شهية الأكل وتنظيم تناول الأطعمة».
وشمل الباحثون في دراستهم فئة المراهقين، وقارنوا فيها بين عدم تناول الإفطار، وتناول إفطار ذي مكونات غير صحية من رقائق الحبوب الجافة والحليب، وبين تناول إفطار غني بالبروتينات مثل لبن الزبادي وعصير الفواكه وكعكة الوافل البلجيكية. وباستخدام التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي للدماغ قبل تناول وجبة الغداء التالية للإفطار بساعات، تبين أمران: الأول، أن تناول وجبة الإفطار بالعموم، يُقلل من نشاط المناطق المعنية بالجوع وإثارة الرغبة في الأكل لدى الإنسان. والثاني، أن تناول وجبة الإفطار الغنية بالبروتينات يُقلل بشكل أكبر من الشعور بالجوع وإثارة الرغبة في تناول الطعام، مقارنة بتناول الإفطار الغير غني بالبروتينات.
وقالت الدكتورة لايدي إن «تناول وجبة إفطار غنية بالبروتينات هو استراتيجية سهلة وبسيطة لتحقيق الشعور بالشبع لفترة أطول وتقليل الاضطرار إلى تناول الوجبات الخفيفة غير الصحية بين الوجبات، وخاصة بين المراهقين».
[email protected]