بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت وفاء الكعبي (والدة الأسير سلّوم): "الله يقويك أستاذ حسن، صديق الأسرى الوفي... والله من يوم ما حضرتك زرت سلوم ودايماً صورة سلوم بوجهي كأنه أنا الي شفته... لأني ضليت متخيلة صورة وجهه وضحكته وابتسامته... من خلال كلامك وكتابتك كيف كان اللقاء. ..الحرية قادمة بإذن الله
والنصر قادم إن شاء الله".
وعقّب الأسير المحرّر بسام الكعبي (خال سليمان): "الحرية للغالي سلوم وشقيقه سامي وكل رفاقهما الأحرار. دام الوفاء عزيزي حسن للحركة الأسيرة، وكل الأمنيات بانتصارها على القيد والسجّان".
وعقّب الصديق فتحي صلاح من الشتات: "الفرج قريب إن شاء الله. الله يعطيك العافية أستاذ حسن أكثر الله من أمثالك والذين نذروا أنفسهم للدفاع عن الأسرى فهذه رسالة نبيلة لا يحملها إلا الشرفاء".
وعقّب الصديق محمد جرادات: "الرفيق أبو المنتصر عظيم بما يحمله من تضحية وإيثار وصلابة وإنسانية... له الفرج قريبا... وللأستاذ حسن التحية صديق وقريب وأب الأسرى والأسيرات... إنسان قل نظيره في هذا الواقع الغريب".
نشرت على صفحتي يوم 02.12.2023 خاطرة عنونتها: "هل سيُسدل الستار؟".
"بدأت مشواري التواصليّ مع الأسرى في سجون الاحتلال يوم 3 يونيو 2019؛
وغداً سيكون اللقاء 244 في سجن ريمون الصحراوي. هل سيكون اللقاء الأخير؟
هل سيتحقّق الحلم وتكون اللقاءات القادمة على بلكون الحريّة الحيفاوي!"، وخاب أملي.
"زي اللّي قاعدين بقبر"
التقيته ظهر الثلاثاء 09 كانون الثاني 2024 في سجن "مجيدو"، أو تل المتسلم (هي مدينة كنعانية تقع في مرج ابن عامر، شمالي فلسطين، ويعود تاريخها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، تميّزت في ظل الحضارة الكنعانية العريقة بالبناء الحجري والأسوار الكبيرة، والقصور الفخمة، واشتهرت بصناعة النسيج والملابس ولا سيما تقدمّها في مجال الزراعة) وعلى أنقاض كنيسة أثريّة مهمّة أُقيم سجن مجيدو البغيض.
قابلني بابتسامة طفوليّة تعانق السماء، هو سليمان محمود سليمان كعبي (مواليد 22.02.2000)، اعتقل يوم 11.07.2023، هذه الحبسة الثالثة، وتختلف عمّا سبقتها، 112 أسيراً في قسم 2؛ بدلاً من 50، بالعادة.
الوضع صعب؛ ساعة فورة لكل ثلاثة زنازين، تجويع، الغداء والعشاء مع بعض ع شان يكفّي، معجون أسنان وشامبو واحد لكل غرفة مرّة بالأسبوع، هناك أسرى مع ملابس داخلية واحدة بغسلها بالليل وبلبسها ثاني يوم بالنهار، بطانية واحدة خفيفة بهالبرد، بدون سكر، وأخيراً حصلوا على نصف علبة شوكولاطة لكلّ الغرفة.
حدّثني عن طقوس ومراسيم استقبال أسير جديد، بتقاتلوا عليه ع شان يخبّرهم عن الوضع برّا، ويا ويله إذا نسي إشي، وإذا كان حبسِة أولى "بِلتْمِس"، فش راديو "زيّ اللّي قاعدين بقبِر، ولا بنعرف إشي".
انفرجت أساريره حين أوصلته سلامات والدته وآدم الصغير، وطمأنته على سامي.
تحدّثنا الكثير الكثير ومرّت ساعتان من الوقت، ترافقه الابتسامة الدائمة والضحكة أحيانًا، وسولفنا عن ثائر والشيبون ورأفت، وطلب إيصال سلاماته لآدم والعائلة، وأخواله عاصم وبسام.
"مشتاق للمناحِل"
بعد لقائي بسليمان، أطلّ الأسير عبد الله محمد شتات (مواليد 10.06.1990)، اعتقل في نهاية أكتوبر، وبدأ اللقاء باستجواب صحافي (أخبرني بأنّه يعمل كصحفي فريلانسرـ وممّا يسبّب له وجعاً مضاعفاً كونه مقطوعاً عن العالم) حول المؤسسة التي وكّلتني بزيارته، واستغرب أنّني متطوّع، والزيارة بناءً على طلب زوجته، وحدّثني حول وضع القسم، وزملائه في الزنزانة.
الوضع صعب؛ ما في ملابس وغيارات (ورغم ذلك لا يشعر بأنّه بردان)، هناك تخفيفات على صعيد الأكل والفورة، لا يوجد مناشف أبداً، ولم يزر الصليب الأحمر السجن بتاتاً ولا تواصل مع الأهالي.
اللحية طِولت، وقصقص أظافره المرة الأولى أمس "خبّيتهن للترويحة" وواحد أبقاه للذكرى، ويختم المصحف كل يومين/ ثلاثة.
انفرجت أساريره ودمعت عيناه حين بلّغته سلامات زوجته وأولاده حنان وعز الدين، وزففت له خبر زواج أخيه إسلام.
الصحّة تمام ولا يشكو إطلاقاً؛ رغم نزوله 20 كغم بالوزن، والمعنويات بالسماء.
أخبرته أن زوجته "مخبّيتله" القميص الذي لبسه يوم اعتقاله ولم تغسله، فابتسم بعفويّة قائلاً: "الأسود!! خلّيه معلّق عَ الباب تا أروّح. قرّبت".
طلب أن يتخلّصوا من ملابسه للمحتاجين "مش رايحه تييجي عليّ لأنّي ضعفت كثير".
قلق على مشروع بيع العسل ومشتاق للمناحِل... ولصغاره.
تحدّثنا الكثير، وطلب إيصال سلاماته للجميع، ورسالة خاصة لوالدته: "تهمليش هم، الفرج قريب، ادعي لي وتخافيش عليّ".
"أخباركم فرّحتني"
بعد لقائي بسليمان وعبد الله، أطلّ الأسير جعفر فوزي عبد الله أبو صلاح (مواليد 01.05.1967)، اعتقل يوم 03.11.2023، وبدأ اللقاء باستجوابي من وكّلني بزيارته، واستغرب أنّني متطوّع، والزيارة بناءً على طلب ابنه يزن، وحدّثني حول وضع قسم 4 في السجن ومن معه في الزنزانة. في القسم 135 أسيراً، بدلا من 60 في الوضع العادي.
انفرجت أساريره حين أوصلته رسالة يزن وطمأنته حول وضع المخبز والشيكات، وأغنام الكنية، وإكمال البيت الجديد. اغرورقت عيناه بالدموع، ممّا أربكني، فقال إنّها دموع الفرح لسماع الأخبار المطمئنة؛ لأنّ هذه الأمور كانت مقلقته.
صحّته منيحة، رغم مرض القلب والدهون.
الوضع كارثيّ؛ ما في ملابس وغيارات، نفس البنطلون وما انغسل منذ اعتقاله، ملابس داخليّة فش، بغسلوها وتا تنشف بلبسوها.
طال حديثنا، وطلب إيصال سلاماته للجميع، وبوسات للحفيدات جوليا وسيلينا، ولابنته راما، وللوالدة ولزوجته الصابرة، احرثوا أرض الدخان وديروا بالكم ع حالكم. إن شا الله اللقاء قريب.
الأمانة توصّلهم: "أخباركم فرّحتني".
لكم أعزائي سلّوم وعبد الله وجعفر أحلى التحيّات، على أمل أن نلتقي قريبًا في فضاء الحرية.
[email protected]