يوم الجمعة الماضي توجهت الى القرية ، التي أحبها ، هي قريوت ، تلك القرية الوادعة على قمم جبال نابلس الى الجنوب الشرقي ، بتاريخها القديم ، فهي كنعانية أصيلة ، من مقطعين إذا اجتمعا أصبحت باللغة الكنعانية مجمع القرى . لم أكن مضطرا لذلك ، ولكنني قررت الا انقطع عنها في الظروف الصعبة ، التي نمر بها ، حيث تفتك آلة الحرب المدمرة بقطاع غزة ، بمبانيها السكنية وبسكانها . أطنان من القنابل تلقيها طائرات الموت ، أميركية الصناعة على رؤوس مواطنين عزل وأبرياء في مساكنهم وفي مستشفياتهم ، أطنان فاقت في حجمعا حتى الأن عشرة أضعاف ما تعرضت له مدينة درسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية على ايدي طائرات الموت البريطانية والأميركية .
الطريق الى قريوت ليس سهلا ، كما هو الحال على جميع طرقات الضفة الغربية ، بعد ان قررت سلطات الاحتلال بحجج أمنية إحكام سيطرتها على الضفة الغربية تحسبا لردود الفعل على العدوان البربري على قطاع غزة ، بتقطيع أوصالها الى دوائر ومربعات يتحكم بها نظام فصل عنصري على الطرقات الخارجية بين المدن والبلدات والقرى لتأمين حركة المستوطنين . فقد اغلقت سلطات الاحتلال الطريق الرئيسي أمام حركة الفلسطينيين بدءا بالحاجز العسكري على بعد كيلومترين من حوارة مرورا بحوارة نفسها وببلدة بيتا وانتهاء بحاجز زعترة حيث تتمركز قوة عسكرية مشتركة لجيش الاحتلال وميليشيات سموتريتش وبن غفير الارهابية .
للوصل الى قريوت او رام الله على المواطن الفلسطيني ان يسلك طرقا بديلة محفوفة بالمخاطر . تبدأ الرحلة الى قريوت من حاجز عورتا مرورا بعورتا نفسها الى بلدة بيتا في اتجاه قرية اوصرين فبلدة عقريا ، بوابة شفا الغور ، لتدخل بعد ذلك الى شارع عابر السامرة ، الممتد من كفار سابا داخل الخط الأخضر الى مستوطنة فصايل في الأغوار الفلسطينية . الرحلة من عورتا الى عقربا سالكة ، فيها تصعد جبالا وتهبط أودية حيث تطالعك حقول الزيتون الممتدة والفلاحين في حقولهم في موسم القطاف بعيدا عن المستوطنات . مناظر جميلة تتعرف على جبال وأودية في بلادك تغطيها غابات شجرة مباركة ،
ولكن ما ان تدخل شارع عابر السامرة وتتجه الى الشرق في اتجاه بلدة قصره ، حتى تجد نفسك في أجواء مختلفة . الحركة على الشارع ضعيفة ، إلا من سيارات المستوطنين ، التي تحمل نمرا صفراء . سلكت ذلك الشارع بحذر شديد متوجها الى قصره ، بلد الشهداء ، فقبل أيام معدودة سقط اربعة شهداء على ايدي زعران ميليشيات سموتريتش وبن غفير الارهابية وعلى ايدي الجيش ، دون ذنب إلا لكونهم يتوجهون لحقولهم لقطف ثمار زيتونهم ، تبعهم بعد يوم واحد في موكب تشييع الشهداء شهيدان آخران ليرتفع الرقم الى ستة شهداء . قصره هي بلد الشهداء ، شهداء الدفاع عن الارض وهويتها الفلسطينية ، ولكن هيهات ان تدخلها من بوابتها الرئيسية المتفرعة عن عابر السامرة .
كنا وحيدا على ذلك الشارع ، ارقب حركة تنساب لسيارات المستوطنين ، حتى تخطتني سيارة فلسطينية ، كانت هي الأخرى وحيدة وسرعان ما انحرفت يمينا في طريق ترابي كنت اعرف أنه يوصل الى قرية جوريش . سيارتان فلسطينيتان فقط في المنطقة في اتجاه جوريش ومنها الى قصره من مدخلها الغربي . أصبح الوضع أكثر أمانا ، حيث توجهت بالسيارة نحو تلفيت ومنها الى قريوت . جميل ان يتعرف الفلسطيني على ريف بلاده الجميل ، حيث غابات الزيتون وحيث الفلاحين في حقولهم البعيدة عن المستوطنات في مثل هذا الوقت من كل عام .
في قريوت استقبلني أحد سكانها يروي المعاناة من ممارسات الجيش وميليشيات سموتريتش وبن غفير ، من زعران " شبيبة التلال " و " تدفيع الثمن " و " تمرد " وغيرها من منظمات الارهاب اليهودي ، التي تتخذ من المستوطنات والبؤر الاستيطانية وما يسمى بالمزارع الرعوية ملاذات آمنة ومحطات انطلاق للاعتداء على المواطنين الفلسطينيين . اجيش يمنع المواطنين من الوصول الى حقولهم ، حتى على بعد 200 متر من البيوت السكنية . هذا العام ليس لكم محصول زيتون ، هذه كانت لغة الجنود مع المواطنين ، الذين توجهوا لقطف ثمار زيتونهم . تذكرت في تلك اللحظات دور لجان الحماية الذاتية الشعبية ، وتذكرت اكثر دور أجهزة الأمن والأجهزة العسكرية الفلسطينية وتساءلت ، ما الذي يمنع هذه الاجهزة بزيها الرسمي من الانتشار في الريف ، بسلاحها او بدونه لتوفير شيء من الحماية للمزارعين في موسم قطاف الزيتون .
لم اجد أجوبة على تساؤلي ، فقط ادركت في تلك اللحظات كم كان قراري صائبا عندما قررت التوجه الى قريوت في رسالة بسيطة ولكنها معبرة . جيش الاحتلال وميليشيات سموتريتش وبن غفير يعملان معا للسيطرة في ظروف العدوان على قطاع غزة لفرض السيطرة على طرقات بلادنا وعلى ريفها الجميل . تلك كانت الرسالة لا أكثر ، رسالة الى الأهالي ، معبرة نعم ولكنها لا توفر شيئا مما يطالب به المواطنون . قضيت في القرية ساعات معدودة ، احمل للأهالي تلك الرسالة البسيطة المتواضعة ، هي ارضنا ، هي أمنا ، لا أم لنا سواها غير تلك التي انجبتنا لندافع عنها .
في طريق العودة سلكت نفس الطريق ، وتوقفت بسيارتي على اطراف الطريق وشاركت أحد المزارعين لوقت قصير في قطف ثمار زيتونه ، تلك كانت لحظات جميلة ، لحظات عوضت فيها ما فاتني في قريوت ، التي لم اتمكن فيها من التوجه الى ارضي لمشاركة الاهل في قطف ثمار زيتوننا ، لأن الجيش وزعران سموتريتش وبن غفير يمنعون الأهالي من ذلك .
أخيرا وصلت حاجز عورتا في ساعات بعد الظهر بعد رحلة عودة كانت ظروفها أصعب بكثير من ظروف الصباح . لذلك الحاجز مسارب يتحكم بها جنود الاحتلال . في الخروج مسرب واحد تتوسطه مطبات محفورة في الارض ، مطبات سيطرة وتحكم ، وفي العودة مسربان ، الأول مسرب عادي والثاني مسرب المطبات . سلكت المسرب العادي ظنا مني ان ذلك أمرا عاديا ، غير ان الامر لم يكن عاديا ، فجأة وجدت نفسي في مواجهة جندي يصوب سلاحه الى السيارة ويطلب التوقف . توقفت واطفأت محرك السيارة وقدمت له بطاقة الهوية بناء على طلبه ، وغاب لربع ساعة او أكثر ، ليعود ويعيد لي بطاقة الهوية بتنبيه واضح ، بأن طريقي هو طريق المطبات وليس الطريق العادي المخصص للجنود وللجنود فقط . أدركت أن حظي كان جيدا ، فأنا لم أعد شابا يتحدى ولو عن غير قصد انظمة تحكم وسيطرة لقوات احتلال تستسهل الضغط على الزناد .
[email protected]