لم يعد ملف تنظيم قطر لكأس العالم 2022 مليئًا بالأزمات والمشاكل الكبيرة فقط، فكل يوم يمر تنكشف بعض الأزمات الجديدة على الرغم من مرور أربع سنوات على فوزها بحق تنظيم المونديال بعد منافسة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وكوريا الجنوبية، واليابان، وأستراليا، ولعل وجود تلك الأسماء هو ما يبعث على طرح علامات استفهام لا إجابة لها.
فالدولة الواقعة فى القارة الآسيوية قامت بإنفاق العديد من الأموال على الملف الذى تقدمت به لـ"فيفا" من أجل إقناع أعضاء اللجنة التنفيذية للتصويت لها، والوعد بعمل نظام تبريد متكامل فى ملاعب المونديال لتخفيض درجة الحرارة حتى تلائم اللاعبين والمشجعين، بالإضافة إلى ضم العديد من رموز كرة القدم العالميين من أجل الإعلان عن تأييدهم الكامل لملف استضافة قطر للمونديال منهم بيب جوارديولا المدير الفنى الحالى لبايرن ميونيخ، وزين الدين زيدان المدرب المساعد لريال مدريد، ولكنَّ المقربون من صناعة الكرة يرون أن هذا الدعم هو "تجارى" فقط، مثلما يقدمون إعلانات مدفوعة الأجر بما يعنى أنهم يعطون موافقة ضمنية لا يعتد بها.
ولو أضفنا رفض العالم الكروي إقامة المونديال فى الصيف وبالتحديد فى شهري يونيو ويوليو وهو التوقيت الذى تصل درجة الحرارة فيه هناك إلى 50 وهو ما يستحيل معه إقامة البطولة بسبب صعوبة الطقس للاعبين والجماهير ستظهر مطالب بضرورة إقامته فى الشتاء وبالتحديد فى الفترة بين نوفمبر ويناير حيث تصل الحرارة إلى 17 درجة مئوية، وأعلن العديد من مسئولى كرة القدم عبر العالم تأييدهم لتلك الفكرة منهم ميشيل بلاتينى رئيس الاتحاد الأوروبى، ورونالد دى بوير لاعب المنتخب الهولندى السابق، وجيروم فالكه الأمين العام لـ"فيفا".
وتواصلت التحذيرات من مخاطر إقامة البطولة خلال الصيف حيث أكد مايكل دوجى الرئيس الطبى بـ"فيفا" فى تصريحاته فى المؤتمر الصحفى حول علاقة كرة القدم والطب، أن هناك خطورة على صحة اللاعبين والجماهير معًا، مشددًا على أنه ما زال هناك 8 سنوات يمكن فيها تغيير موعد البطولة.
وتجرى الآن العديد من المحادثات حول ضرورة نقل البطولة لمنتصف الموسم الكروي، بيد أن الاتحاد الإنجليزى لكرة القدم رفض الفكرة حيث إن أى تغيير يطرأ على مواعيد "البريميرليج" سوف يؤثر على جدول البطولة لثلاثة أعوام، لكن احتدام الأزمات لن يجعل أمام الفيفا سبيلاً غير نقل المونديال فى بلد قادر على استيعاب هذا الحدث العالمى.
وفجرت صحيفة "جارديان" الإنجليزية فى الربع الأخير من العام الماضى قضية كبرى عن انتهاك حقوق العمال النيباليين فى قطر أثناء عملهم فى تشييد الملاعب وطرق النقل الجديدة والفنادق الكبرى.
واتهمت الصحيفة الإنجليزية فى تقريرها قطر بالعودة لنظام العبودية مع العمال النيباليين وعدم منحهم أبسط حقوقهم حيث يعملون طوال اليوم، الأمر الذى أودى بحياة المئات وإصابة الآخرين، ما أدى إلى تحرك الاتحاد الدولى لنقابات العمال إلى إرسال خطاب لـ"فيفا" يطلبون فيه ضرورة سحب حق تنظيم المونديال من قطر، بسبب سوء معاملة العمال.
وتواصلت الأزمات حيث صدر تقرير عن اتحاد النقابات الدولية يدين فيه مشاهدة العديد من العمال من نيبال، الهند، وتايلاند فى ظروف غير إنسانية أثناء عملهم فى بناء ستاد وكرة أحد الملاعب المستضيفة للبطولة العالمية، ولكن جوزيف بلاتر رئيس "فيفا" شدد على ضرورة الاهتمام بحقوق الإنسان وجميع العاملين فى قطر.
فى السياق ذاته عقد الاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا" اجتماعًا صباح الثلاثاء 18 مارس، مع الاتحاد العالمى لعمال الخشب والبناء، من أجل مناقشة أزمة العمالة النيباليين فى قطر، حيث بحث المسئولون فى الاجتماع إمكانية إرسال وفد إلى قطر لمعرفة أوضاع العمال فى البلد الخليجى، يأتي ذلك بعدما أشارت تقارير إلى وفاة أكثر من 450 عاملاً هنديًا ونيباليًا فى أعمال بناء منشآت مونديال 2022 بقطر.
وتتمثل ثالث الأزمات التى تتعرض لها الدولة الخليجية فى وجود اتهامات كبرى بدفع رشاوى للعديد من المسئولين فى اللجنة التنفيذية بـ"فيفا" من أجل إقناعهم بالتصويت للملف القطري للفوز بالتنظيم على حساب الولايات المتحدة الأمريكية.
وأشارت صحيفة "فرانس فوتبول" فى تقرير لها إلى أن قطر قامت بدفع رشاوى مستندة إلى رسالة نصية من جيروم فالكه الأمين العام لـ"فيفا" إلى رئيس اتحاد الكونكاكاف، والاتحاد التريندادى لكرة القدم جاك وارنر قائلاً: "لقد اشتروا المونديال"، ولكن فالكه دافع عن نفسه بعد ذلك مؤكدًا أنه كان يتحدث فقط عن القدرة المالية الكبيرة لقطر، وليس وجود رشاوى فى عملية التصويت.
وتواصلت الرسائل بين فالكه ووارنر عن ترشح محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي والقطرى السابق لكرة القدم لانتخابات "فيفا" لينافس بلاتر على مقعد الرئاسة حيث قال: "لا أدرى لماذا ترشح بن همام لخوض الانتخابات. هل فعلاً يدرك أن لديه الحظوظ أو أنها طريقة لأنه لم يعد يرغب ببقاء جوزيف بلاتر، أم أنه يعتقد بأنه يستطيع شراء "فيفا" كما اشترت بلاده كأس العالم".
وقامت صحيفة "تليجراف" الإنجليزية فى الثامن عشر من مارس الجارى بنشر تقرير لها يؤكد حصولها على وثائق ومستندات تفيد بوجود تحويلات مالية من قبل شركة يمتلكها بن همام إلى شركة يمتلكها وارنر عقب فوز قطر بحق التنظيم فى الخامس عشر من ديسمبر 2010، أى عقب أسبوعين فقط من إعلان نتيجة التصويت والدولة الفائزة.
وأوضح التقرير أن نجل وارنر حصل على 750 ألف دولار، فيما حصل أحد موظفيه على 400 ألف آخرين، بينما تشير إحدى الوثائق إلى أن تلك التحويلات نتيجة لوجود بعض الأعمال بين الشركتين من عام 2005 إلى 2010.
من جانبها فتحت فيفا التحقيق فى الاتهامات التى نشرتها "فرانس فوتبول" لكنه تم إغلاقها بعد ذلك لعدم وجود أدلة، بيد أن "تليجراف" أكدت أنه تم عمل تحقيقات جديدة وأن مايكل جارسيا المسئول الأول عن التحقيقات فى الاتحاد الدولى يقوم بالتقصي وراء تلك الاتهامات وسيقوم بتسليم تقريره فى وقت لاحق خلال العام الجاري.
ورغم كل تلك الادعاءات فإن قطر دائمًا ما تنفى قيامها بدفع رشاوى من أجل الفوز بحق تنظيم المونديال، فيما قامت بعمل بعض الإجراءات للحفاظ على حقوق العمال العاملين فى تشييد الملاعب والطرق والفنادق، بالإضافة إلى التأكيد على استعدادها التام لتنظيم البطولة فى أى وقت فى العام.
[email protected]