البروفيسور نانسي أجمون- ليفين
من منّا لم يشعر بانسداد في الأنف وصعوبة بالتنفس والشمّ وأن حاسة التذوّق قد تضرّرت؟ بالنسبة لغالبية الأشخاص، قد تكون هذه الأحاسيس أعراضًا لنزلة برد خفيفة تمرّ بعد أيام. ولكن ما العمل عندما يتحوّل هذا الإحساس إلى وضع مزمن يمسّ بجودة حياتنا؟
التهاب الجيوب الأنفية (رينوسينوسيتيس) مع الأورام الحميدة في الأنف، الذي يطلق عليه باختصار "نازال بوليبوزيس" هو مرض مزمن تنمو من خلاله أورام حميدة في الأنسجة المخاطية بالأنف. وهي بمثابة "بالونات" صغيرة تسدّ الجيوب الأنفية تعبيرَا عن العمليات الالتهابية التي تحدث في تجويف الأنف. رغم أن الحديث يدور عن عملية حميدة للغاية، إلّا أنها تشكّل إزعاجًا خارجًا عن المألوف وتضرّ بجودة الحياة. يشبه شعور الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض المزمن شعور الأشخاص الذين يعانون من زكام حادّ-شعور بالاحتقان وانسداد بالأنف قد يكون جزئيا، كاملا في فتحة الأنف أو فتحتيّ الأنف. وفي أعقاب الانسداد يفقد المريض حاسة الشمّ ثم حاسة التذوّق وفي بعض الحالات قد تتطوّر إلى مرض في جهاز التنفس لأن الأورام الحميدة الأنفية تصعّب عملية التنفس. وقد يعاني بعض المرضى من الالتهابات الموضعية أيضًا التي تستدعي علاجًا طبّيًا جادًا.
يصف الأشخاص الذين يعانون من الأورام الحميدة الأنفية بأنها غير مريحة، خاصة في وضعية الاستلقاء على الظهر حين يصعب التنفس حقًا. هذه الزوائد (النتوءات) التي تسدّ الأنف، تمنع أيضًا تصريف السوائل من الجيوب الأنفية -تجاويف هوائية تقع في الفكّين والجبين وتقوم بتصريف الهواء والإفرازات في تجويف الفم. عند انسداد هذه التجاويف، لا يمكن تصريف السوائل، وأي شخص عانى من التهاب الجيوب الأنفية في حياته يعرف أنه صداع حادّ وقد يتحوّل إلى التهاب خطير، وبالفعل هؤلاء المرضى معرّضون للإصابة بالالتهابات.
تبدأ مسالك التنفس لدينا عند طرف الأنف وتنتهي عند طرف الرئتين، وبالتالي فإن أمراض مسالك التنفّس العلوية مثل داء الأورام الحميدة في الأنف والتهاب الأنف التحسّسي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأمراض مثل الربو والإكزيما. انتشار مرض الأورام الحميدة في الأنف بين السكان يدلّ على أنه ليس مرضًا نادرًا. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 2%-4% من السكان يعانون منه، بحيث أن غالبية المرضى تتراوح أعمارهم بين 40-50 من العمر. في بعض الأحيان نرى أيضًا المراهقين والأطفال يعانون من الأورام الحميدة في الأنف الحادّة، ولكن هذه حالات استثنائية نسبيًا.
المسّ بجودة حياة المرضى الذين يعانون من مرض الأورام الحميدة في الأنف ملموس للغاية. هناك أمراض خطيرة ولكن المريض لا يعاني منها على أنها صعبة والعكس صحيح -هناك أمراض ليست خطيرة للغاية، مثل مرض الأورام الحميدة الأنفية ولكنها تسبّب معاناة كبيرة في حياة المريض اليومية. والبرهان على ذلك: يوافق الأشخاص الذين يعانون من داء الأورام الحميدة في الأنف على الخضوع للعديد من العمليات الجراحية المعقّدة لإزالة الأورام الحميدة في بعض الأحيان فقط للحصول على بضعة أشهر من اختفاء المرض.
هناك عدّة علاجات لمرض الأورام الحميدة في الأنف، خاصة وأنه مرض نعرفه منذ زمن طويل وبالتالي نعرف كيفية علاجه. في صورته الخفيفة، يمكن علاجه عن طريق مستحضرات موضعية ترتكز على المنشّطات (الستيرويد) مثل بخّاخات الانف المختلفة. إنه علاج موضعي وآمن نسبيًا يهدف إلى علاج المكوّن المناعي أو حساسية المشكلة. أما في الحالات الصعبة، فقد كان العلاج المقترح على المرضى هو الجراحة. يخضع المرضى لعملية جراحية يتم فيها إزالة الزوائد التي تسدّ تجاويف الأنف، مما يسمح لها بالعودة إلى وضعها الطبيعي -التنفس والشمّ والتذوّق. في الحالات الأكثر تعقيدًا، تُجرى عمليات جراحية أكثر شمولَا يتم خلالها إزالة جدران تجويف الأنف والجيوب الأنفية قدر الإمكان. العلاج الجراحي ناجح جدًا لبعض المرضى ولكن لسوء الحظ، فإن بعض المرضى الذين يكون مرضهم شديدًا، لديهم ميل متزايد لتكرار ظهور الأورام الحميدة والجراحة تعطي الراحة لفترة محدودة فقط. في الواقع، يضطر هؤلاء المرضى إلى تلقّي علاجات بالستيرويد التي يتم تقديمها بشكل شمولي وليس موضعيًا فقط – والتي تترافق مع العديد من الآثار الجانبية، بالإضافة إلى خضوعهم لعمليات جراحية متكرّرة تفشل أيضَا في القضاء على المرض. اليوم، ومن خلال الفحوصات المختلفة وإلمامنا بالمرض، نعرف كيف نتنبّأ مسبقًا بأي من المرضى الذين يمكن أن تساعدهم الجراحة وأي منهم لديه فرصة كبيرة لعودة المرض حتى بعد العملية الجراحية. في هذه الحالات، من الممكن الحفاظ على التحسّن والرّاحة التي تم الحصول عليها عن طريق الجراحة و / أو تحسين حالة المريض بحيث لا يضطرّ إلى إعادة الجراحة من خلال العلاجات البيولوجية التي تمكّن من تثبيط الآليات المناعية التي تسبّبت في تكوّن الأورام الحميدة. اليوم أصبحنا نفهم هذه العملية لدرجة أن هناك أدوية تستهدف البروتين في الجهاز المناعي المسؤول عن العامل الذي يشجّع على إنتاج الأورام الحميدة. بفضل التقدّم العلمي والتكنولوجي يمكن استبدال المنشّطات الجهازية بمستحضرات بيولوجية آمنة وفعالة مع نتائج ممتازة تتيح السيطرة على المرض. بفضل العلاج البيولوجي نرى تحسّنا عند المرضى في غضون أسابيع قليلة، وفي الواقع تتقلّص الأورام الحميدة حتى تختفي ويعود المريض يتنفّس الصعداء.
كاتبة المقال هي مختصّة في علم المناعة السريري والحساسية، وتشغل منصب مديرة معهد المناعة السريرية والوذمة الوعائية (أنجيوديما) والحساسية في مركز أمراض المناعة الذاتية في مستشفى شيبا -تل هشومير
[email protected]