الباحث فضل سمعان
( بولس الرحباني)
-تعرفت على هذا الأدب بفضل صديقي الشيوعي.
⁃ الأدب الرحباني يتلخص بمفهوم المحبّة.
⁃ يكفيني فخراً اللقب الذي توّج به الأستاذ منصور رأسي وعمري كله.
⁃ لا يمكن للانسان العادي التشبث بحلمه ومشروع حياته لخمسة عقود اذا لم يندرج تحت مقولة (الجنون فنون).
⁃
حاورته:- د. رندة زريق صباغ
" كان ذلك عام 1961 في بيت صديقي وجاري الشاب طارق فريد زريق، عائلته من أوائل العائلات الشيوعية في القرية والمنطقة، بطبيعة الحال تميز الشيوعيون بالثقافة، المعرفة والانفتاح. كنا جميعاً في تلك المرحلة قد اعتدنا على أصوات العمالقة وأغنياتهم الطويلة ذات الشعر المركب، فجأة اذ بطارق يسمعني نوعاً مختلفاً من الغناء، الكلمات، الالحان والصوت الملائكي، إنها أغنية:-
(بحبك ما بعرف.. هن قالوا لي)
كلمات سعيد عقل، ألحان الأخوين رحباني.
هكذا انفتحت أمامي حديقة ملونة تزدان بأزهار من نوع آخر، وجدت نفسي شغوف بهذه الأغاني وبدأت أستفسر عن الأخوين رحباني، من هما؟ من أي عالم قدِما؟ أية ثقافة وأية تربية تلقيا؟ وكيف ينجحان بالتحليق بنا نحو السماء والفضاء. وبدأ حبي لصوت وأغنيات السيدة فيروز.
تساءلت باعجاب:- ما هذا الوصف لحالة الحب التي تملأ هذه الصبية لدرجة جعلت المحيطين بها ينتبهون ويلمحون لها إنها عاشقة -قال المثل: اثنان لا يمكن اخفاؤها، الحب والحمل- لا يمكنك أن تسمع هذا الكلام زون أن ترتسم أمامك لوحة فنية تلون الأحاسيس بأجمل الألوان. بدأت أبحث عن أغاني فيروز وأتعمق بكلمات وألحان الأخوين رحباني المذهلة.
مشروع حياة:-
شعرت منذ البداية أن هذا التحليق والخوض في حديقة هذا الأدب عظيم ومتميز لكن لم أتوقع أبداً أنه سيصبح مشروع حياتي وأنني سأقضي أكثر من ستة عقود في خوض غمار هذا الأدب الانساني المذهل الذي يدعو للمحبة الحقيقية لكل ما خلقه الله من كائنات، محبة القيم والأخلاق، محبة العائلة، الأرض والوطن. سمعت كل كلمة كتبها الأخوين وأصغيت لكل جملة لحنيّة قدّماها لهذا العالم، بحثت بعمق ومحبَة جعلتني أحلّق وأدرك الحياة بوعي مختلف.
أول مسرح عربي بالبلاد
كنت من أوائل الممرضين العرب في البلاد وقد عملت لسنوات في مستشفى الانجليزي بالناصرة، منحت فرصة تأليف واخراج مسوحيات خاصة بعيد الميلاد المجيد لتعرض لطاقم ومرضى المستشفى، إنّ لي ولعاً بالفن والمسرح كما الغناء منذ الصغر، شجعتني تجربتي المسرحية في المستشفى للاستمرار قدماً فقمت بتأسيس مسوح الفيروز تيمّناً بالسيدة فيروز سفيرتنا إلى النجوم. لم يكن فقط أول مسرح عربي في البلاد بل كان أيضاً المسرح الأول الذي ضمّ عدداً من الصبايا الممثلات الى جانب الشباب، وهو أمر لم يكن موجوداً حتى في المدن كالناصرة وحيفا وغيرها، هذا أمر ليس غريباً على أهل قريتنا عيلبون التي تميز أهلها ولا زالوا بالوعي والثقافة واحترام المرأة.لقد أنتجت من خلال مسرح الفيروز العديد من المسرحيات والرقصات.
ونذكر هنا أن أول الفرق الموسيقية العربية في البلاد تأسست في عيلبون أواخر الستينات، فرقة المطرب داهود عيلبوني الذي عمل أيضاً كمعلم للموسيقى في المدرسة الاعدادية في القرية، وفرقة المطرب عطا الله شوفاني الذي استمر ابناه جميل ووديع في مهنة والدهما باحياء السهرات والأعراس، طبعاً طالما غنى المطربان سكتشات الرحابنة كسهرة حب وغيرها في الأفراح التي أحياها في العديد من البلدات العربية من شمال حتى جنوب البلاد.
“الميثولوجيا الرحبانية"
بحث هو الوحيد من نوعه في الوطن العربي، أربعة أجزاء مكثَّفة من 1700 صفحة. حصيلة الاستماع باصغاء عالٍ، الجمع، التمحيص، البحث، التحليل بشغف حوّل هذا الأدب لمشروع حياة قام به الباحث والمؤلف فضل سمعان ابن قرية عيلبون على مدى أكثر من أربعين عاماً.
أطلق عليه الأستاذ منصور الرحباني اسم (بولس الرحباني) لِما لمسه فيه من بشارة بين بشائر الفن الرحباني عمومًا. الأستاذ فضل اهتم بنشر أدب ورسالة الأخوين رحباني كما نشر بولس الرسول رسالة السيد المسيح عليه السلام، رسالة يمكن اختزالها بكلمة واحدة وهي (المحبةّ).
محبّة الإنسان والإنسانية، محبة الطبيعة بكل ما فيها من بشر، شجر، حجر ومخلوقات على أنواعها وأشكالها، محبّة الأرض والوطن،
الجزء الأول 449 صفحة:-
مهّد فيها المؤلف لمواضيع الميثولوجيا الرحبانية ومفهومها لديه انطلاقًا من المدرسة الرحبانية واسعة الأركان والقيم.
كما شرح عن مبادىء الثورة الفنية الرحبانية، كما شرح بالتفصيل عن تأَلُّق فيروز في الظاهرة الرحبانية،
كذلك كان للمرأة والحب في الأدب الرحباني فصلاً مطولاً.
كما أهدى القراء جولة في حدائق الكلمة الرحبانية أظنها من أجمل وامتع الجولات الأدبية الفنية التي قرأتها في حياتي.
وصولًا إلى البيت: وطن الطفولة،
الضيعة: وطن الصبا والشباب،
كما تحدّث عن أهل الضيعة، معالمها، عاداتها وتقاليدها في الأعمال الرحبانية،
وقد أتحفنا بتحليل لاسكتش حكاية الإسوارة.
الجزء الثاني 451 صفحة
شرح المؤلف المفهوم الرحباني للبنان الراية الرحبانية الذي اعتبراه وطن القلب ووسادة الروح.
اعتبر الرحابنة لبنان معبد التنسُّك الرحباني: أرضًا وإنسانًا ووطنًا أخضر، وبهدف الشرح والتفسير ركّز المؤلف على بعض الأعمال: "البعلبكية"، "رحيل الآلهة"، "جسر القمر"، "دواليب الهوا"، "ناس من ورق"، "لولو"، و"ميس الريم".
الجزء الثالث 448 صفحة
تمحور هذا الجزء حول "الإنسانية في الوطن الرحباني"، كما تحدث عن الظلم الداخليفي مسرحية (الشخص)
(صح النوم)"، (ناطورة المفاتيح)
(يعيش يعيش)
ثم تحدّث عن الظلم الخارجي في مسرحية (إيام فخر الدين) وتوقف مليًّا عند فلسطين في الأدب الرحباني، عبر "راجعون"، "أغاني العودة"، "القدس العتيقة"، اسكتش "جسر العودة"، مغناة "راجعون"، و"أعمال قصيرة في خدمة القضية"، واسكتش "حصاد ورماح" ومسرحية "جبال الصوان".
الجزء الرابع 451 صفحة
بحث عن "الوطن الرحباني الأكبر" في (المحطة)، (هالة والملك).
كما تحدث عن الحلم والإيمان في الأدب الرحباني، وما فيه من بُعد إنجيلي يتجلَّى في المحبة والسلام، الفرح والكرامة، الأطفال ملائكة الأرض.
ختم الباحث فضل سمعان هذا الجزء بمفهوم "الزواج والحب في الميثولوجيا الرحبانية" و مفهوم "النور وجذوره الإنجيلية" وأنهى كل ذلك باستعراض مسرحية "الليل والقنديل"، واستعرض مختارات رحبانية منوعة".
تعتبر هذه "الميثولوجيا" تحليلاً لكنوز ظهرت تباعًا في أعمال عاصي ومنصور اللذَين أعطَيَا لبنان تراثًا سيخلّد طويلاّ،
أبحاث تكشف ما في التراث اللبناني من فضاءات تضع لبنان في طليعة أوطان يخلّدها الإبداع الذي يسطره مبدعوها في كل مدار ثقافي.
بين منصور الرحباني وبولس الرحباني
كان حلماً تحقّق بأبهى وأرقى صوره، وصلت عمان عام 2002 لحضور مسرحية أبو الطيب المتنبي، مسرحية غنائية من الوزن الثقيل شارك فبها أكثر من 400 شخصاً من الممثلين، المغنيين، الفنانين والتقنيين، ثم لقاء وحوار مع العبقري المؤلف والملحن منصور الرحباني الذي دهش من معرفتي لكل كلمة ولحن لهما، ذهل من أنني أحفظ أعمالهما كاملة عن ظهر قلب، أسعده جداً ما وصلت اليه من بحث وتحليل بهدف ايصال الرسالة الرحبانية لكل العالم العربي بشرائحه وأجياله، هناك في عمان حظيت بلقب جعلني ألامس الغمام، فقد أطلق عليّ الأستاذ منصور اسم (بولس الرحباني) إذ أدرك أنني رسول الادب الرحباني وناشرُه بين البشر. استمرت اللقاءات مع الكبير ومع أولاده الفنانين المشهورين أسامة، غدي ومروان.
محاضرات وندوات
قدمت أكثر من 190 محاضرة وندوة فنية عن الأدب الرحباني في البلاد، الضفة وعمان معظمها بمرافقة عازف ومطربة غنّت نماذج من الأغنيات الرحبانية للجمهور الذي فرح بهذه الندوات التي أدخلته الحديقة الرحبانية بكم من الفرح والمحبة، الأمر الذي شجعني على الاستمرار في هذه الأمسيات الراقية حتى اليوم خاصة في المراكز الجماهيرية، النوادي والمجالس المحلية. ما دامت صحتي تسمح لي بالخطابة والتنقل سأستمر بنشر رسالة هذا الأدب من مركز ثقافي لآخر بكل المحبة والشغف. تجدر الاشارة أن ما قام به الأخوان رحباني لا مثيل له في كل العالم: كتبوا للعائلة، للأم، الأب، الأخ، الأخت، الجد والجدة، للابن والابنة، للفلاح، للعامل، للنجار والحداد، للجواهوجي. كتبوا عن المطر والغيوم، عن الزرع والورد والشجر، عن الحيوانات الأليفة والمتوحشة، كتب الرحابنة وذكروا كل المخلوقات ووصفوا كل حالات المشاعر الانسانية على الاطلاق الجميلة منها والسلبية.
أما أنا بدوري ككاتبة مهتمة بالفن، المجتمع والثقافة واكبت الأستاذ فضل في رحلة بحثه منذ 1996 حتى الان، قرأت كل اصداراته السابقة، شاركت بالعديد من ندواته، أصغيت لكل بحث جديد له… أنصحكم بدوري لاقتناء الموسوعة والتنزه في هذه الحديقة الرحبانية بارشاد الباحث فضل سمعان لتكتشفوا أن هذه الكتب بما فيها من معلومات إنما هي من أهم ما قرأتموه، وإن سنحت لكم الفرصة للمشاركة في احدى أمسياته فلا تضوعوا الفرصة.
[email protected]