جمعة الآلام وتعرف بعدة أسماء أخرى أشهرها الجمعة العظيمة هو يوم احتفال ديني بارز في المسيحية وعطلة رسمية في معظم دول العالم، يتم من خلاله استذكار صلب يسوع وموته في الجلجثة ودفنه،[1] وتعتبر جزءًا من الاحتفالات بعيد القيامة وتكون في يوم الجمعة السابقة له، وتتزامن في التوقيت الغربي مع الاحتفال بعيد الفصح اليهودي. من الأسماء الأخرى التي تعرف بها هذه المناسبة هي الجمعة السوداء والجمعة الجيدة والجمعة المقدسة والجمعة الحزينة وجمعة عيد الفصح.
الأساس الاحتفالي لهذه المناسبة يرجع إلى الأناجيل إذ واستنادًا إلى إنجيل يوحنا 19: 42، فإن صلب يسوع تم على الأرجح يوم الجمعة، وقد فصلّت الأناجيل أخبار وتفاصيل القبض على يسوع ومحاكمته وتعذيبه وصلبه ومن ثم موته ودفنه التي تستذكر في هذا اليوم. الأرجح أن الجمعة العظيمة كحدث تاريخي حدث في 3 أبريل 33 استنادًا إلى فصح اليهود - الذي صلب فيه يسوع حسب الإنجيل - من جهة، وحادثة إظلام السماء التي أشار إليها الإنجيل أيضًا من جهة ثانية ومجموعة أبحاث ودراسات متعددة أجريت في هذا الصدد. وتعتبر المناسبة يوم صوم إلزامي للمسيحيين، واللون التقليدي للإشارة إليها هو الأسود أو الأرجواني في التقليد السرياني والقبطي أو الأحمر في التقليد اللاتيني الروماني.
طقوس المناسبة
الصوم
تعتبر جمعة الآلام يوم صيام إلزامي في مختلف الطوائف والكنائس المسيحية، يتم الانقطاع فيها عن الطعام والشراب في الكنيسة الكاثوليكية من منتصف ليل الخميس وحتى ظهر يوم الجمعة أو حتى السادسة من مساء الجمعة كما في الكنيسة القبطية والبيزنطية، وتكون الوجبات اللاحقة نباتيّة وغير مطبوخة وغير محلاة.[1] في بعض البلدان ترتبط الجمعة العظيمة بمأكولات معينة، في سوريا ولبنان يعد طبق يدعى "الحر والمر" لمناسبة الجمعة العظيمة، وهو عبارة عن سلطة خضار يضاف إليها زيتون إضفاءً لنكهة من المرارة تيمنًا بالمسيح الذي ذاق المر على صليبه وفق رواية العهد الجديد، في مصر يتم الإفطار بتناول الفول فقط وبدون زيت مع رشفه من حامض الخل.
القراءات
كغيرها من الاحتفالات الليتورجية والطقوس المسيحية فإن رتبة الجمعة العظيمة حسب مختلف الليبتورجيات والثقافات في العالم المسيحي، تحوي عددًا من القراءات المبوبة في ثلاث حلقات، كتابات الأنبياء السابقة للمسيح أولاً، والمزامير ثانيًا، وأما ثالثًا فهناك قراءات العهد الجديد التي تحوي الإنجيل. القراءات لا تقام جميعها في الرتبة الأساسية يوم الجمعة،[11] وإن ارتبطت به عضويًا، حتى لو تليت في ليل الخميس، أي كمثال في الطقس البيزنطي تتلى "أناجيل الآلام" موزعة على اثني عشر قراءة بعد غروب شمس الخميس، والترتيب مختلف في طقوس أخرى.[12]
كتابات الأنبياء: من كتابات الأنبياء يكون النص الأول من أشعياء 53، والذي يشير إلى "القادم الذي سيأتي" وما يواجهه من آلام، واعتبره بعض اللاهوتيين "أصرح النصوص وأعمقها في شرح سر الفداء".[13] النص الثاني هو من دانيال 7، 9، والذي استشهد ببعضه المسيح خلال المحاكمة، يشير دانيال النبي إلى ابن الإنسان الذي "قرّب أمام الله فأعطي سلطًا ومجدًا وملكوتًا"، ويتابع في الفصل التاسع ليشير إلى "تكميل المعصية، وتتميم الخطايا، وكفارة الإثم، وختم الرؤيا والنبوة، ومسح قدوس القدوسين"؛ وبالتالي يرتبط عضويًا بالموضوع الأساسي للغفران والتوبة التي منحها الله بشكل نهائي بموت ابنه وقيامته، ومن ثم كمال اعتلانه للبشر بأنّ ختمت الرؤيا والنبوة، ومسح قدوس القدوسين أي المسيح، حسب النص.[14] النص الثالث من زكريا 11، 12، والذي يرتبط بيوم جمعة الآلام من حيث كونه نبؤة تتعلق بالخيانة والموت الذي يتعرض له "الممسوح الذي سيأتي"؛ في الجزء الثاني من النص الإشارة إلى أنهم "ينظرون إلى الذي طعنوه، وينوحون عليه كنائح على وحيد له، ويكونون في مرارة كم هو في مرارة على بكره"، ما يتفق مع الحوادث التي ذكرت لاحقًا في إنجيل يوحنا.[15]النص الرابع الذي تضيفه بعد الليتورجيات هو أشعياء 40، لإفادته التعزية: "طيبوا قلب أورشليم، ونادوها بأنّ جهادها قد اكتمل، وأن إثمها قد أعفي عنه".
المزامير: القراءات من سفر المزامير الأكثر ارتباطًا بيوم الجمعة العظيمة هي المزمور 3، ويقرأ في بعض الليتورجيات الشرقية، لارتباطه بالتوبة وطلب المعونة. أما المزمور 22، يعتبر من أشهر مزامير "المسيح المتألم"، وقد استعمال المسيح إحدى آياته: "إلهي إلهي، لماذا تركتني؟"، وهو على الصليب؛ وقد اعتبره بعض دراسي الكتاب المقدس بأنه "يقودنا إلى المكان المدعو جلجثة ويبسط حادثة موت المسيح بشكل واضح".[16] أخيرًا فإنّ المزمور 118، يقرأ في الإشارة إلى "الحجر الذي رفضه البناؤون، قد صار رأس الزاوية"، ويحوي عدة إشارات مسيّانية أخرى.[17]
العهد الجديد: نصوص العهد الجديد تقسم إلى الرسالة إلى أهل غلاطية 2، 3؛ وأيضًا الرسالة إلى العبرانيين 4: 14 - 5: 9، وفي النصّين يناقش القديس بولس قضية الفداء وكفارة الإثم. أما أناجيل الآلام هي متى 26، 27 ومرقس 14، 15 ولوقا 22، 23 وأخيرًا يوحنا 18، 19؛ في الطقس البيزنطي وكذلك الطقس الأرمني توزع النصوص على اثني عشر قراءة في خدمة خاصة معروفة باسم "أناجيل الآلام المقدسة" تتم مساء الجمعة العظيمة أي في ليل الخميس، أما يوم الجمعة فيقرأ النصّ مما بعد إنزال المسيح من على الصليب من إنجيل لوقا؛ في الطقس السرياني تقرأ النصوص في أربع قراءات ظهر الجمعة العظيمة؛ أما في الطقس الروماني فيقرأ عادة النص من إنجيل يوحنا، ومما بعد الإنزال من إنجيل لوقا في قرائتين.
القداس
خلافًا لجميع أيام السنة الأخرى، فإنّ القدّاس المحتفل به يوم الجمعة العظيمة هو قداس خاص يطلق عليه اسم "القدّاس السابق التقديس" أو "رتبة رسم الكأس"، بعض الليتورجيات مثل البيزنطية والقبطية لا تتلو قداسًا يوم الجمعة العظيمة.[18][19] يوم الجمعة العظيمة في الليتورجيات التي تتلو القدّاس كالرومانيّة والسريانيّة، لا تستخدم ألفاظ احتفالية مثل "السلام لجميعكم" أو "هللويا"، ولا يتم تقديس الخبز أو إنشاد نشيد التقديس، ولكون الجسد - أي الخبز ما بعد التقديس - مائتًا لا يتلى على الخبز أي نوع من كلام التركيس، بل يكون عنصرًا غائبًا، ويستعاض عنه برتبة بسيطة لتكريس الدم - أي الروح، المشار إليها بالخمر الممزوجة بالماء ما بعد التكريس - ومن ثم يتم التناول من الكأس فحسب. في الطقس الروماني والسرياني وكذلك البيظنطي والأرمني، إن كان قد زاد من قدّاس خميس الأسرار قطعًا من القربان المكرّس من اليوم السابق يتم تناولها وهو معنى "السابق التقديس"، أما في حال عدم وجود قربان مكرّس من اليوم السابق يكتفى بالمناولة من الأكس. بكل الأحوال، فإنه في إعقاب القدّاس المذكور يجب أن تفرغ الكنائس من القربان سواءً بشكل الخبز أو بشكل الخمر، وبالتالي ففي الكنائس الطقسية تكون ليلة الجمعة العظيمة هي الليلة الوحيدة ونهار سبت النور هو النهار الوحيد، الذي لا تحوي فيه هذه الكنائس قربانًا.
يفسّح القانون الكنسي في الحالات الخاصة، سامحًا بالتقديس في يوم الجمعة العظيمة كما في نهار سبت النور، على سبيل المثال حالة احتضار أحد أبناء الرعية، ويضع القانون الكنسي ضوابط خاصة تتعلق بعدم أن يكون التقديس جمهوريًا. وإن وقع نهار الجمعة العظيمة مع عيد آخر - في بعض السنوات تقع الجمعة العظيمة مع عيد البشارة على وجه الخصوص - فإن القانون الكنسي يجعل من الوصية السلبية أقوى من حيث الإلزام من الوصية الإيجابية، ولذلك ينقل التذكار بشكل مباشر إلى الأحد الأول بعد أحد القيامة أو لموعد آخر يحدد من قبل الأسقف أو السلطة الكنسية المختصة. هناك اختلافات تلاحظ في بنية الكنيسة نفسها يوم الجمعة العظيمة عن سائر الأيام، فمثلاً ينزع غطاء المذبح وتزال الأواني والزهور وتطفئ الشموع - ليس في كل الليتورجيات - والأنوار وسائر العلامات الاحتفالية، كما يترك بيت القربان فارغًا وغير مضاء؛ في بعض الليتورجيات الأخرى مثل الطقس البيزنطي تكفّن المائدة أي تغطى بكتّان أبيض، وفي الطقس القبطي تغطى الأيقونات بوشاح أسود.[20] بكل الأحوال، فإن ألوان المناسبة تختلف باختلاف الثقافات المتنوعة في العالم المسيحي، على سبيل المثال في الطقسين الروماني والبيزنطي اللون هو الأحمر القاني، أما في الطقسين السرياني والقبطي اللون هو الأسود.
صلوات الساعات
صلاة الساعات هي سبع صلوات في اليوم مشتقة من المزمور 119: 164 والذي يذكر أن إسرائيل قد سبّح سبع مرّات في اليوم إلهه؛ تدعى صلوات الساعات أيضًا بصلوات الفرض لأنها مفروضة على الرهبان دون سواهم، ومع ذلك، يمكن للمسيحيين الاشتراك فيها في الحالة الجمهورية.[21] يوم الجمعة العظيمة تكون صلوات الساعات متوزعة حول أحداث صلب المسيح وفق الترتيب التالي في الطقس القبطي، باكر، الثالثة، السادسة، التاسعة، الحادية عشر، الثانية عشر. تقابل مثلاً صلاة باكر إدانة المسيح في السنهدريم بالموت، أما صلاة الثالثة تختص بالمحاكمة أمام بيلاطس البنطي، وصلاة السادسة بطريق الآلام أما التاسعة فهي ساعة موت المسيح والثانية عشر هي دفنه.[1]
درب الصليب
في الكنيسة الكاثوليكية وعند انتصاف النهار عادة، يتم الاحتفال برتبة درب الصليب وهي استذكار لأربعة عشر مرحلة قضاها يسوع تبدأ من محاكمته وصولاً إلى دفنه، وتلحق في كل مرحلة تأملات وترانيم خاصة. رتبة درب الصليب تقام أيضًا في يوم الجمع خلال فترة الصوم إلزاميًا واختياريًا في أيام الجمعة خارج زمني الميلاد والقيامة.
العادات الاجتماعية
إن هناك سلسلة عادات اجتماعية تختلف بين البلدان في إحياء الجمعة العظيمة، في سوريا ولبنان ترتدي النساء ثياب سوداء علامة الحداد في حين تبثّ مكبرات الصوت ترانيم المناسبة مثل "اليوم علّق على خشبة" و"أنا الأمّ الحزينة"، في الفيليبين تغلق أغلب المحال التجارية وتتوقف المبادلات التجارية والحفلات في هذا اليوم، في حين يقوم البعض من الشبّان كما في دول أمريكا الجنوبية والدول الكاثوليكية تمثيلاً حيًا لدرب الآلام، في إسبانيا تُقام مسيرات الجمعة العظيمة في كافة أنحاء المملكة وأبرزها المسيرة التي تقام في مدينة إشبيلية. أما في القدس يتم الاحتفال بدرب الصليب بحسب مواقعه التقليدية في المدينة القديمة بدءًا من قلعة أنطونيا وحتى كنيسة القيامة.[22] وتعرض برامج تلفازية حول حياة والآلام يسوع في كافة دول العالم المسيحي فضلًا عن ترانيم تتعلق بالمناسبة. في الدول ذات الثقافة البروتستانتية يؤكل كعك خاص في المناسبة فضلًا يتم إغلاق المحال التجاريّة خاصًة محال بيع الكحول ويتم إيقاف كافة البرامج الكوميديَّة في الإذاعة والتلفاز.
وكجزء ملحق من الصوم الكبير و"الأزمنة المحرمة" فلا يحلّ للمسيحين لزواج أو العماد خلال يوم الجمعة العظيمة كما لا تجوز المظاهر الاحتفالية، سابقًا وفي لبنان تحديدًا كان من العادات الركوع لمدة ثلاث ساعات تذكارًا للساعات الثلاث التي نازع فيها المسيح على الصليب غير أن مثل هذه العادات لم تظل فاعلة اليوم. تترافق المناسبة أيضًا بأمسيات موسيقية لجوقات تؤدي ترانيم الحداد.
[email protected]