خلافًا لاعتقاد الأغلبية، فإن مرض إكزيما الجلد - (أتوبيك ديرماتيتيس) - هو مرض جلدي شائع جدًا قد يضّر بجودة حياة المريض. وقد وجدت أبحاث أجريت حول المرض علاقة بين مستويات شدّة المرض وتأثيره السلبي على إنتاجية العمل. يتطلّب المرض أخذ أيام عطل (مرضيّة) كثيرة، وفي حالات معيّنة قد تؤدّي لخسارة مكان العمل والاضطرار لتغييره. إذًا، كيف يمكننا أن نتحكّم بالمرض بصورة أفضل؟
يعتقد الكثيرون أن لمرض "أتوبيك ديرماتيتيس" - مرض الجلد الالتهابيّ الأكثر شيوعًا في البلاد - تأثيرًا فقط على حالة المريض الصحيّة، ولكن يتبيّن من أبحاث نشرت في هذا الموضوع أن مرض "أتوبيك ديرماتيتيس" من شأنه أن يؤثّر على الجانب المهني أيضًا في حياة المريض - في مكان العمل وفي مستوى الإنتاجية، على حدّ سواء.
"أتوبيك ديرماتيتيس" هو مرض التهابيّ مزمن يظهر على شكل طفح جلدي، حكّة وجفاف عام بالجسم. هذا المرض هو أحد الأمراض الأكثر شيوعًا لدى الأولاد، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 20% من جميع الأولاد والأطفال في العالم يعانون من هذا المرض. على الأغلب، تتحسّن حالة المريض أو يُشفى المريض من المرض مع تقدّم العمر، ولكن ليس في جميع الحالات. بالإضافة، بإمكان مرض "أتوبيك درماتيتيس" أن يظهر عند شريحة الناس البالغين، وبحسب التقديرات، بين 3-10% تقريبًا من البالغين يعانون من المرض- بدرجات شدّة مختلفة.
مرض "أتوبيك ديرماتيتيس" ناجم عن الدمج ما بين عدم اتّزان الجهاز المناعي والخلل في "الحاجز" الجلدي. عدم اتّزان جهاز المناعة يظهر إلى جانب ارتفاع في مؤشّرات الالتهاب من نوع 2. ولذلك، الأشخاص الذين يعانون من "أتوبيك درماتيتيس" معرّضون أيضًا للإصابة بأمراض أخرى مثل الحساسية للغذاء، الرشح المزمن، الربو ("الأستما") وغيرها من الأمراض التي لها علاقة بالإلتهاب من نوع 2. هذه الأمراض "تجرّ" بعضها البعض، وتسمّى هذه الظاهرة في عالم الطب "العملية الأتوبية".
يبدأ علاج مرض إكزيما الجلد (أتوبيك ديرماتيتيس) بالامتناع عن تعريض الجلد لبعض المهيّجات (مثل: مواد التنظيف، الكيماويات وغيرها) وكذلك بترطيب الجلد لمنع جفافه. في حالات أشدّ خطورة عادةً ما تتم المعالجة عن طريق الستيرويدات الموضعيّة، و"الفوتوترابيا" (تعرّض تدريجي لأشعة NB-UVB)، وتناول أدوية لتثبيط الجهاز المناعي وعلاجات متقدّمة أخرى تشمل أدوية تحتوي على جسم مضاد يرتبط بالبروتين الذي يضبط جزءًا من نشاط مرض "أتوبيك ديرماتيتيس"، وأدوية غير بيولوجية تعمل على منع انتقال الإشارات التي تحفّز الإلتهاب داخل الخلايا.
في الكثير من الحالات، عندما يزورني في العيادة أهالي أطفال مع "أتوبيك ديرماتيتيس"، أشرح لهم أن ما يرونه على جلد أبنائهم، هو انعكاس جزئي للحالة النفسية للمتعالج وللضرر بجودة حياته. فالولد يعاني، يشعر بالحكّة طوال الوقت، يكون غير هادئ وحتى أنه قد يطوّر حالة اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD). وحتى عند البالغين، فإن المرض قد يكون مصحوبًا بظواهر نفسية مثل الإكتئاب والهلع. ولذلك، فإن العلاج المبكر والناجع للمدى البعيد له أهمية كبيرة للصحة الجسدية والنفسية للمتعالج.
الإنتاجية في العمل وعلاقتها بالمرض
يستدلّ من الأبحاث وجود علاقة بين مرض "أتوبيك ديرماتيتيس" بمستويات حدّة مرتفعة وبين الضرر بإنتاجية العمل عند البالغين. وتجري التقديرات بناءً على استبيانات هدفها فحص عدد المرّات التي بها يتغيّب المتعالج عن العمل بسبب مرضه، وعدد الساعات التي يتواجد بها في مكان العمل، ولكن إنتاجيته في العمل متضرّرة. وبحسب الإستنتاجات، وجد أن من بين جميع الأمراض الجلدية - يعتبر مرض "أتوبيك ديرماتيتيس" العامل المركزي للمسّ بقدرة المتعالج على العمل. علمًا أن المرض يتطلب الخروج لإجازات مرضية، وفي حالات معيّنة تسبّب خسارة مكان العمل. الضرر الناتج عن مرض "أتوبيك ديرماتيتيس" في مجال جودة الحياة والقدرة على العمل وبالتالي كسب الرّزق هو كبير. ويعاني مرضى "أتوبيك ديرماتيتيس" الحاد من القلق والانزعاج، وبحالات كثيرة من مشاكل النوم التي تؤثر على أدائهم بالعمل.
عدا عن الضرر العام الذي يسبّبه المرض للمريض في مكان العمل، قد يؤثّر المرض أيضًا على اختيار مكان العمل. فمثلًا، من الممكن أن يمتنع الأشخاص الذين يعانون من "أتوبيك ديرماتيتيس" عن العمل في مواضيع الصحّة أو التجميل، والتي بها عليهم أن يرتدوا كفوف "اللاتكس"، أو العمل مع مواد من الممكن أن تهيّج لديهم المرض، أو غسل اليدين بكثرة خلال العمل، لأن من شأن ذلك التسبّب في تفاقم الالتهاب الجلدي. بالإضافة، يحبّذ الكثير من المتعالجين إيجاد وظيفة لا تطلب التعرّض لأحوال الطقس المتطرفة، والتي قد تؤدي إلى تفاقم الإلتهاب.
اليوم، وبفضل تطوّر العلاجات المتقدّمة، ومن بينها العلاجات البيولوجية، بالإمكان السيطرة على المرض بطريقة أفضل. العلاجات المتقدّمة تحسّن من القدرة على العمل بشكل كبير عند البالغين، وقدرة الأولاد على القيام بواجباتهم في المدرسة. إن الضرر الذي يلحق بجودة حياة المريض يقلّ بفضل العلاجات الجديدة. وفي الحقيقة، يقول المرضى إن الحكّة قد خفّت وساعات نومهم أصبحت أفضل، وقدرتهم على التركيز تتحسّن. كذلك الأولاد الذين يعانون من المرض أصبح تركيزهم أعلى في المدرسة، والبالغون المصابون به أصبحوا أكثر تركيزًا وفاعلية في ساعات العمل، ويحتاجون إلى إجازات مرضية أقلّ.
للأسف، ألتقي بالكثير من المتعالجين الذين يعانون من مرض "أتوبيك ديرماتيتيس" بدرجات حدّة متوسطة وحتى شديدة جدًا، ويكون مزاجهم سيئًا جدًا. أرغب في تشجيعهم وبعث الأمل في قلوبهم، فلدينا اليوم علاجات ممتازة تعطي ردًّا فعّالًا وآمنًا، وهي مثبتة بالأبحاث المراقبة وبعيدة المدى. لا شك أنه في المستقبل القريب، سيتحسّن وضع المرضى الصحّي أكثر، لأن علاج أمراض الجلد المزمنة بشكل عام، ومرض "أتوبيك ديرماتيتيس" بشكل خاص، يتطوّر مع الوقت، وحتى إن عدد الإمكانيات العلاجية المتوفّرة سوف يزداد في المستقبل القريب.
لمعلومات إضافية أو أسئلة يرجى التوجّه للطبيب/ة المعالج/ة.
الكاتبة هي مديرة خدمات الجلد ومركز التميّز في علاج أمراض الجلد الالتهابية في مستشفى "شعاري تسيدك".
[email protected]