مواد التحقيق تكشف: لم يتم التحقيق مع المشتبهين سوى مرة واحدة رغم التناقضات في شهاداتهم؛ محام واحد مثل جميع المشتبهين ولم تعترض الشرطة على إمكانية تنسيق الروايات؛ رفض المختبر فحص المقذوفات والأعيرة النارية في جسد الشهيد موسى حسونة؛ توصيات من مختلف الجهات في الشرطة بإغلاق الملف؛ وزير الأمن الداخلي ضغط بكل سلطته لإغلاق الملف؛ لم تؤخذ شهاجات الشهود بعين الاعتبار؛ أحد المشتبهين تحول لشاهد لصالح المشتبهين الآخرين رغم التناقضات في شهادته.
قدم مركز عدالة استئنافًا باسم عائلة الشهيد موسى حسونة ضد إغلاق ملف التحقيق بمقتل نجلها. يكشف الالتماس الذي قدم بناء على مواد التحقيق التي حصل عليها مركز عدالة أن هناك أدلة أكثر من كافية لتقديم المجرمين للمحاكمة وحتى إدانتهم بالقتل العمد، وكيف تم إغلاق الملفات بضغط سياسي وتدخل جهات في الشرطة وتقاعس بعض موظفي جهاز إنفاذ القانون عن أداء عملهم عمدًا لإغلاق الملف.
واستشهد موسى حسونة في اللد يوم 10/05/2021 خلال هبة الكرامة بعيارات نارية أطلقها مستوطنون مسلحون من مسافة قريبة نحو مجموعة من الشباب العرب لم تشكل أي خطر على حياتهم، ومنهم الشهيد موسى الذي تلقى رصاصة في القلب واستشهد على الفور, واخرين أصيب كل منهما بعيارين ناريين.
تم اغلاق الملف في 21/10/2021 وإبلاغ العائلة بإغلاق الملف ضد أربعة من المشتبهين بحجة عدم وجود أي ذنب، واغلاق الملف ضد المشتبه الخامس بحجة عدم توفر الأدلة الكافية لتثبيت تهمة إطلاق النار الذي تسبب بمقتل موسى حسونة. كما ورد من النيابة ان المشتبهين ادعو الدفاع عن النفس، وتم قبول ادعاءاتهم وعلى اثرها اغلاق الملفات.
يُظهر الاستئناف الذي قُدم بواسطة المحامية ناريمان شحادة زعبي إجراء تحقيق سطحي وغير مهني ويفتقر للحد الأدنى من الجدية بالوصول إلى الحقيقة، ووجود إخفاقات وثغرات عديدة في سير التحقيق وعدم استكمال التحقيقات حتى نهايتها، بداية بعدم تجميع المقاطع المصورة من مكان الجريمة وإطلاق سراح المشتبهين قبل الحصول على رأي المختص بشأن الرصاص الذي وجد في جثمان الشهيد موسى حسونة ومصابين آخرين، وتكشف مواد التحقيق أن المختص لم يقم بعمله مبررًا ذلك بأن الملف دفاع عن النفس ولا حاجة لفحص المقذوفات، وصولا إلى عدم إجراء مواجهة بين المشتبهين لتثبيت رواياتهم رغم اختلافها، كما لم يتم التحقيق معهم سوى مرة واحدة فقط رغم وجود تفاصيل تثير الكثير من الأسئلة والشكوك مثل كيف اتخذوا قرار إطلاق النار وكم كان الشبان العرب يبعدون عنهم ومن الذي أعطى تعليمات إطلاق النار، و لم يتم أيضا استدعاء أي من الشبان العرب الذين تواجدوا في مسرح الجريمة للإدلاء بإفاداتهم أو استدعاء أي شهود عيان آخرين كالذين استرقوا النظر من نوافذ بيوتهم.
لقراءة الاستئناف باللغة العبرية
اخفاق آخر بارز في مجرى التحقيق، أنه لم يتم إجراء أي مواجهة بين المشتبهين الذين تلقوا استشارة من محام واحد ويمكن أن يكون هناك احتمالية تنسيق رواية موحدة، ووجب التنويه في هذه الجزئية على الازدواجية التي تمارسها الشرطة الإسرائيلية بين المشتبهين اليهود والمشتبهين العرب الذين لم يُسمح لهم بتلقي استشارة من ذات المحامي حين اعتقالهم خلال هبة الكرامة أيار المنصرم. وكذلك تم استدعاء مشتبه للإدلاء بإفادته بعد أكثر من 25 يومًا على الجريمة، ولم تتعامل معه الشرطة كمشتبه رغم اعترافه بالمشاركة في حمل السلاح وإطلاق النار، ورغم التناقض الواضح في إفادته، سرحته الشرطة ولم تحاول معرفة الحقيقة.
تفند مواد التحقيق التي حصل عليها مركز عدالة، وتحديدًا إفادات المشتبهين الخمسة المكتوبة، بشكل كلي ذريعة الدفاع عن النفس، التي أغلق الملف على غرارها. حيث تواجد المستوطنين في ساحة الحادثة بعد دعوات تمت عبر مجموعات واتس اب، بهدف إقامة مسيرة أعلام إسرائيلية احتفالا بيوم القدس، واتفقوا فيما بينهم لرفع أعلام إسرائيل بهدف استفزاز العرب بمحاذاة دوار الزهور (كيكار هبراحيم)، وهو منطقة احتكاك تفصل بين السكان العرب والمستوطنين الذين كان قسم منهم مسلحين، مترقبين إمكانية الاحتكاك مع المواطنين العرب.
وهناك عدة أدلة من مواد التحقيق تؤكد تأليف رواية الدفاع عن النفس التي لا أساس لها من الصحة ومحاولة جعلها منطقية ومقبولة، وأبرزها ما يلي، عندما سأل المحقق شاهد عيان إذا كان المشتبهين تحت الخطر أثناء إطلاق النار قال: "كان هناك أشخاص آخرين لم يهربوا ولم يتحركوا". ويستدل ذات الأمر من أقوال المشتبه (2) حيث قال في إفادته "دار بيننا نقاش سريع لا أتذكر التفاصيل وبمرحلة ما قررنا إطلاق النار صوب المتجمهرين، شخص منا حذرنا ألا نطلق النار على بعضنا البعض وباشرنا بإطلاق النار معًا". وهذا يثبت أنهم جاؤوا للمواجهة والاحتكاك وأذية العرب وليس للدفاع عن نفسهم.
وتأكيدًا على كذبة ذريعة الدفاع عن النفس، قال المشتبه (3) والذي يظهر من مواد التحقيق بعد فحص جواله، أنه تلقى رسالة في ذات المجموعة التي دعت للاعتداء على العرب في تمام الساعة 00:38 "كل من بحوزته سلاح، كل من بحوزته سلاح انزلوا، العرب يشاغبون هنا!". أي أنه كان آمنًا في بيته ونزل خصيصًا بعد تلقيه الرسالة ولم يطلق النار بهدف الدفاع عن النفس كما ادعى أفراد الشرطة.
وأدلة إضافية تشير على تلفيق رواية الدفاع عن النفس ما كُتب في إفادات المشتبه (4) والمشتبه (5)، حيث قال المشتبه (4) في إفادته: "قمت بإطلاق الرصاص بهدف ردعهم وأطلقت رصاصة واحدة ولا أذكر متى أطلقت الرصاصة الثانية". لم يقل أنه أطلق الرصاص دفاعًا عن النفس ورغم ذلك تم اغلاق ملف التحقيق معه وإطلاق سراحه، وعند سؤال المشتبه (5) قال في إفادته ما يلي: "أحدهم.. وانا لا أعلم من.. أطلق الرصاص بهدف التحذير" وأضاف: "إن العرب أتوا لحرق السيارة.. " ولم يذكر أنهم شكلوا خطر على حياتهم.
يظهر عدم جدية الشرطة بالحصول على الحقيقة من خلال إخفاقات وخروقات أخرى وعدم استكمال الشروط الأدنى لأي تحقيق شُرطي، ومن ضمنها شهادة شاهد عيان أدلى بها للشرطة في الشارع بيوم الحادثة في تمام الساعة 3:00 وصف فيها المشتبه رقم (1) ، وقال أنه رآه يطلق النار صوب الشباب العرب حيث وقف في منطقة أعلى من منطقة إطلاق النار، وقال إن إطلاق النار لم يتوقف للحظة، وأدانه بشكل مباشر لا يقبل التأويل .كما قام ذات شاهدالعيان بوصف مشتبهين اثنين ولكن الشرطة اكتفت بشهادته الأولية فقط ولم تحاول التعرف على المشتبهين الآخرين فيما بعد أو استدعاءه لتحديد هويتهم والتعرف عليهم في عرض المشتبهين. إضافة إلى إشارة المشتبه (3) في إفادته إلى أن المشتبه (1) أطلق النار مع مشتبه آخر لا يعرفه صوب الناس ولم يحاول المحققين حتى التعرف على هوية الآخر".
تكمن سطحية التحقيق في تفاصيل كثيرة درسها مركز عدلة ضمن مواد التحقيق التي بحوزتنا منها ما ذكر أعلاه، إضافة إلى عدم تجميع الصور والمقاطع المصورة من جوال شاهد عيان، والتي وثقها خلال إطلاق النار كمواد للملف. وتم إطلاق سراح المشتبه (1) قبل الحصول على نتائج مختبر المقذوفات بالرغم من العثور على 8 رصاصات أطلقت من مسدسه في مسرح الجريمة وبعد أن تبين أنه أطلق 10 رصاصات من سلاحه في ذات الليلة. ومن خلال المواد تبين أنه لم يتم الاطلاع على سجل مكالمات ورسائل جوال المشتبه (2)، التي ربما حذفت عمدًا لعرقلة سير التحقيقات.
ومن ضمن مواد التحقيق التي تم الحصول عليها، شريط مصور لمحادثة بين محققين وهي محادثة شخصية دون وجود مشتبهين وجدت من ضمن مواد التحقيق، وتدل على التدخل السياسي بمجرى التحقيق، حيث يُسمع في التسجيل ما يلي:
-المحققة: مدير المختبر لفحص المقذوفات يقول لي بأن هذا التشخيص يكلف الكثير من المال وهو حاليًا في أسفل سلم الأولويات ولا ينوي التقدم في عملية فحصه. وتقول كذلك أن مختبر فحص المقذوفات نصحها بإطلاق سراح المشتبهين والاكتفاء بشهاداتهم، وأنه لن يقوم بفحص العيارات النارية إلا في حال تقديم لائحة اتهام.
والوزير المذكور هنا هو وزير الأمن الداخلي في حينه، أمير أوحانا، الذي غرد على حسابه في تويتر بعد يوم من الجريمة: "اعتقال مطلق النار في اللد ورفاقه الذين دافعوا عن أنفسهم أمر مستهجن، حتى في حال عدم معرفة الجمهور بكل التفاصيل، يجب اعتبار المواطنين الذين يحملون السلاح تعزيزًا هامًا للسلطات في تحييد كل تهديد أو خطر وشيك. الاعتقال أو إطلاق السراح ليست ضمن صلاحيات وزير الأمن الداخلي، لكن لو كانت كذلك لأطلق سراحهم، من الجيد أن تتصرف الشرطة بالمثل. وهذا يثبت التدخل السياسي وتشكيل ضغوطات تصب بهدف إغلاق الملف، وهو أمر خطير جدًا ويضفي شرعية وضوء اخضر للمدنيين بقتل العرب دون حسيب أو رقيب، وهذا ما لمسناه أيضا من ضمن مواد التحقيق وتحديدا من أقوال المشتبه (1) عندما سأله المحقق عن إذا كانت طريقة أخرى للتعامل مع الحدث قال: "لا، ومن ناحيتي الدولة منحتني هذا السلاح المرخص لمثل هذه المواقف بالضبط".
بناء على جميع التفاصيل المذكورة بسيرورة التحقيق وإخفاقاته، طالب مركز عدالة في الاستئناف بإعادة فتح التحقيق في ملف مقتل الشهيد موسى حسونة وإصابة آخرين، واستكمال التحقيق كما يجب يشمل تلقي إفادات من شهود عيان تواجدوا في مسرح الجريمة. بالإضافة إلى محاسبة المتطرفين الذين دعوا المسلحين للنزول إلى الشارع ومحاسبة ممثلي جمهور تواجدوا في مسرح الجريمة ولم يمنعوا إطلاق النار، كالمدير العام لبلدية اللد آهرون أتياس ونائب رئيس البلدية يوسف حاييم، الذين بشهادة الشهود لم يصدروا أي أمر ضد إطلاق النار على العرب العزل أو حاولوا منع مثل هذه الجريمة، على العكس وقفوا متفرجين وحتى ناقشوا الموضوع مع مطلقي النار قبيل بدئهم إطلاق النار على المدنيين العزل.
وقالت المحامية ناريمان شحادة زعبي من مركز عدالة إن* "إغلاق ملف التحقيق رغم كل الأدلة التي تدين المشتبهين ووسط التدخل السياسي يشير إإلى منح الشرعية والضوء الأخضر "للمدنيين الإسرائيليين" وعسكرتهم لقتل العرب دون أي محاسبة كما هو الحال عند مقتل أي عربي على يد الشرطة ويتم مباشرة إغلاق الملف دون أي محاسبة. ولا يزال الظلم واقعًا على الشهيد وعائلته، والعدل الوحيد المقبول هو تقديم كل الشركاء في الجريمة للمحاكمة ومحاسبتهم على ما اقترفت أيديهم وأفواههم، سواء من ارتكب الجريمة بشكل مباشر من أفراد الشرطة، ومن حرضه وأعطاه الأوامر ومن عرقل سير التحقيق وأخفى الأدلة ووزير الأمن الداخلي في حينه الذي صرح في تغريدة عبر حسابه في منصة تويتر انه سيطلق سراح جميع الموقوفين المشتبهين بقتل الشهيد لو تعلق الأمر فيه".
وتابعت: "رأينا كيف أن التساهل والتقاعس من قبل وحدة التحقيق مع رجال الشرطة في الجرائم التي انتهت بمقتل عربي أدى إلى تنامي هذه الظاهرة بشكل كبير، وباتت يد أي شرطي خفيفة على الزناد ويسهل عليه إطلاق الرصاص بهدف القتل لأنه يدرك تمامًا أن أحدًا لن يحاسبه على ما اقترفت يداه، وفي حال تم اعتماد هذه السياسة مع المجرمين من المستوطنين والمتطرفين والعنصريين اليهود، سنرى عددًا كبيرًا من جرائم القتل على خلفية عنصرية لن تغلب الشرطة والمستوى السياسي في تلفيق تبرير لها كالدفاع عن النفس وغيره".
[email protected]