في حديث خاص وحصري لموقع الحمرا مع الأستاذ منيب سبيت صاحب كتاب "قضية اقرث وكفر برعم في منظور التحليل النفسي".
في البداية نوّه الكاتب منيب سبيت، بأن إصدار هذا الكتاب القيم وخروجه للعلن، خصوصًا ليلة الرابع والعشرين ليلة الميلاد- لم يكن محض الصدفة بل لكونها ليلة تهجير ودمار قريته إقرث عام 1948.
من موقع الحمرا والمدير إيهاب حنا والصحفي فايز أبو زهيا اليكم هذا اللقاء.
مع رواية قديمة عمرُها ثلاثة وسبعون عام... لكاتبٍ قضى أعوام طويلة في كتابة عمله. كتابٌ يروى معاناة وضيق الجوع والعطش للحنين. مع الكاتب الذي يتحدث عن القرب والبعد اللذين لا يقاسا بالأمتار وعن حلم العودة وعن الغربة في الوطن. مع الكاتب الذي كتب عمله باللغة العبرية والتي رفض والده تعلمها أو التحدث بها كونها لغة الدخيل والمحتل الذي اقتلعه وهجره من بيته وموطنه.
- العنوان قد يخيف بعض الشيء، تحليل نفسي / نضال/ قضية.. ماذا لك ان تخبرنا في ذلك؟
يروي الكتاب ببساطة تجربتي الشخصية والتحليلية. انه لا يتحدث عن قضية اقرث وكفر برعم فحسب بل عن كل القضايا ذات الطابع المشابه. ان الكتاب بنظري يمت بصلة لكل شخص ولم يُكتب بهدف اخافة الناس بل ليوضح البعد والمعنى النفسي لعملية التهجير.
- بحديثك عن القرى المهجرة.. ومنها عيلبون شاهدة عن الألم والجرح النازف فماذا تستطيع ان تربط بين اقرث وعيلبون؟ مع العلم ان عيلبون قد عادت وبسلام..
للتهجير أثر مختلف على كل مهجر كما لكل شخص تجربته الخاصة. قضية اقرث هي قضية مصغرة عن قضية الشعب الفلسطيني. أشيد بابناء بلدتي خاصةً وبالمهجّرين عامةً قراءة العمل كما ومن المهم بنظري ان يكتبوا هم بدورهم تجربتهم الخاصة لكي نتعلم ونستفيد منها.
- هل سيواصل الجيل الجديد مع مرور السنوات من سلالة المهجرين برأيك الارتباط ببلدته؟
ان اقرث تنتقل بالوراثة وبشكل لاواعٍ عبر الاجيال. وكما كان يقول والدي إذا اقتربت من بطن امرأة حامل من اقرث لسمعت جنينها يصرخ عاليا " أنا من اقرث ". ليس للزمن أي تأثير بنظري على هذا الموضوع فدفن الآباء والأجداد في أرض اقرث يوطد علاقة الابناء والأحفاد ببلدتهم.
- عن اية غربة تتحدث ما بين القريتين اللتين هُجّرتا عام 1948 عيلبون واقرث هناك قوى تتحدث عن العودة الفعلية الحقيقية وعن الحلم بلا منازع التي لا زال يرزح أبناؤها تحت الظلام؟
أقصد غربة الانسان الشخصية، وكما يقول ابو حيان " ان اغرب الغرباء هو الغريب في وطنه" ففي نهاية المطاف كلنا غرباء عن أنفسنا. فمثلا عندما نسمع تسجيل صوتنا عبر الهاتف نشعر بأن هذا الصوت ليس بصوتنا وبأنه غريب عنا وهذه هي الغرابة المقلقة التي اقصدها ودعاها فرويد بالـ "انهايمليش". ان هذا الشعور لا يقتصر على المهجر او على اللاجىء فحسب بل يشعر به الاشخاص جميعًا.
- ما هو سبب الطباعة باللغتين – ما بين العربية والعبرية، ماذا تقول في ذلك؟
كتب النص باللغة العبرية وقمت بترجمته بنفسي لللغة العربية. خلافًا لما هو سائد بين العرب واليهود فالنصان يتعايشان بتٱخي وسلام في هذا الكتاب. ان النص العبري يعطي القاريء فرصة للتعرف على معاناة أبناء شعبي فيا حبذا لو تتعلم الشعوب من النصوص.
- ما هي رسالتك من خلال عملك للمجتمع اليهودي؟
أمّا بخصوص رسالتي للشعب اليهودي فاقول، ان هذا الكتاب يفسح المجال امامه للتعرف على معاناة أبناء شعبي آملاً أن يحدث حوار ونقاش في اعقابه.
- في هذا اليوم بالذات 24/12/1948 ليلة دمار وتهجير قرية اقرث هل هو صدفة ام تذكير باصدارك لكتاب قضيتك؟
ان تزامن اصدار العمل مع فترة عيد الميلاد لم يكن محض صدفة، لقد تعمدت نشر عملي مع حلول عيد الميلاد. هذه هي كلمتي ورسالتي على دمار بلدتي وبيت اهلي.
- كم من الممكن كتاب كهذا ان يُهم المؤسسات التعليمية العليا كالجامعات؟
سؤال مهم، ان خطاب التحليل النفسي غريب عن الجامعات وعن المجتمع العربي لأن النفس فيه مغيّبة. كلي أمل ان تهتم الجامعات وأن يهتم الطلاب بعملي. فطلاب الجامعات هم من يقرأ. ولكن دعنا ندع هذا الأمر للزمن ليقول كلمته في هذا الخصوص.
- عندما تتحدث عن الحلم " حلم العودة" الذي يراود كل لاجئ – فما بين القرية الاقرثية والبرعمية فما المشترك وحين نتحدث عن مفتاح العوده فلصفحات الكتاب وكأنها تنقلب رأسًا الى عقب..
لقد ارتبط هذان الدالان، الحلم والعودة معًا. أهالي اقرث وبرعم لم يكفوا يومًا عن الحلم بالعودة ومن خلال الحلم يستطيعون تحقيق رغباتهم اللاواعية. ان الحلم يعالج امنياتهم ورغباتهم كونها لا تتحقق في حياة اليقظة.
حين أتحدث عن المفاتيح وعن قطف الثمار من أرض اقرث واكلها فاني اقصد تماهي المهجر مع الموضوع المفقود الذي لا يضاهيه شيء وعبثا يسعى للحصول عليه لأن لا شيء يوازيه بنظره. أمّنا الارض هي جنة عدن المفقودة، والتي نحلم بالعودة اليها والى حضنها. في نهاية المطاف يرجع الانسان إليها ولا يبقى منه سوى اسمه الذي يُكتب على قبره. فكما جاء في انجيل يوحنا :" في البدء كان الكلمة"، في الختام أيضًا تبقى الكلمة أي يبقى اسم الشخص الذي يُخط على قبره.
- لقد شبهت المهجر بالشاعر الجاهلي وبسمك السلمون وبأوديسوس هل لك أن توضح لنا الأمر؟
ان ابن اقرث وبرعم ككل مهجر يزور اطلال قريته كما زار شاعرنا الجاهلي اطلال مكان لقائه مع محبوبته، فالارض هي حبيبته ومعشوقته كما وينهج نهج سمك السلمون الذي يصر على العودة لمسقط رأسه بالرغم من الصعوبات التي قد تعترض طريقه وتهدد وجوده. أما بخصوص أوديسوس، فقد وقفت قرية اقرث أمام اعين ابن اقرث كما وقفت اتيكا امام اوديسوس من دون التمكن من العودة اليها فكلاهما واجها صعاب جمة ولم يكفا يومًا عن الحلم بالعودة. بكلمات أخرى، هنالك رغبة لاواعية تدفع المهجر للعودة لمسقط رأسه ولكن من دون بلوغ غايته وهدفه.
- ما بين نزار قباني شاعر المرأة وسميح القاسم شاعر الأرض.. ايه مدلولات كتابية للمرأة ما بين "العرض والأرض" واقصد الفصل الأخير من كتابك؟
ان كليهما، شاعر الأرض وشاعر المرأة يعالجان قضايا متعلقة بالحياة الحبية. فاذا بدّلنا ما بين هذين الدالين، الأرض واالمحبوبة، في شعر كل واحد منهما فلا يفقد الشعر معناه ولا تخرج الأمور عن سياقها. وهذا المثال من مجال الشعر يثبت لنا أنه في نهاية المطاف ليس هناك فرق ما بين المرأة والأرض.
- كم للوالد الشاعر "عوني سبيت" أثر على تأليف هذا الكتاب؟
من الممكن القول بأن هذا الكتاب، من أوله لآخره، هو عبارة عن حوار مع والدي. في حين اتخذ ابي منحى الخطاب السياسي اتخذت بدوري منحى التحليل النفسي لأنني رأيته اكثر وضوحا وتعمقًا واقناعًا.
- ما دمنا تحدثنا عن الحوار الابوي؛ إزاء كل هذا الحوار، عن أي تناغم كتابي أراد سبيت ان يوصله من خلال كتابتك، حوارك ما بينك وبين الاب ورفضه للغة الدخيل كما اسميتها؟
بالنسبة لكتابة النص باللغة العبرية والتي رفض والدي تعلمها او التحدث بها كونها لغة الدخيل والمحتل الذي اقتلعه وهجره من بيته ومسقط رأسه فمنذ سنوات طوال وأنا اكتب باللغة العبرية واشعر براحة في تعاملي مع مفرداتها. خلافًا لوالدي لم أرَ أنها لغة العدو، فبنظري ليس للانسان من عدو سوى نفسه. من المهم أن يتعرف أبناء الشعب اليهودي على تجربتي وعلى معاناة اهل بلدتي وشعبي، ولكني وبالمقابل فقد رفضت تبني دور الضحية لأن تجربتي منعتني من خوض مثل هذا المسار المؤلم.
- هلا حدثتنا من فضلك عن ليلة الميلاد، ليلة دمار بلدتك اقرث، واثرها عليك كطفل؟
كما ذكرت في فصل دمار القرية وبقاء الكنيسة والمقبرة، لقد مُنعنا في بيتنا من نصب شجرة العيد بسبب دمار القرية في ليلة عيد الميلاد حيث رأى والدي بأن هذا اليوم هو يوم نكبة. فتلاعبت كلمات والدي بجسدي ومرضت كلما اقترب العيد ولكن ولكي أخرج نفسي من هذا المأزق طلبت من والدتي بعض النقود لشراء شجرة الميلاد وتنزينها كسائر الأطفال فأعطتني امي ما طلبت حالاً وذلك لأنها رفضت ان تكون شريكة لعملية المنع والحداد الذي دام طويلًا. فمنذ ذلك الحدث أخذ العيد طابعًا مغايرًا بنظري وبنظر أبناء أسرتي.
- لماذا بحسب رأيك نحاول تهميش صورة المرأة ونُغيبها، الم يكن لها دور في القضيه؟
لقد طرحت هذا السؤال في العمل وذلك بالنسبة لدور المرأة في زمن التهجير. إذا حاولنا بحث هذا الموضوع سيتضح لنا بأن المرأة غائبة ومهمشة تمامًا كما تظهر صورتها في الدراما السورية باب الحارة والتي تابعها غالبية العالم العربي بشغف وخاصة النساء منه على الرغم من انحطاط مكانتها على جميع الأصعدة، فمكانة المرأة لم تتغير كثيرًا بنظري خلافا لما قد نعتقد للوهلة الاولى.
- ما تقول في النهاية عن بيت الانسان ؟
ليست البيوت والجدران هي بيت الانسان الحقيقي بل لغته. حين نتوصل لهذه النتيجة المستخلصة لن يتمكن أيا كان بعد اليوم من اقتلاعنا او تهجيرنا منها.
وفي الختام لا يسعني الا أن اشكرك أخ فايز على هذا اللقاء الشيق كما وأشكر الأخ ايهاب حنا مدير موقع الحمرا املاً ان يستفيد المهجرون وذرياتهم وجميع القرّاء من عملي.
[email protected]