ربما لا يعرف البعض الكثير عن هذه المرأة الحيزبون، وإن كانت شابة، رغم أنها ليست جديدة على السياسة الإسرائيلية، فقد تسلمت على صغر سنها ملفاتٍ كبيرةً، وقامت بمهامٍ عديدةٍ، وأشرفت على سياساتٍ خطيرةٍ، وأصدرت قراراتٍ مؤثرةً، ولعبت في السياسة الإسرائيلية كثيراً، إذ عينت متطرفين أمثالها في مناصب رفيعة، ورشحت متشددين يشبهونها لمهام حساسة، وأقصت من رأت فيهم اعتدالاً ووسطيةً، وأوشت بمن ظنت بهم منافسين عنيدين، واقتربت من المؤثرين الفاعلين، وصادقت أصحاب القرار من السياسيين والأمنيين، واستغلت أنوثتها في التأثير على مسؤولين إسرائيليين كبارٍ، وعلى شخصياتٍ عامةٍ مؤثرةٍ، وهو الأمر الذي قدمها وميزها، وأظهر دورها وميز حضورها، وأهلها للترشح لمهام أخطر ومناصب أكبر.
إنها تسيفي حوتوبيلي، ابنة حزب الليكود الصهيوني المتطرف، وواحدة من أقرب المساعدين لرئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نتنياهو، التي تحظى بثقته ورعايته، وتتمتع بدعمه ومساعدته، فقد كانت مساعدةً له بصفة وزيرة خارجية بالوكالة، تمثله وتنوب عنه، وتتصرف باسمه وتصدر التعليمات بموافقته، وتجهز القرارات الخطيرة له ليصدرها، وتزين المتطرف منها ليتبناها ويوافق عليها، وكانت من قبل نائبةً في الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود، تتحدث باسمه وتنوب عنه، وتعبر عن مواقفه وتدعو الحكومة للوفاء للناخبين الذين صوتوا لهم ولها بوعودها، وألا تنكفئ عنهم أو تحبط أمالهم وتتخلى عن وعودها لهم.
إنها أشهر الحاقدين، وأشد المتطرفين الإسرائيليين، وأكثرهم سوءاً، وأسودهم قلباً، وأكثرهم عنصرية وفاشية، وأوضحهم سادية، وأشرسهم عدوانية، وهي من أكثرهم جرأةً على الظلم وإقداماً على البغي، ومن أعجلهم قراراً وأسرعهم انفعالاً، ومن أكثرهم تحريضاً وإثارةً، فهي تستعجل "أرض إسرائيل" النقية، الخالصة لليهود وحدهم دون غيرهم، وتصلي لاستعادة الهيكل الثالث وهدم المسجد الأقصى وتقويض أركانه، وإزالة جذوره من الأرض فلا يبقى له فيها أثر، وتعيب على الحكومة جبنها وخوفها، وتعتب عليها ضعفها وخورها، وتدعوها لأن تكون جريئة وحاسمة، وألا تتردد في تنفيذ الأحلام اليهودية والأماني الإسرائيلية.
لا تتردد تسيفي حوتوبيلي في الدعوة إلى قتل الأطفال الفلسطينيين وإبادتهم، فهي ترى أنهم مشاريع إرهاب قادمٍ، وعناصر تخريبٍ مؤكد، وقنابل مؤقتةٍ جاهزة للانفجار في أي لحظةٍ، وتعتقد أنهم سيكونون جنوداً في صفوف أعدائها، يقاتلون كيانها، ويعملون على استئصاله وتفكيكه، وهزيمة شعبه وطرد أهله، وهم يُعبَأون فكرياً وعقائدياً، ويُدَربون نفسياً، ويُهَيأون عقلياً للقيام بهذه المهمة والإشراف على تنفيذها، ولهذا ترى وجوب قتلهم مبكراً، وتحييدهم حكماً، والعمل على استباق أخطارهم سلفاً، وتجنب شرورهم بقتلهم والخلاص منهم، ولا ترى في ذلك جريمة، ولا تعتقد أنها تهمةٌ، بل هي كياسة سياسية ونباهة عقلية، على الحكومة الإسرائيلية أن تتنبه لها وتقوم بها، وإلا اشتد ساعدهم، وقوي بأسهم، وشكلوا خطراً على كيانهم.
يعرفها الإسرائيليون عامةً والفلسطينيون خاصةً عندما كانت تتبجح بآرائها المتطرفة ومفاهيمها العنصرية، ولا تتردد في التعبير عن مواقفها والكشف عن أحلامها، عندما كانت محاميةً تجاهر بمواقفها السياسية، وتتشدد في نظرياتها العقابية، وتدعو القضاء الإسرائيلي إلى التعامل مع "المخربين" الفلسطينيين بقسوةٍ لا رحمة فيها، وشدةٍ لا لين فيها، وأن تكون أحكامهم رادعة وزاجرة لهم ولغيرهم، وتدعو الجيش والشرطة وأجهزة الأمن الإسرائيلية لأن تكون حازمةً في قراراتها، عنيفةً في سياساتها، وألا تتردد في قمع كل من يهدد أمن كيانهم، ويستهدف سلامة مستوطنيهم، ويعمد إلى تعكير صفو عيشهم وتهديد حلمهم.
ويذكرونها عندما كانت شخصيةً إعلاميةً تحرض المجتمع الإسرائيلي على المزيد من التطرف، والكثير من التشدد، وقد اشتهرت بإطلالاتها الإعلامية المستفزة، وتصريحاتها النارية ضد المعتقلين خاصةً والفلسطينيين عموماً، إذ ترى إذا لم يقر قانون إعدامهم، وجوب الاستمرار في تعذيب المعتقلين والتشديد عليهم، وعدم منحهم أي امتيازاتٍ تذكر أو الخضوع لشروطهم والنزول عند رغباتهم، وإن هم اعتصموا أو أضربوا، أو اعترضوا وانتفضوا.
تسيفي حوتوبيلي لا تكره الفلسطينيين وحسب، وترفض التفاوض معهم والاعتراف بهم، بل إنها تكره العرب عموماً، وتحقد على المسلمين كلهم، ولا ترى ضرورةً للاتفاق معهم أو التعايش وإياهم، فهم حسب معتقداتها يؤخرون قيام "دولة إسرائيل الكبرى"، ويعترضون على استعادة إسرائيل لأرضها الكاملة، ويرفضون سيطرتها على "جبل الهيكل"، ويريدون الاستمرار في الصلاة في المسجد الأقصى التي تنظم المسيرات لاقتحامه، وتشجع المستوطنين على انتهاك حرمته، وتأكيد حقهم فيه، وتسجيل حضورهم الدائم في باحاته.
لا تكتفي حوتوبيلي بتحريض المجتمع الإسرائيلي على الفلسطينيين، بل اتجهت إلى تحريض المجتمع الدولي كله، ودفع الأمم المتحدة والمؤسسات الأممية للضغط على الفلسطينيين، والموافقة على حصارهم وعقابهم، وطالبت دول العالم بتجريم حملات المقاطعة الدولية ضد كيانها، ومعاقبة رموز حملة BDS الدولية، التي تدعو إلى مقاطعة كيانها ومعاقبته، ودعت دول الاتحاد الأوروبي إلى وقف مساعداتها إلى الفلسطينيين، أو مراقبة تبرعاتها وضبط مساهماتها، لئلا تستخدم في دعم الإرهاب أو التحريض عليه.
ربما أن ما تعرضت له سفيرة الكيان الصهيوني في لندن، المتطرفة اليمينية تسيفي حوتوبيلي أقل بكثيرٍ مما تستحق، وأقل عدلاً مما يليق بها، فهي تستحق ما هو أشد وأقسى، وما هو أوضح وأبلغ، وما هو أوجع وأمضى، فالطرد لا يكفي، والهتاف ضدها لا يجدي، بل قد يليق بها السحق والسحل، والشطب والعزل، فقد بلغ سوؤها الزبى، وطال شرها البشر جميعاً، وعم تطرفها الآفاق، وطغت بأفكارها الشريرة على الإنسانية كلها، حتى غدت عاراً على البشرية، وسبةً في جبين الإنسانية، وبقعةً سوداء في تاريخها، ولعل المجتمع الدولي قد قصر في الرد عليها والتعامل معها، أو تأخر في عقابها وأبطأ في محاسبتها، فهي تستأهل الطرد من الدول، والرجم من الشعوب، واللعن من الأمم.
فإن بادر الشعب وغضب الشباب وثار الطلاب، فإن الحكومات الدولية مطلوبٌ منها الأكثر والأوضح، والأسرعَ والأحدَ موقفاً، فهل نأمل في تغيير مواقفها والتراجع عن انحيازها، والكف عن نصرة الباطل ومساندة المعتدي، أم أننا نأمل في سرابٍ، ونراهن على الوهم، ونرجو الخير من قربةٍ مقطوعةٍ، ونحلم بالعسل من دبابير سوداء، لذعتها قاتلة، وفطرتها سابقة، وسمها زعافٌ.
[email protected]