من تاريخنا الكنسي – تدشين كنيسة الرامة سنة 1947
مقدمة
إننا في زمن عيد رقاد سيدتنا والدة الإله مريم. كثير من رعايانا وكنائسنا مكرسة للسيدة. منها كنيسة السيدة في الرامة للروم الكاثوليك
ميزات كنيسة الرامة:
1 .في كنيسة السيدة في الرامة توجد أيقونة عجائبية ألمنا العذراء وقد أجرت الكثير من العجائب.
2 .جرت عدة ظهورات ألمنا العذراء في هذه الكنيسة، من ظهورات أمنا العذراء أنها ظهرت ألطفال وقالت لهم " قدسوا هذا المكان".
3 .سنحتفل هذه الكنيسة 15 آب السنة القادمة باليوبيل البرونزي (75 سنة) لتأسيس وتدشين الكنيسة.
4 .الذين قاموا بالتخطيط والبناء والتدشين للكنيسة - سنة 1947 - هم أبناء رعية الرامة الكاثوليك، بمشاركة الروم والدروز، وكذلك مشاركة كل الأبرشية من الناصرة وحيفا وكل القرى المجاورة. الحجارة والرخام في الكنيسة من بلادنا والنحاتين من بلادنا. لإضاءة شمعة أمل ورجاء،
أورد ما كتبه الأرشمندريت ميشيل عساف النائب الأسقفي للمطران جوارجيوس حكيم، عن تدشين كنيسة السيدة في الرامة في مجلة الرسالة المخلصية سنة 1947 ( .فما يتبع هو اقتباس من هذا المجلة)
ناصر شقور
2 تدشين كنيسة »الرامة« الجديدة
لقدس الأرشمندريت ميشيل عساف الجزيل الاحترام
"سيدة الرامة" هي أيضا سيدة الدنيا، هي سيدة السماوات والأرض، هي السيدة.
ولقد اختارت هذه القرية، قرية الرامة، من قرى الجليل العزيز على قلبها، لتفيض عليها كنوز رحمتها وحنانها: فأخذت تحنو عليها وتغمرها بأفضالها. وهكذا جعلت هذه البلدة، المختلفة الطوائف والمذاهب، عائلة واحدة تشملها بعطفها. وقامت القرية بأجمعها تشيد بأمجادها وتنشر عبير عجائبها. فالبتول هي أم البشرية على مثال ابنها الفادي الإهي. وكما جمع هو البشرية في قلبه وافتداها بدمه، كذلك هي أيضاً فتحت لها ذراعيها، . وضمتها إلى صدرها، لتقيها المخاطر وتدفع عنها النوائب
الكنيسة الجديدة
وكثرت عجائب البتول "سيدة الرامة"، وفاح عرف نعمائها فعطّر الأرجاء. وسال ذلك النبع الفياض من أعالي جبل الرامة، وجرى يتدفق في كل صقع وناد، حتی عکا وحيفا وشفاعمرو غربا؛ حتی صفد وطبريا شماال وشرقا وإلى المغار، إلى عيلبون، إلى كفركنا، إلى الناصرة، إلى كل مكان. فقرر سيادة راعي الأبرشية الكثير العبادة للعذراء المباركة، أن يبني لها ، بدل كنيستها القديمة المتهدمة، كنيسة جديدة تليق بمقامها وبحبه و اکرامه لها
وما لبث أن سلم العمل إلى مهندسين بارعين: تيو کنعان وجورج رجا الريس من حيفا، فرسما الخرائط ووضعا التصميم وقام المهندسون المقاولون مشيل حداد وأديب السعد بالإشراف الحثيث الصادق على الشغل. وانبرى أصحاب الهمة والنشاط المعلمون جميل کرم وسمعان اخوه، وسمعان الكبش من الناصرة، يعملون ليل نهار مع العشرات من المعاونين، حتى أخرجوا في تسعة شهور، كنيسة أتت آية في الهندسة والجمال.
وارتاحت البتول لهذا المشروع الجميل في بلاد الجليل، وأعربت مر اراً عن ارتياحها بظهورها وعجائبها.
فما كادت أساسات الكنيسة تصعد إلى سطح الأرض حتى ظهرت للأولاد بجمالها الفائق وثوبها الأبيض اللامع ، وهي تحمل الشموع بيدها، وتطوف على أرض کنيستها. والتفتت إلى الاولاد ، أولاد قريتها، من الطوائف المسيحية الثالثة و قالت لهم: "قدسوا هذا المكان. "
وحدث ايضا ان أحد العملة من اخوتنا الاسلام ، من بلاد حوران، وكان يشتغل في البناء، ساوره الشك في حقيقة قدرة البتول وصدق عجائبها. و إذا به في مساء أحد الأيام يری نارا مستعرة يتصاعد لهيبها من باب الكنيسة الجنوبي. فارتاع وصرخ: "النار! النار!" َ ولم يكن نار ... فآمن بالبتول وصار كل يوم يحمل إلى الكنيسة شمعة ويوقدها اكراما له
وانك لترى نساء القرية الدرزيات على مثال المسيحيات يأتين ويقبلن الجدران الجديدة، ويحملن حفنة من تراب الكنيسة تيمناً وتبركاً ويقدمن بدلا عن التراب ، شمعا او زيتا او بخورا وروت واحدة منهن انها أخذت يوما ترابا ونسيت أن تفي نذرها بعوض عنه.
فظهرت لها البتول بالحلم وذكرتها بوعدها، فأسرعت في الصباح تحمل الشموع لسيدة العجائب والرحمة.
والكنيسة الجديدة عذراء بيضاء، تتلألأ قبتها بهاء في أعالي الفضاء. وكأني بها البتول مريم نفسها رافعة إلى أجواء السماء نواظرها ويديها، وهي تصلي إلى ابنها وتتشفع بالبشرية المتألمة في صباحها ومسائها.
والبناء على هيأة صليب، طوله 16 مترا ونصف المتر بما فيه الحنية. وعرضه عند سواعد الصليب تحت القبة 13 مترا أما باقي الكنيسة فعرضها ۱۰ أمتار ونصف . ولها من الأبواب الكبيرة ثلاثة: واحد من الغرب واثنان من الجنوب.
ويزينها أربعة أعمدة من الرخام الابيض الاصفر الجميل من محاجر "نحف" بجوار الرامة الى الغرب
أما الهيكل فهو رائع الصنع، رائع الجمال. وكله مع أعمدته العشرة من الرخام الوردي، من محاجر جبال الناصرة. ولقد أجاد في صنعه المعلم البارع نجيب نوفي من الناصرة فخلد لفنه ويديه ذكرا ، لا يمحى .
ولقد نقشت على مقدمة هذا الهيكل الثمين الجيل الكلمات الاتية بأحرف من ذهب: "قدمه الطفل جورج رزوق بالقاهرة سنة 1946" ويزين الإيقونسطاس أيقونتان بديعتا الصنع (80 × 55 ،) تمثلان السيد والسيدة، من على يمين وشمال الباب الملوكي وهما تقدمة عائلة سيادة راعي الابرشية . فأيقونة السيد مقدمة على نية والده المرحوم سليم حكيم، و أيقونة السيدة تقدمة من والدته السيدة أو جني . وليسمح لنا سيادته أن لا نغفل ذکر ما امتاز به والداه واخوته واخواته من العبادة والالکرام لوالدة الاله ، وكم نالوا بشفاعتها من البركات والنعم.
ولقد سمعنا الكبير والصغير يذكر بالشكر والاعجاب كيف أنه، من يوم وضع الحجر الأول في الأساس إلى أن نزل المعلمون والعملة من على رأس القبة والأسطحة مساء يوم التدشين، لم يصب أحد بأذى. والله يعلم كم من المئات من الرجال والاولاد والنساء والبنات اشتغلوا في هذه الكنيسة، وحملوا الحجارة، و حملوا الاتربة، وحملوا المياه، إلى أن صارت كنيستهم قلعة بيضاء، شامخة الأسوار في سماء جبال الرامة الخضراء ،
وما رأيناه بأم العين، والقلب يهتز طربا والدموع تتساقط فرحا و حبورا هو جميع الاولاد والبنات والنساء والشباب حتى الاطفال، من عموم الطوائف والمذاهب، يتسابقون الى نقل التراب والحجارة والماء، ويشتغلون ساعات طوالاً في التنظيف والغسيل والتجميل اکراما لسيدة وقريتهم واقرارا بجميلها ومحبتها لهم ،
كما أننا سمعنا مرارا سيادة راعي الأبرشية يذكر بلهجة الاعجاب وعاطفة الشكر كيف كانت البتول تسرع إلى نجدته كلما اعترضته المصاعب، مادية كانت أم معنوية أم فنية. ولقد أعلن ذلك في خطابه يوم حفلة التدشين. – ولقد ذكر لنا أيضا رؤساء العمل ما كانوا يلاقون من التوفيق الغير المنتظر أثناء عملهم، مما كان يحير عقولهم و يبعث بهم على الاعتقاد أن ذلك من عجائب البتول صاحبة العمل.
الاستعداد للعيد
كان على طائفتنا الكريمة في الرامة، وعلى زعيمها الاكبر السيد جميل نخلة أبو عبد الله، أن يستعدوا لحفلة التدشين بكل ما تحلوا به من همة وذكاء و کرم وسخاء. فبدأوا بإرسال بطاقات الدعوة إلى كل البلاد، يدعون الناس إلى مشاركتهم في تدشين كنيستهم، و إلى تناول طعام الغداء على موائد زعيمهم.
وقضوا الأسبوع الذي سبق أحد التدشين، الواقع في اليوم الأول من كانون الأول (دسمبر)، في الترتيب والتنظيم والتشاور والتعاون. وصعد إليهم سيادة راعي الابرشية و برفقته نائبه الاسقفي على الجليل، فوضعا معهم برنامج االحتفال بكل تفاصيله ودقائقه.
ولقد رأيناهم يوم السبت الذي سبق يوم العيد، وكانوا كلهم يعملون بحماسة واندفاع، و البشر يطفح من وجوههم ومن شفاههم. رأينا النساء والبنات يتبارين في غسل الكنيسة، والبنات الصغيرات يتسابقن الى نقل الماء راكضات مشمرات مبللات. رأينا راهبات الوردية مع الأب ميشيل خوري طائفة اللاتين يعلمون ، بنات المدرسة تراتيل الاحتفال وأناشيد العيد.
وأقبلنا على بيت جميل نخلة، فشاهدناهم منهمكين كلهم بذبح الذبائح وتقطيع اللحوم وتنقية أكوام الارز وإعداد الموائد.
ورأينا الشباب على الطريق العام يكملون ما بدأوا به من توسيع الشارع الرئيسي المؤدي إلى الكنيسة وتزينه. وكان الخوري دانيال حجار كاهن الطائفة وقد تقطعت ثيابه،واسودت رقبته من فعل الشموس والغبار، يسعى يمينا وشمالا ، يصب الحماسة والنشاط في الكبار والصغار، بينما كانت الخورية وأولادها يركضون فرحين متهللين في خدمة العشرات من الضيوف
حفلة التدشين
كان يوم الأحد الواقع في 1 كانون الأول ، يوم البلاد، يوم فلسطين ومصر وسوريا ولبنان. فلقد زحفت الجموع زاخرة إلى الرامة تكرم سيدة الرامة وكنيسة الرامة: من البصة ؛ شماال إلى القدس جنوبا من القاهرة، من الشام، من بيروت وصيدا، من صور ودير المخلص، وعلى رأسهم نواب الأساقفة ورجال الحكومة وقواد الجيش، و طغمة عديدة ممتازة بارزة من رجالات البلاد وأعيانها
ووصل من حيفا سيادة راعي الأبرشية، يصحبه الجنرال قائد الجيوش الإنكليزية في المنطقة الشمالية. وأقبلت وراء سيارته العشرات من السيارات تحمل وفود البلاد. فما كاد سيادته ينزل من سيارته ويرتدي المنديا، حتى أحاط به نوابه الكهنة بحللهم الكهنوتية، وتألبت حوله الجمو ع بأناشيدهم الحماسية. ومشى الموكب العظيم يخترق الشارع الكبير، يتقدمه بيرق الصليب والشموع؛ ثم راهبات الوردية مع البنات والأكاليل والاعلام؛ ثم فرقة كشافة الرامة؛ ثم فرقة كشافة أخوية المخلص بحيفا، ثم أ عضاء أخوية المخلص بشارتهم وعلمهم، وفي مقدمتهم مرشدهم حضرة الاب بولس ربعمد المخلصي مع شباب خورسه العظيم؛ ثم الكهنة وسيادة راعي الأبرشية يبارك الجماهير المتألبة حوله؛ ثم الجموع الغفيرة: أهل الرامة كلهم أرثوذكس ولاتين وكاثوليك ودروز، ومعهم وفود البلاد. فكأني بالسيد المسيح يعود إلى الجليل، وتزدحم حوله الجموع مهللين مرتلين: "هوشعنا لابن داود...!"
وأتينا الكنيسة ودخلناها على أصوات المنشدين وقرع الاجراس، وترتيل المرتلين وزغاريد النساء، والبخور يغمرنا بسحبه، وعبير الزهور والعطور يتناثر في الفضاء
وبدأ سيادته بالقداس الإلهي، و كان يعاونه نائباه الارشمندريت بطرس فاخوري والأرشمندريت مشيل عساف؛ وأيضا الأرشمندريت يوحنا الحداد موفدا من سيادة مطران صور، ولاب يوسف نخلة موفدا من دير المخلص العامر؛ والآباء بطرس شعيب ودانيال حجار و ابرهيم الخوري. ثم كرس سيادته الهيكل بالميرون، ورش الكنيسة بالماء المقدس. وبعد الانجيل تدفق أمام تلك الجموع المحتشدة بخطاب ممتع، ذكر فيه تاريخ الإيقونة العجائبية والمعجزات التي عملتها، وبين كيف ذللت البتول المصاعب التي اعترضت بناء الكنيسة. وشكر المحسنين والمحسنات وجميع الذين تعبوا وجميع الذين ضحوا في سبيل هذه الكنيسة، وجميع الذين تجشموا متاعب السفر ليشاركوا الرامة في أفراحها: رجال الحكومة، ورجال الجيش..فكان كلامه درراً ووروداً تتساقط على العقول والقلوب فتملأها . ضياء وحبورا
الحفلة الخطابية والوليمة
وبعد القداس الإلهي خرجنا بموكبنا العظيم إلى دار الوجيه جميل نخلة حيث نصبت الطائفة موائدها للضيوف جميعهم. وقبل أن تجلس الوفود للطعام ترأس سيادته من على شرفة دار "ابو عبد الله"، حفلة خطابية رائعة افتتحها الشاب الأديب حبيب أنطون مشعور من الرامة بخطاب رائع وشعر فياض. وتلاه الولد النبيه جميل حفيد جميل نخلة المذكور، فاسترعى الاسماع بصوته الرنان. وتكلم من بعده حضرة الأب دانيال حجار، فتلا قصيدة زجلية نالت كل الاستحسان. ثم خطب كل من سامي عبد الله الأيوب من المكر، وابرهيم الخولي من حيفا، فصفق لهما الحضور ثم جلس الضيوف إلى الموائد العظيمة، فأكلوا وشربوا. وقد رأينا بأم العين کيف يتجلى الكرم العربي بمظاهره السخية. ثم شربنا القهوة وشكرنا مضيفنا السيد جميل نخلة، وركبنا سياراتنا فأخذت تنهب الارض بنا شرقا وغربا وقبلة وشمالا، عائدين إلى بلادنا، حاملين من سيدة الرامة البركات، ومن أهل الرامة أطيب الذكريات.
[email protected]