الحربُ موجعةٌ مؤلمةٌ، قاسيةٌ شديدةٌ، كريهةٌ مذمومةٌ، طاحنةٌ ضروسٌ، تدمي القلوب وتقصف الأعمار، وتخلق الحزن، وتتسبب في اليتم، وتفجع الأسر والعائلات، وتثكل الأمهات، وتضعف نفوس الأخوات، وتكسر ظهور الأباء، وتتلف الأموال وتدمر البلاد، وتنشر الخراب وتنثر الدمار، وتهدم الحجر وتحرق الشجر، فلا يحبها أحد إلا الظالم، ولا يتمناها شعبٌ إلا المستوطن، ولا يعمل لها إلا المستعمر، ولا يخطط لها إلا الغاصب، ولا يفرضها إلا المعتدي، وكذا الإسرائيليون اعتدوا علينا ظلماً وعدواناً، فرضوها علينا عنوةً وإكراهاً، وأوجعونا بها، وآلمونا بآلتها، وأصروا عليها واستمروا بها، وساندها الظالمون، ودعمها المستكبرون، وسكت عنها المتخاذلون، ودافع عنها الفاسدون، وبرر لها المنافقون، وما زالت في غيها سادرة، وفي ظلمها ماضية.
الفلسطينيون شعبٌ يكره الحرب ولا يعشق القتل، ولا يحب الخراب ولا يستهوي الدمار، ولا يقبل بالظلم ولا يسكت عنه، بل يتمنى كغيره من شعوب الأرض، أن يعيش في وطنه حراً عزيزاً، وفوق أرضه مستقلاً كريماً، تربطه علاقاتٌ طيبة بالآخرين، وتجمعه مصالح ومنافع مشروعة مع الشعوب، ويشترك مع الدول في حفظ الأمن وشيوع السلام، ومحاربة الظلم ووقف العدوان، ومساعدة الشعوب على النهوض والتطور، والدول على الاستقرار والازدهار، ولدى الشعب الفلسطيني بتعداده الذي يقترب من الخمسة عشر مليوناً، وينتشرون في كل بقاع الأرض، ويقيم أغلبهم في الوطن ثابتاً فيه، الكثير من الطاقات العلمية والكفاءات المهنية، والعقول الفلسفية وأصحاب النظريات الإنسانية والمفاهيم الاجتماعية، ما يجعلهم رواداً بين البشر، وأساتذةً للعالم، وخير أمناء على قيمه وحقوقه، وأحرصهم على حرية الإنسان وكرامته.
لكن هذا العدو الحاقد الخبيث، الظالم المستعلي، القاتل البغي، اعتدى علينا فما أبقى لنا شيئاً من حقوقنا، ولا سمح لنا بمواصلة دورنا واستكمال رسالتنا، وشغلنا عن العمل المبدع والانتاج المبهر، إذ احتل أرضنا، واغتصب حقوقنا، ودنس مقدساتنا، واعتدى على حرماتنا، وأمعن في قتلنا ومصادرة ممتلكاتنا، وطردنا من منازلنا، ودمر بيوتنا، وحرمنا من مستقبلنا، وقاتل فينا أحلامنا، واغتال طفولة أبنائنا وبراءةِ أطفالنا، وجعل مبلغ علمنا وغاية أملنا استعادة وطننا، وتحرير أرضنا، وتطهير مقدساتنا.
لهذا فلا يستغربن أحدٌ إن حمل الفلسطيني بندقيته وقاتل، وامتلك السلاح وقاوم، وبحث عن كل سبيلٍ وناضل، وطرق كل الأبواب ليثبت، وسلك مختلف السبل ليصمد، وتحالف مع الصادقين ليقوى، وتعاون مع المخلصين ليستمر في مقاومته، فهذه هي سنة الشعوب التي أحتلت أرضها واغتصبت حقوقها، وطرد أهلها وشرد شعبها، أن تقاوم وتقاتل، وتكافح وتناضل، وهو أمرٌ طبيعي وعملٌ مشروع، تبيحه الشرائع والأنظمة، وتحترمه النُظُمُ والدولُ، وتمارسه الشعوب وتتبعه الأمم، والتاريخ خير شاهدٍ على الشعوب التي ناضلت، والأمم التي قاومت، التي دوماً تنتصر في قضاياها لأنها على الحق، وتنتصر على أعدائها لأنهم على الباطل، وتصر إلى غايتها لأنها مشروعة، وتحقق أهدافها لأنها طبيعية.
الفلسطينيون يصدون الظلم، ويقاومون الاحتلال، ويدفعون الباغي ويواجهون الطغيان، ويضحون بحياتهم ليضعوا حداً للعدوان، ويصرون على التمسك بحقوقهم والبقاء في أرضهم، وما معركة "سيف القدس" إلا للدفاع عن الحقوق، والحفاظ على المنازل والبيوت، والإصرار على الصلاة والعبادة والطقوس، والثورة ضد القتل والانتفاضة ضد الأسر، ولن يتأخر الفلسطينيون عن واجبهم، ولن يهنوا في مقارعة عدوهم، ولن يضعفوا أمامه وإن كان أقوى منهم، ولن يستسلموا له وإن كان يلقى الدعم والإسناد أكثر منهم، وسيدرك العدو شاء أم أبى، أن هذا الشعب القوي الجبار، العنيد المغوار، صابرٌ حتى تحقيق أهدافه، وثابتٌ حتى يستعيد حقوقه، وباقٍ حتى يعود إلى أرضه ووطنه.
يكره الفلسطينيون الحروب لكنهم مجبرون عليها، ويحبون الحياة لكنهم محرومون منها، ويسعون للاستقرار لكنهم لا يتمتعون به، ويتطلعون للأمن والسلام لكنهم يعانون من غيابه، ويستغربون صمت العالم وعجزه عن نصرتهم ومساندتهم، وقادة العالم يعلمون أن الفلسطينيين مظلومون، وأنهم أصحاب قضية حقٍ مضى عليها أكثر من سبعين عاماً، وأن الكيان الصهيوني ظالمٌ معتدي، قاتلٌ مجرمٌ، فاسدٌ مبيرٌ، يقتل البشر ويدمر الحجر ويحرق الشجر، ولا يبالي بقانونٍ ولا يحترم شريعةً، ولا يخاف من عقوبةٍ، ويتحدى البشرية بصلفة، ويجابه الإنسانية بجرائمه، إلا أن تصده القوة، ويقف في مجابهته الحق، ويتحدى أصحابه ظلمه، ويصبرون على عدوانه وأذاه، ويعدون العدة للثأر منه والانتقام، ومواجهته والانتصار عليه.
[email protected]