"إلى من يؤمن بحرية الكلمة، إلى من يحمل الرأي ويتقبل الرأي الآخر، إلى من يحترم ذاته ويقدر الآخر على علاته، إلى من ينبذ العنف ويؤمن بالحوار، إلى من يحب الحياة بحلوها ومرها، إلى كل إنسان متفائل ومتسامح"
بهذه الكلمات الرقيقة والمعبرة كعادته، افتتح الكاتب زياد شليوط ابن قلعة ظاهر العمر الشامخة الباسطة ظلالها على روابيها السبع بأزقتها حاراتها وأسرتها الواحدة، نتاجه السابع "أمواج الكلام" الذي صدر عن دار الحديث للإعلام والنشر بإدارة الكاتب والشاعر المعروف الزميل فهيم أبو ركن.
شليوط أثبت نفسه بقلمه البارع وبقدراته وإبداعاته وخياله الواسع وأحاسيسه ومواقفه وآرائه الفكرية والاجتماعية، ومواجهة الحقيقة والواقع، فله بصمات واضحه وأكيدة في بناء الإنسان الحضاري الأمر الذي أكسبه وجعله يحظى بثقة واحترام الكتاب والنقاد.
يشمل الكتيب بين دفتيه نصوصًا نثرية، أقوالًا وخواطر، آراء ومواقف فكرية واجتماعية بوصف دقيق وعبارات راقية، وأسلوب قصصي ساخر راق ومؤثر بلغة جميلة تشد القارئ وتجعله يغوص في عالم الخيال بالإضافة إلى المقالة الأدبية الناقدة الهادفة إلى التوعية والإصلاح لظواهر العنف والقتل المقلقة التي يعاني منها المجتمع حتّى أفقدته أمنه وأمانه ومعالجة مواضيع متنوعه كالعلاقة مع الدولة والتغني بالديمقراطية المفقودة، إذ يقول تحت عنوان "عذرا، كم أكرهك أيتها الديمقراطية" صفحة 44
"أما إسرائيل "واحة" الديمقراطية الوحيدة في صحراء الشرق الأوسط ..فقد خبر أهلنا ديمقراطيتها في ظل نظام الحكم العسكري وممارساته العنصرية والتضييق ومصادرة الأراضي واستغلال الأيدي العاملة، وبعد احتلال سائر أجزاء فلسطين شهدنا المد اليميني الذي تصاعد وتصاعد إلى حد دولة أبرتهايد .. ومؤخرا تمادت في سن القوانين العنصرية والعرقية وظلت تزعم وتدعي أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!!
ولكننا عرفنا الكذبة الكبرى.. لا حكم للشعب ولا لأغلبية، إنما هي الآقلية التي تحكم، إنّها أقلية متجبرة متعصبة تدوس على القيم الإنسانية وتتخذ الديمقراطية وسيلة للسيطرة والتحكم والعبودية..
لا وجود لديمقراطية حقيقية بل ديمقراطية مقنعة مزيفة مشوهة من قبل شلة سماسرة ومأجورين ومجرمين؛ لذا اعذريني ما كفرت بديمقراطية مغتصبة كتلك وبقيت على محبتي لديمقراطية حلمت وآمنت بها ..ديمقراطية نقية نظيفة شريفة".
وفي صفحة 30 يقول في "حديث البحر":
"هو البحر يتداخل فيك يصارعك يحاورك يجالسك يحضنك وينام فيك وتنام فيه، هو البحر يلقي بكل المعيقات والقاذورات والطحالب والزوائد والعثرات على شاطئه ويعود إليك صاخبا راضيا مبتسما يعود ليجدد الحياة فيك وليتجدد معك وبك ولك وفيك
عندما يغيب صدر الحبيب ويتحول إلى كومة من التلال الجرداء المصنعة من جديد بشكل مختلف وقد انفتح ليحلو في عيني الناظرين أو عيني ذاته ويحبس القلب داخل صدر من حديد يوغل في الظلام وقد حجبت التلال الكبيرة نور الشمس عنه وتركته منبوذا جائعا شريدا مظلما مكتفيا بالأضواء المبهرة على التلال الكاذبة".
أما تحت عنوان "فكر بغيرك" صفحة51 يقول:
"تسقط الأنظمة الديكتاتورية وبين رؤسائنا الصغار من لا يزال يتصرف كأنه الحاكم بأمره، وأنه المختار الوحيد الفريد وأنه فوق النقد، وإذا ما تجرأ احد من خصومه بتوجيه النقد له لا يترك وسيلة مشروعة وغير مشروعة إلا ويطارد بها خصمه، وقد قال فيه درويش الذي أطلق اسمه على شوارع في مدننا وقرانا تفاخرا ولا نحمل أقواله في قلوبنا وضمائرنا تواضعا سنصير شعبا حين نشتم حاجب السلطان دون محاكمة"
الكتيب يقع في 74 صفحة من القطع الصغير، لوحة الغلاف المعبرة كانت من نصيب ابنة الكاتب مها شليوط، وعلى الغلاف الخلفي مقطع قصير من فقرات الكتيب وصورة الكاتب.
زياد كاتب بارع وإنسان حضاري راق ومتألق، نتمنى له العطاء الدائم والإبداع المتجدد.
[email protected]