القناة العاشرة واحدة من أوسع القنوات الإسرائيلية انتشارا، ولكنها قناة لا تسير وفق أهواء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي وجه أحد أقسام حكومته إنذارا تعجيزيا للقناة بدفع مستحقات قدرها تسعة ملايين دولار دفعة واحدة وفي نفس اليوم.
فوجئ الإسرائيليون بإقدام القناة العاشرة -إحدى أهم قناتين في إسرائيل- على وقف البث في خضم برنامج ترفيهي واسع الانتشار، احتجاجا على نية الحكومة إغلاقها.
وفور وقف البث كتب على شاشة القناة بالعبرية نص صيغ بلغة درامية "بعد ثلاثة أيام ستغلق القناة العاشرة. رئيس الحكومة ووزير الإعلامبنيامين نتنياهو يرفض إيجاد حل، ولذا قررت لجنة العاملين وقف البث الليلة".
وتدعي السلطة الحكومية الثانية للإذاعة والبث في إسرائيل أن قرارها عدم تمديد تراخيص القناة العاشرة، جاء على خلفية أزمة مالية مزمنة أخفقت في معالجتها خلال السنوات الأخيرة.
لكن إدارة القناة تتهم الحكومة ورئيسها نتنياهو تحديدا بالانتقام منها لكونها ناقدة لسياساته. كما تعتبر أوساط سياسية وإعلامية واسعة إغلاق القناة -وبالذات عشية انتخابات عامة- صفعة مدوية للديمقراطية وضربة لحرية التعبير.
وكانت القناة العاشرة أطلقت في العام 2002 وباتت تنافس بقوة القناة الثانية، وكلتاهما تجارية إلى جانب القناة الأولى الرسمية، لكنها تمتاز بهيمنة التحقيقات الإخبارية الجريئة والمواقف الناقدة للحكومة.
صوت مناهض
وكانت القناة العاشرة من أبرز الأصوات الإعلامية المناهضة للحرب الأخيرة على غزة، هي وصحيفة هآرتس.
ودعت إدارة القناة العاملين فيها إلى التوقف عن العمل ليلة أمس احتجاجا على الإنذار الصادر عن سلطة البث الحكومية والمطالب بتسديد ديون متراكمة لها بنحو تسعة ملايين دولار خلال يوم واحد ودفعة واحدة.
كما تبين الخطوة أن القناة تحتج بذلك على رفض نتنياهو -بصفته وزيرا مؤقتا للإعلام- بالتدخل لإنقاذها.
ويقول رئيس لجنة العاملين والمعلق الاقتصادي في القناة متان خودروف إن اللجنة قررت "بقلب ثقيل" وقف البث احتجاجا على صمت نتنياهو ورفضه التدخل لمنع زوال قناة إعلامية مركزية في البلاد وقطع أرزاق آلاف من موظفيها.
ويدعو خودروف في بيانه الصادر الاثنين نتنياهو وإدارة سلطة البث إلى التدخل الفوري لتمديد تراخيص البث بـ15 عاما بهدف تأمين استمراريتها واستقلاليتها عن الحكومة، وضمان وجود منافسة وتعددية إعلامية.
حرية الصحافة
وهذا ما ينبه إلى أهميته يارون لندن أحد أبرز الصحفيين في القناة العاشرة، موضحا للجزيرة نت أن إغلاقها ينعكس سلبا وبشكل خطير على حرية الصحافة.
وينفي لندن المزاعم المالية ضد القناة، ويقول إنها شهدت خطة لحل المشكلة المالية، لافتا إلى ازدياد دخلها في السنة الأخيرة لوجود مستثمرين جدد مستعدين للاستثمار فيها وينتظرون منحها تجديد ترخيصها.
ويتابع "بوسع القناة أن تسدد مستحقاتها للعام 2014 فورا، وهذا كافٍ كي تمدد سلطة البث التراخيص، على أن يتم جدولة ديون سابقة".
وتتفق الصحفية في القناة الثانية إيلانا ديان مع زملائها في القناة العاشرة في اعتقادهم بوجود دوافع سياسية وشخصية خلف رغبة نتنياهو في إغلاقها.
وتشير إلى أن تسوية المسألة المالية ليست صعبة، متهمة جهات سياسية بمحاولة الاختباء خلف ذرائع إجرائية بيرقراطية للتخلص من وسيلة إعلام ناقدة.
ولم تستبعد ديان -التي تعبر عن تضامن زملائها في القناة الثانية مع زملائهم في القناة المنافسة- أن يكون نتنياهو يسعى للانتقام من طرح مشروع قانون الشهر الماضي يهدف إلى منع صدور صحيفة "يسرائيل هيوم" التي تعتبرها أوساط واسعة في الرأي العام بوقا للحكومة، وهي توزع مجانا بتمويل من ثري يهودي أميركي مقرب من نتنياهو.
وتتفق ديان مع أنصار القناة العاشرة بأن دولة ديمقراطية تحتاج إلى وسائل إعلام حرة وقوية ومتعددة.
يمين ويسار
ويثير شبح إغلاق القناة العاشرة في إسرائيل عاصفة من ردود الفعل في أوساط سياسية وإعلامية من اليمين واليسار على حد سواء، واعتبر الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين وقف البث ظلا ثقيلا على الديمقراطية فيها، خاصة قبيل انتخابات عامة.
وحملت كتل المعارضة بشدة على نتنياهو، ووصفت رئيسة حزب "ميرتس" زهافا غالؤون تصرفه بالعنيف وأنه "فتوة الحي"، معتبرة "ما جرى يوما أسودا للنظام الديمقراطي".
وتقول غالؤون للجزيرة نت إن نتنياهو اختار استغلال ساعاته الأخيرة في رئاسة الحكومة من أجل توجيه صفعة قوية أخيرة إلى حرية التعبير، بمشاركته في وقف قناة هامة تشغل مئات العمال، فقط لأنها لا ترقص على أنغامه. وتضيف "كون القناة ناقدة له، هذا سبب مقنع لاستمرارها".
ومن الأصوات الأخرى التي علت صوتُ وزير الاقتصاد نفتالي بينيت رئيس حزب المستوطنين "البيت اليهودي"، إذ قال في تغريدة على موقع تويتر إن القناة العاشرة ليست من أنصاره، لكن يُحظر بأي شكل من الأشكال إغلاقها رغم الحاجة إلى تنويع مضامينها وتوجهاتها.
[email protected]