أصدرت "سيكوي- الجمعية لدعم المساواة المدنية في البلاد" وبالتعاون مع "دراسات- المركز العربي للحقوق والسياسات" ومعهد "فان لير"، بحثا هاما يرصد التغييب المنهجي للغة والثقافة العربيتين عن الحياة الأكاديية في الجامعات الإسرائيلية وانعكاسات ذلك على المصاعب بمنالية التعليم العالي واستيعابه للطالب العربي، ما يؤدي إلى شعور بالاغتراب الثقافي والاجتماعي وانعدام المساواة.
"حاضرتان غائبتان" هو عنوان هذا البحث، الذي صدر في الآونة الأخيرة، باللغات الثلاث (عربية، عبرية وإنجليزية) وتم نشره لأول مرة، في الآونة الأخيرة وعلى شرف اليوم العالمي للغة العربية.
* فحص للجامعات المركزية الأربع في البلاد *
البحث تضمن استقصاء للوضع القائم في أربع جامعات بحثية في إسرائيل، تمّ اختيارها لأهميتها ومركزيتها على الساحة الأكاديمية الإسرائيلية وهي: جامعة حيفا، جامعة بن ڠوريون- بئر السبع، جامعة تل أبيب والجامعة العبرية في القدس.
هذا البحث –وفق ما يتبين من ملخصه التنفيذي- اختار "مُكوّنيْن يحملان معنى كبيراً في خلق الشعور بالإنتماء لدى الطلبة العرب الفلسطينيين إلى الحيّز الأكاديمي في البلاد: حضور اللغة العربية ومكانتها داخل الحرم الجامعي، والمكانة المعطاة للثقافة العربية الفلسطينية داخل كلّ واحدة من المؤسسات الأكاديمية التي درسناها."
وبمحاولة لفحص مكانة الثقافة العربية في الحرم الجامعي، تم الفحص إن كان هنالك روزنامات ودفاتر يوميات تشمل أعياد ومناسبات المجتمع العربي الفلسطيني؛ إستعمال عناصر من الثقافة العربية في الإحتفالات الرسمية وفي أنشطة نقابة الطلاب؛ تمثيل الثقافة العربية الفلسطينية في أروقة الحرم الجامعي من خلال الوسائل المرئية المختلفة (صور، تماثيل وغيرها)، إحياء الأعياد والمناسبات الخاصة بالمجتمع العربي الفلسطيني عن طريق احتفالات تُنظّم في مُحيط الحرم الجامعي.
وأما حول الحضور اللغوي فقد تم فحص وجود استمارات رسمية بالعربية؛ مناقصات عمل بالعربية؛ منشورات وأبحاث باللغة العربية; لغات اللافتات في مرافق المؤسسة؛ وجود دروس تعزيز بالعربية للمواضيع المدرَّسة؛ وجود دورات ومحاضرات بالعربية أو دورات ثنائية اللغة؛ وجود اللغة العربية في المجال المرئي من المساكن والمراكز الرياضية ومراكز الطلبة.
كما واعتمد البحث الوسائل التالية:إجراء مقابلات مع طلبة ومحاضرن عرب فلسطينيين ويهود، استعراض المواقع الإلكترونية، وصفحات الفيسبوك ووسائل الميديا الجديدة الأخرى لدى كلّ واحدة من الجامعات المفحوصة والقيام بمراقبة منهجية وتسجيل التمثيلات الظاهرة في الحيز والمتعلقة باللغة والثقافة العربية الفلسطينيتين من خلال إجراء جولات ليوم واحد في كل جامعة من الجامعات.
* نتائج البحث: صورة قاتمة! *
وكشفت نتائج المسح صورة قاتمة مفادها أن جميع المؤسسات الأكاديمية المفحوصة، لم تستوفِ الهدف الذي وضعه مجلس التعليم العالي وهو ترجمة مواقعها الإلكترونية للغة العربية. كما أن غالبية الجامعات تكاد تخلو من لافتات مكتوبة بالعربية. أمّا حياة الطالب العربي الفلسطيني الثقافية التي يُفترض أن تنعكس في الفعاليات وفي تعامل المؤسسة الأكاديمية فهي نادرة أو تكاد تكون معدومة. لغته وثقافته غير حاضرتين تقريباً في الحيّز الجامعي، والقليل الموجود غير كافٍ للتدليل على انتمائه للمكان أو على خلق هذا الإنتماء.
ومما جاء في البحث: "في الراهن، لا يشكّل تعزيز ثقافة مواطني إسرائيل العرب الفلسطينيين ولغتهم وجعلهما حاضرتين في الحيّز الجامعي، جزءاً من السياسة الأكاديمية. فهذان المكوّنان غير واردين في تقرير مجلس التعليم العالي من العام (2013)، وغير مطروحين على جدول أعمال أي واحدة من الجامعات الأربع المفحوصة. تكشف النتائج بشكل جليّ واضح أن الثقافة واللغة العبرية تتمتعان بتمثيل وحضور مكثّفيْن وواسعيْن. بالمقابل، تكاد الثقافة العربية الفلسطينية تغيب تماماً عن حرم الجامعات، بينما يُخصّص للغة العربية متّسع ضيّق جداً بحيث تكاد تُبتلع في الحيّز. كثيرة هي العناصر الموجودة في المؤسسات الأكاديمية التي تتيح لكلّ طالب يهودي أن يعرّف الحيّز على أنه "خاصته"، بينما لا نرى وجودا لعلامات ودلالات في معظم هذه المؤسسات تؤشّر للطالب العربي الفلسطيني على أنه شريك كامل في هذا الحيّز."
* التوصيات: وضع خطط مدروسة *
رغم قتامة الصورة، أشار البحث إلى عدد من المؤشرات على انتهاج سياسة تصحيحية في هذا المجال وبالأخص من طرف مجلس التعليم العالي، إلا أنه استدرك: "الأهم من هذا كلّه، إنّ أبرز مساوئ سياسة مجلس التعليم العالي في اعتقادنا، غياب الإعتراف بأنّ منالية التعليم العالي للطلبة العرب الفلسطينيين ستتحقق بشكل محدود جداً من دون دعم الإحتياجات الثقافية واللغوية لدى الطالب العربي الفلسطيني، ومن دون التغيير الذي يجب أن تجتازه المؤسسات الأكاديمية بغية تحقيق ذلك. أوّل هذه الإحتياجات هو الحق في التعلّم في فضاء أكاديمي لا تكون فيه اللغة العربية محاصرة ومحصورة داخل الحيّز الشخصي، للمكالمات الهاتفية وداخل غرف المساكن، بل حاضرة في حياة الطالب العربي الفلسطيني الأكاديمية والثقافية داخل الحرم الجامعي وقادرة أيضا على التوجّه للطالب اليهودي مؤكّدة أن العربية هي لغة رسمية بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى مثلما يجب أنّ يكون حال العرب الفلسطينيين، متساوي الحقوق في كافة الجوانب والأمور. بكلمات أخرى، هناك ضرورة في إنشاء الحيّز الذي يشعر فيه الطالب العربي شريكاً شرعياً وليس طالباً غريباً في دولته."
وأفاد البيان أن واحدة من نقاط ضعف برامج المنالية المخصّصة للطلبة العرب هي غياب التعاون بين مؤسسات إتخاذ القرار وبين الطلبة أنفسهم، النقابات الطلابية، منظمات العمل المدني، وقيادات المجتمع العربي. معظم جهود مجلس التعليم العالي لإيجاد التعاون وتطوير المشاريع موجّهة لجزء بسيط من المحاضرين والأكاديميين العرب بدل أن توجّه للجمهور الواسع (طلبة، هيئة إدارية وهيئة أكاديمية)، وهم الذين يعيشون على جلودهم تجربة الحياة الجامعية ويعلمون مواطن ضعفها.
هذا تضمن البحث عددا من التوصيات المقترحة لوضع حد للحالة القائمة، ومنها:
توسيع التوجيهات (من مجلس التعليم العالي) بخصوص إعطاء المكانة الواضحة والمشرّفة والعملية للغة العربية في أرجاء الحرم الجامعي والتدقيق في تطبيقاتها.
وضع التوجيهات المفصّلة التي تقرّ معايير واضحة بشأن مكانة الثقافة العربية الفلسطينية مع التشديد على إبرازها في الحيز العام وبشكل واسع.
تطوير برامج استكمال وتأهيل موجهة لأعضاء الهيئتين الأكاديمية والإدارية في مختلف المؤسسات، بغية تطوير التعامل الأفضل مع شريحة الطلبة العرب الفلسطينيين.
العمل على إجراء البحوث الشاملة التي تفحص التجربة التي يعيشها الطلبة العرب الفلسطينيون من خلال التواجد ضمن مناخ وحيّز الحرم الجامعي في كلّ البلاد، وذلك للوقوف عند محدوديات الوضع القائم وإيجاد السبل لتغييره.
إجراء نقاش حول نتائج هذه البحوث ضمن منتدى متنوع ومفتوح يشمل باحثين وخبراء في هذا المِضمار: صانعو القرار، ممثلو/ات الجمهور، جمعيات ناشطة في هذه المجالات، العاملون والعاملات في التربية وغيرهم.
[email protected]