يقول مسؤولو الصحة إنه عندما تبين ارتفاع درجة حرارة راكب قادم من بروكسل لدى وصوله إلى مطار نسيمالين في ياوندي عاصمة الكاميرون، نُقل بسرعة إلى المستشفى وبعد أربع ساعات جرى تشخيص إصابته بفيروس كورونا المستجد ليصبح بذلك رابع حالة إصابة في البلاد.
وتجري الكاميرون الواقعة في وسط أفريقيا فحصا طبيا أشمل منذ وقت طويل قبل كشف الصين عن الفيروس الجديد الذي قتل أكثر من 7500 شخص على مستوى العالم. وتأمل الكاميرون وبلدان أخرى في القارة الأفريقية، أن تساعد خبرتها في التعامل مع الإيبولا وغيرها من الأوبئة نظامها الصحي على التعامل مع جائحة قد تنتشر فيها بسرعة.
وقال جورج ألن إيتوندي مبالا، الذي يدير وحدة الاستجابة في وزارة الصحة بالكاميرون، لرويترز "لدينا حالات لم تكتشفها التدابير في فرنسا وإيطاليا اكتُشفت هنا" واصفا عملية الفحص "بشبكة التجسس".
ومضى يقول "الأوبئة تأتي وتذهب، لكننا نستمر في المراقبة".
والفيروس الذي يجتاح أوروبا الآن ظهر فيما لا يقل عن 27 من بين 49 دولة في أفريقيا جنوبي الصحراء. وفي معظمها، لم يتجاوز عدد الحالات المسجلة رقم تسعة ولم تظهر على الأغلب في الداخل وإنما جاءت من الخارج، ومن أوروبا بالأساس.
لكن المخاطر كبيرة، فإذا وصل المرض إلى المناطق الأشد فقرا في أفريقيا، فإن عوامل كالظروف المعيشية البائسة والازدحام قد تجعله ينتشر بسرعة البرق.
وقررت الكاميرون يوم الثلاثاء إغلاق حدودها البرية والجوية والبحرية إلى أجل غير مسمى وهي خطوة غير مألوفة في قارة تخشى منظمة الصحة العالمية من أن الحدود غير المحكمة بين دولها تعني أن حركة التنقل قد تستمر دون رقابة.
والدول التي لا توجد فيها حالات إصابة بفيروس كورونا تتحرك. وقالت حكومة مالي يوم الثلاثاء إنها قررت تعليق الرحلات الجوية القادمة من بلدان ظهر فيها الفيروس بينما قال محمد إيسوفو رئيس النيجر في بيان إن بلاده قررت وقف الرحلات الدولية وإغلاق الحدود البرية لمدة أسبوعين اعتبارا من يوم الخميس.
والمستشفيات في أنحاء القارة مثقلة بالفعل بحالات الحصبة والملاريا وغيرهما من الأمراض المعدية المميتة وأدت الصراعات إلى نزوح مئات الآلاف ودمرت البنية التحتية.
ومطالبة الناس بالعزل الذاتي في المنزل ليست عملية في كثير من الحالات، حيث تعيش عائلات كبيرة في غرفة واحدة وتتشارك مع العائلات الأخرى في الحي في صنابير المياه والمراحيض وتعيش على ما تكسبه من العمل اليومي.
وقال جون نكنجاسونج، رئيس المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، يوم 11 مارس آذار "على أفريقيا أن تستعد لتحد كبير".
وأضاف "ما زلت أعتقد أن احتواء التفشي ممكن، لكن من خلال توسيع الفحص والمراقبة".
لكن الاحتواء مستحيل على ما يبدو في بعض المناطق. ففي جنوب السودان، الذي دمرته حرب أهلية استمرت لمدة خمس سنوات، قال الدكتور أنجوك جوردون كول، مدير حوادث التفشي في وزارة الصحة إنه لا يوجد لدى الحكومة سوى 24 سريرا لعزل المرضى.
وأضاف أن مسؤولي الصحة العامة يحثون الناس على غسل اليدين، لكن الكثيرين في الدولة الفقيرة، التي تقع في شرق أفريقيا ويبلغ عدد سكانها 12 مليونا، لا يستطيعون شراء الصابون وليست لديهم مياه نظيفة جارية.
وفي بوركينا فاسو، التي تواجه جماعات متشددة مرتبطة بتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، قالت وزارة الصحة في تقرير إن البلاد لا تملك الموارد للتعامل مع تفشي الفيروس.
وقال التقرير إنه لا توجد عند المعابر الحدودية مواقع لعزل الحالات المشتبه بإصابتها، ولا يوجد في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا ما يكفي من العمالة المدربة في قطاع الصحة. وأضاف التقرير "قد يؤدي هذا إلى معدلات وفيات مرتفعة وتزايد خطر انتشار المرض".
وأودت الإيبولا بحياة أكثر من 11 ألف شخص في غرب أفريقيا بين عامي 2013 و2016، معظمهم في غينيا وليبيريا وسيراليون. ودمر المرض مجتمعات لكنه قدم دروسا قيمة.
وتتعاون المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، التي أنشأها الاتحاد الأفريقي في 2017، مع منظمة الصحة العالمية لتعزيز التنسيق في مواجهة الطوارئ وتحسين الفحص والمراقبة وتجهيز مراكز العلاج.
وزاد عدد الدول التي لديها مراكز قادرة على تشخيص مرض كوفيد-19 في المنطقة الأفريقية وفقا لمنظمة الصحة العالمية من مركزين إلى 39 مركزا في فترة تزيد قليلا عن شهر.
وتكافح نيجيريا، الدولة الأفريقية الأكبر من حيث عدد السكان والتي ظهرت فيها ثلاث حالات إصابة مؤكدة، لزيادة عدد أسرة العزل وتوفير تدريب طبي واستعدادات أكثر تخصصا في مستشفيات الدولة.
قال تشيكوي إيهيكويزي، رئيس مركز مكافحة الأمراض في نيجيريا "نظامنا الطبي ليس قويا على النحو الذي نتمنى". ومضي يقول "ولأننا قلقون إلى حد ما من قدرتنا على التعامل مع تفش كبير فإننا نركز بشدة على الوقاية والاكتشاف المبكر".
في العاصمة السنغالية دكار، تدوي إعلانات عبر مكبرات صوت على سيارات تجوب الشوارع لحث الناس على غسل أيديهم. وينقل بعض تلاميذ المدارس أبرز النقاط من درس تلقوه مؤخرا وهو دورة دراسية سريعة عن الوقاية من كوفيد-19.
لكن المياه تنقطع كثيرا في المنطقة التي يعيشون فيها والتي يقطنها أكثر من مليون شخص.
وقال عاملون في المجال الطبي بالسنغال التي سجلت 31 حالة إصابة مؤكدة إنهم لم يتسلموا سوى تجهيزات وقاية محدودة لا تتعدى المزيد من القفازات والكمامات.
وقال عثمان جاي، رئيس وحدة الأزمات في وزارة الصحة في السنغال، إن الحكومة توزع تجهيزات للوقاية على المنشآت التي تحتاجها.
يقول مسؤولو الصحة إن هناك مخزونا وافرا من الكمامات والقفازات والأسرة التي تكفي لاستقبال عشرات أخرى من المرضى. لكن لا توجد احتياطيات من أجهزة التنفس.
وفي جنوب أفريقيا، حيث يوجد 62 حالة إصابة مسجلة بالفيروس، قالت سوزان كليري، أستاذة اقتصاديات الصحة في جامعة كيب تاون، إن الخدمات الطبية قد "تقف عاجزة" إذا انتشر الفيروس في الأحياء العشوائية الكبيرة في أنحاء البلاد.
وأضافت "العدوى في الأحياء العشوائية كارثة.. كارثة محققة".
[email protected]