" اللّهمَّ اغفر لنا نحنُ الخطأة وارحَمنا"
من يوسف
متروبوليت عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل
إلى إخوتي الكهنة، رعاة الكنائس المقدسة
والرهبان والراهبات، والمؤسسات العاملة في الأبرشية،
وجميع أبنائنا وبناتنا حيثما حلوا في أرجاء هذه الأبرشية وفي العالم،
أيها الإخوة والأبناء الروحيون الأعزاء،
من جديد يأتي فصح الربّ للقائنا! ويوافينا زمن الأربعين المقدس كما في كل عام، ليلفت نظرنا إلى الحقيقة الأسمى: إن من يسلك درب الألم مع المسيح، يصل معه الى نور القيامة، ويلج قلب الله بأعمال الرحمة والإحسان والخير.
من هذه العبارة، الصوم هو أيضاً بامتياز فعل محبة تجاه الآخر الذي شاءه الله في واقعنا الـمُعاش لنعرف ذاتنا أولاً وآخِراً.
نعم. يأتينا الصوم ليعلمنا أن الحصول على فرح القيامة، يسبقه جهاد روحي من خلال مسيرة ألمٍ وصليب. فالصوم يترافق مع التضحية والرحمة وعمل الخير والانقطاع عمّا يشوّه صورة الله فينا. يأتينا الصوم ليعلمنا أن النفس القائمة مع المسيح هي تلك التي تخشّعت سابقًا، فلجَمَت شهوتها، وعرفت خطيئتها، ورجعت الى أحضان الله الآب.
وعليه، فنحن اليوم مدعوون أكثر مما مضى، أن ننفض عنّا غبار الزمن الحاضر ونمسح عن وجهنا مصاعب الدنيا ونتأمل في المسيح مصلوباً لكي نرى فيه كلَ قوةٍ وكلَ بأسٍ. نتأمل فيه تلك المحبة الإلهية التي اتخذت كل شيء من أجل خلاصنا.
من هذا المنطلق، تعلمنا الكنيسة المقدسة كيف نتحضّر لزمن الفصح بشكل جذري عميق، لنسبُرَ عمق محبة الله الآب لأبنائه. هذا التحضير يبدأ في الآحاد المهيِّئَة للصوم، وعددها أربعة: أحد الفريسي والعشار، وأحد الابن الشاطر، وأحد مرفع اللحم، وفي الأخير أحد مرفع الجين. ثم يليها ستة آحاد تنقلنا على درجات الفضائل الإلهية لنصل في نهاية مسيرتنا على رؤية وجه الله المتجسّد، أي المسيح، ونعلن واثقين انتصارنا على فانيات العالم، وحصولنا على نعمة الحياة الأبدية.
أحبتي. الصوم ليس فقط الامتناع عن الطعام أو الانقطاع عن بعض أنواعه فقط، بل هو بالأساس الانقطاع عمّا يشوّه صورة الله فينا، ويكسرُ علاقتنا معه ومع القريب. وعليه فالصوم، هو وسيلة مقدّسة أوصى بها المسيح، ووضعتها الكنيسة الأم والمعلمّة، لنتقدم في هذه المحبة التي خَصّنا بها الله. ولأجل ذلك نورد هنا نظام الصوم التقليدي الذي يضم الصوم (من نصف الليل وحتى نص النهار)، والقطاعة التي فيها نمتنع عن أكل اللحوم وما ينتج عن الحليب والاجبان. أما الأسماك، وإن كانت من الدم البارد، يُسمح بأكلها فقط يوميّ عيد البشارة (25 أذار)، وأحد الشعانين (5 نيسان). وهذا كله لأجل إعطاء قيمة لحياتنا ونعمل مع الجميع على اكتساب نعمة الحياة الأبدية مع المسيح القائم من بين الأموات.
تعلمنا هذه الآحاد وما ترسمه لنا الكنيسة من أنظمة للصوم، أن نقِفَ على التوبة مع ذواتنا لنرجع إلى ذات الله أولًا، ثم الى الحضن العائلي والكنسي. تعلمنا هذه الأمور صدقُ مراحمنا تجاه الغير. تعلمنا أن المغفرة مفتاح نور القيامة، وأن الإنسان مدعوٌّ أن يكون على مثال ذاك الرحيم، ليسلُكَ وإياه دَربَ قيامته المجيدة.
في هذه الأيام المباركة والمقدّسة، نجتمع معّا كعائلةٍ واحدةٍ في كل كنائسنا ساجدين لرب القوات، سائلين بركاته ومراحمه، مصلّين مع العذراء مريم التي نقيم لها صلاة المدائح، لترافق مسيرتنا نحو السماء، فتغرسَ فينا الرجاء، كما الأم الحنون التي تزرع في كل بيت أسسَ المحبة والسلام.
صلاتنا من أجلكم جميعًا. من أجل رعايانا، وأبرشيتنا العكاوية الحبيبة، من أجل أرضنا المقدّسة أن يبعد عنها كل عدو ومحارب، ومن أجل سلام العالم أجمع وثبات كنائس الله المقدّسة، واتحاد الجميع.
نسأل لكم جميعًا، صياماً مقبولاً مثمراً وفصحاً مقدساً. وليبارك الرب الإله أبناءنا وكل عزيز علينا، ويُفِض من نور نعمه على الجميع، هو المبارَك إلى الأبد آمين.
[email protected]