رغم القيمة الرمزية الهائلة التي يمثلها حي إخسارخيا، بالنسبة لعالم اليسار اليوناني، إلا أنه يبدو أن الحي خسر المعركة، فالحكومة كما الشعب، لا تملك ما تتمسك به سوى عدوانيتها تجاه الحي، لذلك، فإنه لا بد أن يستمر الهجوم عليه. ومع ذلك، فإن المعركة من أجل إخسارخيا، كتجربة حية لأنماط الحياة البديلة والأيديولوجيات السياسية المعارضة، قُوضت قبل عودة "الديمقراطية الجديدة" إلى السلطة في صيف 2019، بكثير. وفي الواقع، فإن حكومة "الائتلاف اليساري الراديكالي" أضعفت الاحتمالات الكثيرة الذي يمثلها الحي، بطرق أكثر مكرا لكنها فعّالة بنفس المقدار.
وقد منح نهج حكومة "سيريزا" الظاهري، والمتمثل بـ"الحفظ المخفف للنظام"، إخسارخيا، حماية جماعية متنوعة من هجمات الشرطة في الأعوام السابقة. لكن هذه الطريقة أثبتت أنها كدس السم في العسل، فقد أدى انسحاب الشرطة إلى خلق مساحة لعدة عصابات مخدرات التي سيطرت بشكل تدريجي على ميدان إخسارخيا الشهير. ومع أن الشرطة لم تهاجم الجماعات (السياسية والاجتماعية) المختلفة في الحي في تلك الفترة، إلا أنها لم تفعل أي شيء لإيقاف توسع العصابات أيضا.
ونظرا إلى خضوع جهاز الشرطة اليوناني إشراف صارم من قبل السلطة السياسية، ولكون سياساتها هي دائما مفيدة لأجندات حكومية محددة، فيجب النظر إلى هذا الموقف المتساهل تجاه عصابات المخدرات على أنه قرار سياسي. وأظهرت تقارير إعلامية مختلفة، إلى أن الأعوام الأخيرة شهدت، ارتفاع بالهجمات والمضايقات وحتى عمليات الاغتصاب، لسكان الحي، من قبل أفراد عصابات، مما قوض روح التضامن والحرية والسلامة التي كانت في السابق من سمات إخسارخيا.
وفي ذات الوقت، فإن الاستطباق المستمر لوسط أثينا ("تطوير" المنطقة المرتبط باستبدال الفقراء بالأغنياء)، كالمسمار الأخير في نعش الحي؛ وربما كان الترويج لسياسة "التأشيرة الذهبية"، أي برامج استقبال المهاجرين المستثمرين، والغياب المتعمد إلى تنظيم شقق الإيجار المتعاقدة أو التابعة لشكرة "Airbnb"، الإستراتيجية الأقوى لضمان تآكل التضافر الذي لطالما كان الحي منزلا له، وكلا السياسيتين دعمتهما حكومة "سيريزا" كبديل للاقتصاد المتداع والافتقار إلى أي خطة موثوقة أو قابلة للتطبيق لإنقاذ البلاد من الركود وزيادة الفقر.
وبالنسبة للحكومة الحالية، فإن الاستهداف الأخير لإخسارخيا، فرصة لضرب عصفورين بحجر واحد؛ أي توجيه ضربة لروح المعارضة المرتبطة بالحي وتطهير المنطقة للسياح والمستثمرين.
لكن هذا الاستهداف أيضا، هو جزء من خطة أكبر ترى أن "التسوية" تكمن في تقليص متزايد لحقوق المعارضين والمحتجين، وقد مُدد الحد الأدنى للعقوبة المفروضة على المدانين بتهم "الإرهاب" من 17 عامًا إلى 22 عامًا، في حين تم تشديد شروط الإفراج عنهم وزيادة العقوبات المفروضة على انتهاكات المراقبة؛ كما رُفعت العقوبات المفروضة على أعمال الشغب واستخدام قنابل المولوتوف، ووُسع نطاق قوانين التعدي على ممتلكات الغير، خاصة لاستهداف الاحتجاجات التي تدخل المباني "بشكل غير قانوني".
ويشتمل "الوضع الطبيعي الجديد" أيضًا على مشروع قانون يضع حدودا جديدة للحق في الاحتجاج ويستهدف المتظاهرين مباشرةً، والذين يتعين عليهم الآن اتباع إجراءات أكثر صرامة لضمان عدم تعطل حركة المرور والتجارة في المدينة. وكل هذا ما هو إلا خطوة أخرى نحو أسلوب حكم أكثر قمعية وانضباطية، وهو شرط ضروري لانتصار الليبرالية الاستبدادية.
تبحث عقيدة فرض "النظام بدون قانون"، التي تتبعها الحكومة الجديدة، ونوع الهيمنة التي تمثلها، على كبش فداء، و"عدو في الداخل" للانقضاض عليه. ومع ذلك، قد يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الجذور الأعمق لهذه الخسارة، فلأكثر من أربعين عاما، مثّل إخسارخيا روح المعارضة والتضافر، وأمل تحقيق الديمقراطية الراديكالية المبنية على التنوع وتخريب سلطة "الطبيعيين". ومثلما تفعل هجمات الحكومة الجديدة، فإن تقويض هذه الروح يبشر بمستقبل قاتم للمدافعين عن الحقوق الديمقراطية، في بلاد تعاني من نظام تقشف لا ينتهي.
[email protected]