الكنيست الحادية عشرة: اندلاع الانتفاضة الأولى ودخول مئير كهانا للكنيست شغلت الكنيست الحادية عشرة فترة ولاية استمرت لمدة أربع سنوات، وفي فترة عملها تشكلت هناك حكومتا وحدة وطنية: الحكومة الحادية والعشرون لإسرائيل والتـي أقيمت برئاسة شمعون بيرس، والحكومة الثانية والعشرون لإسرائيل برئاسة يتسحاق شامير. مارست كلتا الحكومتان نشاطاتهما لمدة عامين، علما أن بيرس استقال من رئاسة الحكومة لتمكين شامير من رئاسة الحكومة المتتالية.
وأدت نتائج الانتخابات إلى التساو التام بين اليمين واليسار، وعليه لم يكن مناص من إقامة حكومة وحدة وطنية، كانت قد استندت إلى التناوب في رئاسة الحكومة بين زعيم حزب العمل وزعيم الليكود. وبما أن 97 عضوا من أعضاء الكنيست (85 منهم من المعراخ والليكود) قد انتموا إلى الائتلاف الحكومي فقد تضرر عمل الكنيست، مما أدى إلى إدخال بعض التعديلات على نظام الكنيست الداخلي بغية تمكين أعضاء المعارضة من أداء مهام منصبهم كما ينبغي (على سبيل المثال تم تعديل عدد أعضاء الكنيست المطلوب من أجل استدعاء جلسة استثنائية للكنيست).
وفي الانتخابات للكنيست الحادية عشرة أنتخب لأول مرة "شاس" – حزب دينـي متزمت (حردي) لليهود الشرقيين (السفاراديم)، وبخلاف الكثير من الأحزاب الجديدة الأخرى أصبح حزب شاس عاملا ثابتا في كل دورات الكنيست منذ ذلك الحين وحتى أيامنا نحن.
وفي أعقاب دخول مئير كاهانا إلى الكنيست برئاسة قائمة "كاخ"، بعد فشل هذه القائمة في الحملات الدعائية الثلاث التـي سبقت هذه الانتخابات في تجاوز نسبة الحسم، فتم إدخال بعض تعديلات التشريع بهدف منع القوائم التـي تحرض على العنصرية من امكانية خوض الانتخابات لدورات الكنيست القادمة. كذلك، وفي المناسبة نفسها، تقرر عدم السماح للقوائم التي تنفي الطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل وتنكر حقيقة كونها دولة الشعب اليهودي من خوض انتخابات الكنيست.
وفي الطرف الآخر من الخارطة السياسية ظهر في الكنيست الحادية عشرة حزب عربي يهودي راديكالي جديد – القائمة التقدمية للسلام. وبعد اندلاع الانتفاضة الأولى في كانون الأول 1987، انسحب عبد الوهاب دراوشة من حزب العمل ليؤسس حزبا جديدا: الحزب الديمقراطي العربي.
وكان أحد المواضيع الأولية التـي دارت نقاشات الحكومة والكنيست حولها هو الركود الاقتصادي الخطير. ومن أجل كبح جماح التضخم ثلاثي الأرقام وتوطيد الاقتصاد اتخذ وزير المالية يتسحاق موداعي، بالتعاون التام مع رئيس الحكومة بيرس، السياسة الاقتصادية الصارمة، والتـي أدت بالفعل إلى تحسين الوضع القائم في الجهاز الاقتصادي، ولكن تسببت أيضا في ارتفاع نسبة البطالة، كما أسفرت عن خلق أزمات متعلقة بشؤون المالية في كثير من مَرَافق الدولة.
زد إلى ذلك، فخطة التوطيد الاقتصادي أدت إلى سن قانون التسويات الذي فسح المجال أمام وزارة المالية بتعديل قوانين كثيرة في لمحة بصر. وحتى وأنه كانت هناك في ذات الحين معارضة شديدة لقانون التسويات، على خلفية ما ألحق من أضرار بنشاطات الكنيست بصفتها السلطة التشريعية والهيئة المتابعة لـكيفية أداء الحكومة، إلا أن هذا القانون أصبح عبارة عن "مُرَافِق دائم" لقانون الميزانية السنوية.
هذا وكانت علامة طريق أخرى من الناحية الاقتصادية في فترة عمل هذه الكنيست: نشر تقرير "لجنة بيسكي" بشأن التلاعب في أسهم البنوك وانهيار الأسهم – الأمور التـي حدثت في فترة عمل الكنيست السابقة.
وفي المجال الأمنـي/ اتخذت الحكومة عام 1985 قرارا بإخراج قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من لبنان باستثناء المنطقة الأمنية في الجنوب، وتم بذل جهود حثيثة من أجل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين احتجزتهم المنظمات الإرهابية.
وخلال فترة عمل هذه الكنيست تم تعديل أمر منع الإرهاب، وحظرت إقامة علاقات مع منظمات تحرير المنظمة الفلسطينية والمنظمات الإرهابية الأخرى دون مصادقة من الحكومة. وازدادت الهجمات الإرهابية الموجَّهة ضد الأفراد، الأمر الذي وجد تعبيرا له في جريمتـي قتل كل من: المتنزهين الاثنين بالقرب من "دير كرميزان" بحوار القدس، والولد رامي حبه في ألون موريه. وازداد أيضا عدد الحرائق التـي أشعِلت متعمدا في الغابات. وفي أواخر 1987 اندلعت الانتفاضة في يهودا والسامرة وقطاع غزة.
في هذه السنوات طُرِحَت على بساط البحث مواضيع كثيرة تتعلق بعملية السلام، كانت أغلبيتها مدار خلاف، وأهمها هي: "اتفاقية لندن" التـي تم توقيعها من قبل وزير الخارجية شمعون بيرس والملك حسين ملك الأردن في نيسان 1987، وذلك من دون معرفة رئيس الحكومة إسحاق رابين (دارت هذه الاتفاقية حول شتى التدابير والإجراءات لخوض المفاوضات السلمية)، "خطة ريغن" لصنع السلام في الشرق الأوسط، الاقتراح بتطبيق الحكم الذاتي من طرف واحد في الضفة الغربية وقطاع غزة وإعادة طابا إلى مصر (بعد أن جاء في التحكيم أن طابا تقع ضمن المناطق التـي على إسرائيل إعادتها لمصر بموجب اتفاقية السلام الموقعة بين الدولتين) .
وكان عدد من المواضيع الجماهيرية المركزية في فترة عمل الكنيست الحادية عشرة هي بالفعل بمثابة "ذيول" وبقايا قضايا حدثت في فترة الكنيست السابقة، على سبيل المثال: قضية جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) والتـي أثيرت في أعقاب قضية باص 300، وقضية محاكمة واعتقال وإطلاق سراح معظم معتقلي الحركة السرية اليهودية.
وبالإضافة لهذه المواضيع، فقد بحثت الكنيست في أحداث كثيرة أخرى ومنها: سقوط الملاح الجوي رون أراد في أسر حزب الله، محاكمة دميانيوك، قضية قيام السلطات الأمريكية بإلقاء القبص على جوناثان بولارد بشبهة قيامه بالتجسس لصالح إسرائيل، قضية مردخاي فعنونو – الإسرائيلي الذي قام ببيع معلومات لجريدة لندنية تخص الخطة النووية لإسرائيل، حيث تم اختطافه ونقله إلى إسرائيل من قبل أفراد جهاز الأمن السري الإسرائيلي (الموساد) وتمت محاكمته. كما ناقشت الكنيست مواضيع أخرى: مشكلة "التسرب" – قيام اليهود الذين غادروا الاتحاد السوفياتي وفي حيازتهم تأشيرات دخول إسرائيلية بالهجرة إلى الدول الغربية، الأزمة في الجهاز الصحي ومن ذلك مزاولة الطب غير القانوني وزراعة الأعضاء البشرية، مشكلة عدم المساواة في التعليم و"هروب الأدمغة من إسرائيل".
وخلال فترة ولاية الكنيست الحادية عشرة حاول "المعراخ" والليكود التوصل إلى اتفاق بشأن تعديل طريقة الانتخابات وانتهاج الطريقة المختلطة، مما سيؤدي إلى انتخاب عدد من أعضاء الكنيست ضمن دوائر انتخابية (في كل دائرة انتخابية سيتم انتخاب 4-5 ممثلين)، في حين يستمر انتخاب العدد الآخر من أعضاء الكنيست ضمن طريقة التمثيل النسبي وهي الطريقة المعمول بها في إسرائيل منذ قيامها. وحتى وأنه تم التوصل إلى اتفاق مبدئي بهذا الصدد. وفشلت المحاولة بعد أن قرر مركز الليكود رفض الاقتراح. |
[email protected]