يعود سامي إلى البيت ويتحدث إلى والدته عن صديقه الجديد راجي، وهو زميل له في الصف، وبدورها الأم تفاجأ لأن على حد علمها ليس هناك تلميذ في صف ابنها اسمه راجي. وأحيانًا يدّعي أن راجي هو من أكل لوح الشوكولاته.
فهل سامي يكذب؟ لا إنه صديق موجود في فكر سامي. إنه صديقه الوهمي. يؤكداختصاصيو علم نفس الطفل أن وجود الصديق الوهمي أمر طبيعي، فبين كل ثلاثةأطفال، دون السبع سنوات هناك طفل واحد لديه صديق وهمي. كما يشيرالاختصاصيون إلى أنهم لاحظوا أنه غالبًا ما يكون لدى الطفل الوحيد الذي لم يذهب بعدإلى المدرسة، صديق وهمي.
من يقلق هذا الصديق الوهمي؟
الأم. فعندما يطلب منها طفلها أن تترك مكانًا شاغرًا لصديقه راجي، تبدأ بطرح الأسئلة على نفسها، وما إذا كان ابنها قد بدأ يتبعد عن الواقع.
في أي سن يظهر الصديق الوهمي؟
بين الثالثة والخامسة عندما لا يكون الطفل بعد قادرًا على التمييز بين الواقع والخيال، بين الصواب والخطأ. وبعد هذه السن يختفي الصديق الوهمي.
ولكن لماذا يبتكر الطفل صديقًا وهميًا؟
1 يبتكر الطفل صديقًا وهميًا لأن مخيلته غنية
فعندما تقرأ له والدته القصص، يثبت قدرته على الابتكار. فمن المعلوم، يحب معظم الأطفال اختراع قصة يسقطونها على دميتهم، فيؤلفون لها حياةً اجتماعية كأنها كائن حي، يشعر ويأكل ويشرب...ويتحدّثون إليها ويروون لها القصص.
فيما الطفل الذي لديه صديق وهمي لا يستعمل دميته، كما يُلاحظ إعجابه بشخصية بطولية قرأ عنها في القصص فيحدّد اسمها وملامحها في صديقه الوهمي. واللافت أن هذا الصديق الوهمي يختفي وجوده تدريجًا بين الثماني والتسع سنوات.
ما يجدر فعله: احترام الشخصيات الخيالية التي يبتكرها، وإذا طلب من والدته مشاركته اللعب معه، يمكنها فعل ذلك ولكن بشرط أن تضع حدودًا.
ما يجب القول له: يمكن صديقك أن ينضم إلينا إلى طاولة الطعام إذا دعوته، ولكن لن يجلس على كرسيك.
2 لديه صديق وهمي لأنه يعلن إرادته
تفاجأ الأم عندما يقول لها اتصلت بصديقي راجي لأخذ رأيه في ما إذا كان عليّ الاستحمام، وهذه طريقة ليعلن أن والدته ليست وحدها من يأخذ القرار. يتعلّم الطفل بين سن الثانية والأربع سنوات قواعد السلوك الحسن.
ووجود صديق خيالي يساعده على التمثّل بهذه القواعد، فيفرض على هذا الكائن غير المرئي القواعد التي يخضع لها فيظهر الطفل قبوله أو رفضه لها. لذا يبدي بعض الأطفال اعتراضهم على القوانين المنزلية من خلال إبداء تسامحهم عندما لا يتقيد صديقهم الخيالي بالقوانين التي يفرضونها.
ما يجدر فعله: ليس هناك ما يمنع من ترك الطفل يستشير صديقه الوهمي. بل العكس إذا لم يوافق هذا الصديق على الاستحمام، على الأم أن تشرح لطفلها أن الكلمة الأخيرة تعود لها.
ما يجدر القول له: الصديق لا يمكنه القرار، بل يجب الشرح له أن الوالدة هي من تطلب منك فعل هذا الأمر أو غيره.
3 لديه صديق وهمي لأنه يواجه مخاوفه
يدّعي أن صديقه الوهمي بطل يحميه، فالطفل يجد فيه القوة التي تطمئنه.
ما يجدر فعله: كلما أصبح يشعر بالأمان وحده، يصبح في مقدوره تخطي الصعوبات التي يواجهها.لذا لا يجوز تشويه صورة هذا الصديق الوهمي، فهو يشكل مصدر حماية مفيداً له.
ما يجب القول له: حسن إذا كان صديقك موجودًا ليحميك، ولكن إذا لم يأتِ يمكن أن تناديني.
4 يحتاج إلى صديق وهمي لأنه يرغب في صمام أمان
ربما يمر الطفل بمرحلة صعبة، مثلاً انفصال أو انتقال من بيت إلى آخر، يمكن الطفل أن يحتاج إلى اللجوء إلى خياله.
ما يجب فعله: طالما أنه لا ينغلق على عالمه، لا ليس هناك من سبب للقلق، ولكن هذه فرصة لتتحقق الأم من تعاملها مع طفلها. هناك شيء ما يوتّره. يمكن الاستفادة من ذلك وتدعو له أصدقاءه إلى المنزل.
ما يجب القول له: إذا كان هناك شيء يزعجك، يمكنك أن تخبر صديقك عنه، وأنا ايضًا.
هل الصديق الوهمي مؤشر إلى ملل الطفل أم إلى نقص عاطفي؟
من الخطأ الظن أن الطفل الذي لديه صديق وهمي يعاني نقصًا عاطفيًا، أي أن والديه لا يمنحانه العاطفة الضرورية. بل لوحظ أن الصديق الوهمي هو نتيجة شعور بالوحدة، خصوصًا عند الطفل الذي ليس لديه إخوة.
من يشبه هذا الصديق غير المرئي؟
غالباً ما يكون ذكرًا من السن نفسها للطفل، سواء كان بنتًا أو ولدًا، وأحيانًا يكون صديقًا راشدًا أو حيوانًا. وقد يخترع الطفل أصدقاء وهميين.
وعمومًا يتميّز الصديق الوهمي بشخصية جسورة أكثر من الطفل نفسه، ويبدو أن أهل هذا الصديق أكثر تسامحًا ويغدقون عليه الهدايا... فهذا جزء من لعبة الخيال التي يمارسها الطفل ليبعث برسالة إلى أهله.
هل يدرك الطفل أن هذا الصديق لا وجود له في الواقع؟
نعم كل الدراسات النفسية أثبتت ذلك. فالطفل يضحك مع صديقه الوهمي ويتعارك معه ويغضب منه... ولكنه يدرك جيدًا أنه لا يوجد شخص يلمسه أو يراه. فهو في حالة عاطفية بحتة، مثل الراشد الذي يشاهد فيلمًا ويتأثر بأحداثه ويتفاعل معه فيبكي أو يضحك وفق الموقف الذي يراه.
ما الذي على الأم القيام به تجاه هذا الصديق الخيالي
لا يجوز للأم التدخل أو الاستهزاء بصديق طفلها الخيالي. فإذا كان يريد أن يبقيه سرًا فلا مشكلة. وفي المقابل لا يجوز تجاهله، ولكن في الوقت نفسه لا يجوز المبالغة في تصديق الطفل أو الدخول في لعبته، بل يكفي موافقة الأم على وجوده في خياله، شرط أن تظهر لطفلها أنها ليست حمقاء وأنها تعرف أن صديق الوهم هذا موجود فقط في خياله، وأنها تحترم حديقة أسراره، فإذا ارتكب حماقة تجاه هذا الصديق الوهمي، عليها ألا تدخل في هذه اللعبة.
[email protected]