تقترن مفردة "العيد" في نفوس الأطفال وعقولهم بمشاعر الفرح والسعادة، إلا أنها بالنسبة للصغير الغزّي "محمود شتات"، مصدر للحزن والبكاء المتواصل.
فعقب فقدان والده لمصدر رزقه الوحيد، في أحد المصانع في قطاع غزة، إثر تدميره بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة، لن يتمكن "شتات" من شراء ذاك القميص والبنطال اللذين شاهدهما على واجهة إحدى المحال التجارية.
ويقول الصغير شتات الذي يبلغ من العمر (11 عامًا): "كنت أنتظر العيد بفارغ الصبر؛ كي أشتري ثيابًا جديدة، فنحن لا نشتري الملابس كثيرًا خلال العام، لأني أبي لا يستطيع توفير المال دومًا".
ويضيف صاحب البشرة البيضاء، بنبرة حزن "أنا حزين لأنني لن أرتدي ثيابا جديدة، في هذا العيد كباقي أصدقائي".
ولن يغادر الطفل شتات المنزل خلال أيام العيد كما يقول، ولن يقضي ساعات طوال من اللعب مع أصدقائه كما في كل عام، طالما أنه لم يحصل على ملابس "العيد".
ووفق أرقام فلسطينية رسمية فإن الحرب الإسرائيلية على غزة التي شنت في الـ 7 يوليو/ تموز الماضي، تسببت في تدمير 500 منشأة، أسفرت عن خسائر بقيمة تجاوزت الـ"3" مليار دولار أمريكي.
وكان اتحاد العمال في قطاع غزة، قال مؤخرا إن الحرب الإسرائيلية، رفعت عدد العاطلين عن العمل إلى قرابة 200 ألف عامل، يعيلون نحو 900 ألف نسمة، منهم 30 ألف عامل، توقفوا عن العمل، بفعل الحرب.
ويعتصر الحزن قلب "خالد جمال"، صاحب أحد متاجر بيع المواد الغذائية، كلما عجز عن تلبية مستلزمات العيد لأسرته.
ويقول جمال، الأب لثلاثة أبناء، "فرحة العيد تكمن في توفير بعض مستلزماته، وثيابه، وقضاء نزهة مع أبنائي خارج المنزل خلال أيامه، لكن ما في اليد حيلة، فقدت متجري خلال الحرب، ولا أملك المال".
ويستدرك:" الحزن الذي خلفته الحرب الإسرائيلية غيّب مظاهر الاستعداد للعيد، كنت أنوي استدانة المال لتلبية رغبات صغاري، لكن أشعر بأن الجرح مازال غائرا في نفوس الناس".
وأكمل:" اعتدت أن أفرح أبنائي دوما، في العيد، لكن وضعي المادي لم يعد يسمح بجلّب ما يرغبون به، أصبحنا كالفقراء".
وحذرت وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية، مؤخرًا من تزايد عدد الأسر الفقيرة في القطاع الذي يقطنه 1.9 مليون نسمة، من 60 ألف أسرة، ليصل إلى 120 ألف أسرة، بفعل تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
وكانت تمنى ختام الجمالي، أن تصنع لأبنائها الخمسة، كعك العيد، وتشتري لهم جميعًا ثيابًا، إلا أن راتب زوجها لن يسمح بهذا.
وتقول الجمالي لمراسلة "الأناضول"، وهي زوجة أحد موظفي حكومة غزة السابقة التي كانت تديرها "حماس" لسبع سنوات متتالية، إن "زوجها لم يتقاض راتبه منذ أكثر من خمسة 5 أشهر، وإن حصل على جزء منهم، فإنه ينفد سريعا في سداد ديون تراكمت علينا، وهذا سيحول دون شراء ملابس العيد لأبنائنا".
ولم يتقاضى موظفو حكومة حماس السابقة في غزة، المقدر عددهم بـ 45 ألف موظف رواتبهم منذ شهر مايو/أيار الماضي لعد إدراجهم في قائمة ديوان الموظفين الفلسطيني، وتبلغ فاتورة رواتبهم الشهرية قرابة 40 مليون دولار.
وتقول حماس، إنها اتفقت نهاية شهر إبريل نسيان الماضي مع حركة فتح على ان تتولى حكومة التوافق دفع رواتب كافة موظفيه الحكومتين السابقتين في الضفة وغزة.
لكن الرواتب التي ترسلها الحكومة الفلسطينية منذ ذلك الوقت تقتصر على موظفي حكومة رام الله، ولم تشمل موظفي حكومة حماس السابقة.
ولم تتسلم حكومة الوفاق الفلسطينية التي أدت اليمين الدستورية حتى اللحظة المسؤولية الفعلية على غزة، وهو ما يعيق دفع المصاريف التشغيلية للمؤسسات الحكومية في غزة.
واتفقت حركتا "حماس وفتح"، مساء الخميس الماضي، عقب لقاءات وفدين من الحركتين بالقاهرة على تنفيذ كافة بنود اتفاق المصالحة الأخير الذي وقع عليه في أبريل/نيسان الماضي، وتجاوز جميع العقبات التي اعترضت تطبيق بنوده، وتمكين حكومة التوافق الوطني من بسط سيطرتها على قطاع غزة.
وفي 23 إبريل/ نيسان الماضي، وقعت حركتا فتح وحماس اتفاقا أنهى انقسام دام 7 سنوات، وأعقب المصالحة تشكيل حكومة توافق وطني برئاسة رامي الحمد الله، التي أدت اليمني الدستورية في الثاني من حزيران الماضي.
وتشهد أسواق غزة حالة من الركود "غير المسبوق"، كما يصفها التاجر عصام السوافيري، صاحب أحد متاجر الملابس الجاهزة في غزة.
ويقول السوافيري لمراسلة الأناضول: "الأوضاع سيئة جدًا، أيام قليلة ويحلّ علينا العيد، إلا أننا لا نشهد أي إقبال من المواطنين على شراء الملابس، إننا نعاني من ركود يكاد يصل إلى 90%".
ويُرجع السوافيري عدم إقبال المواطنين على اقتناء مستلزمات العيد من الثياب والأطعمة، إلى الحصار الإسرائيلي بالدرجة الأولى، وعدم دفع رواتب موظفي حركة حماس، إضافة إلى الحرب الإسرائيلية التي تسببت في رفع نسب الفقر ورفع معدل البطالة التي أوجدها الحصار.
ويتابع: "هذا أسوأ عام يمر علينا، يوجد العديد من المواطنين في الأسواق، لكن المعظم يأتي ليشاهد البضائع الجديدة ويتمنى شراءها إلا أنهم لا يستطيعون ذلك".
ومنذ أن فازت حركة "حماس"، التي تعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية"، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني 2006، تفرض إسرائيل حصارًا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي "حماس" عن حكم غزة، وتشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية أدت اليمين الدستورية في الثاني من يونيو/ حزيران الماضي.
وذكر اتحاد العمال في غزة أن قرابة 170 ألف عامل، متعطلين عن العمل، بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ سنوات.
وكانت تعلق إنعام أبو النجا، صاحبة أحد متاجر الثياب النسائية، آمالها على موسم العيد في استرداد ثمن البضائع وتوفير الربح، إلا أن عزوف معظم أهالي القطاع عن شراء الثياب، حال دون ذلك، كما تقول للأناضول.
وتضيف أبو النجا:" نحن ننتظر موسم العيد بفارغ الصبر، لتعويض ركود باقي أيام السنة، فـ 70% من أرباحنا نجنيها في هذه المواسم، لكن الناس هدمت منازلها، وقتل أبناءها، وقد يمنعهم هذا من استقبال العيد بفرحة هذا العام".
وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، يوم 26 أغسطس/ آب الماضي، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، لوقف إطلاق النار، بعد حربًا إسرائيلية دامت 51 يومًا، أسفرت عن مقتل 2157 فلسطينيًا، وإصابة أكثر من 11 ألف آخرين، فضلا عن تدمير 9 آلاف منزل بشكل كامل، و8 آلاف منزل بشكل جزئي، وفق إحصائيات لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
[email protected]