كثيرةٌ هي الملاحظات التي رصدت ودونت عن ورشة المنامة الاقتصادية، التي يمكننا أن نصفها بموضوعيةٍ تامةٍ ودون انحيازٍ أو أدنى ترددٍ، بأنها فشلت ولم تحقق أيٍ من أهدافها، وأن المشاركين فيها والمنظمين لها قد عادوا منها بخفي حنين، إن لم يكونوا قد عادوا منها يائسين بائسين، محبطين مخزيين، وقد مات لديهم الأمر بتمرير صفقة القرن أو التبشير بها، وتراجعت عندهم احتمالات نجاحها وقبول الأطراف بها.
فقد كانت وجوه الحاضرين المغمورة أصلاً وغير المعروفة كثيراً كالحة، تتوارى عن الأنظار من سوء ما تقوم به، وتحاول الاختباء والتواري عن عدسات الكاميرات، وكأنهم يعرفون أنهم يرتكبون منكراً ويفعلون فاحشاً، فستروا وجوههم، وأخفوا عن وسائل الإعلام شخصياتهم، ورفض الكثيرون منهم إجراء مقابلاتٍ صحفيةٍ أو الإدلاء بآرائهم الشخصية، اللهم إلا من بعض المكلفين بهذه الأدوار الإعلامية والمدفوعين إليها، ورغم أن أدوارهم كانت مرسومة وكلماتهم كانت معدودة، وتصريحاتهم كانت مدروسة، إلا أنهم جميعاً قد وقعوا في سقطاتٍ كبيرة ومواقف مخزية، كشفت عن عميق أزمتهم وسوء تصرفهم، وتعثرهم المتكرر في الكلمات والمواقف.
حضر الورشة المشؤومة مغمورون مجهولون، وغاب عنها كثيرون معلومون، واقتصر الحضور على ممثلي بضع دولٍ عربيةٍ فقط، لا يشكلون أغلبية، ولا يحققون نصاباً، ولا يستطيعون ممارسة الضغط على أحدٍ، بينما غاب الفلسطينيون جميعاً، وهم أصحاب الشأن وأهل القضية، الذين يعانون من القهر ويشكون من الاحتلال، حيث أجمعوا على المقاطعة، واتفقوا على رفض الورشة واستنكارها، وأعلنوا أن المشاركة فيها خيانة، والصمت عليها تفريطٌ، ورفضوا تفويض أحدٍ بالحديث باسمهم أو بالنيابة عنهم، فهم من يمثلون قضيتهم فلسطين، ويعبرون عنها، ويتحدثون باسم شعبها.
كما لم يصدر عن الورشة بيانٌ ختامي يوضح طبيعة النقاشات وحقيقة القرارات، وإنما اكتفى الحاضرون والمنظمون بما فهموا، أو بما جاؤوا به أصلاً وبيتوه حكماً، وتركوا المجال رحباً والباب مفتوحاً لمنظمي الورشة والداعين إليها، يجتهدون بما أرادوا، ويصرحون كيف شاءوا، ويعلنون عما خططوا، فهم الأعلم بالمشروع والأكثر درايةً بأبعاده وغاياته.
كما أن وسائل الإعلام التي عييت وهي تحاول عبثاً فهم ما يجري فيها، فإنها لم تغطِ أعمال الورشة كما كان يتوقع منظموها، حيث لم تحتل الورشة مقدمات نشرات الأخبار، كما لم يكن لها وجود لافتٌ في أولوياتها، وربما أن المشرفين على الندوة رأوا وجوب التعتيم على ما يجري فيها، خوفاً من فضح حقيقة المؤامرة، وكشف مدى التنازل والتفريط الذي أقدم عليه المشاركون العرب.
وحضر جلسات المؤتمر عددٌ كبيرٌ من الإسرائيليين، من بينهم صحفيون وإعلاميون ورجال أعمال، ولكن من المؤكد أن عدداً غير قليلٍ منهم هم من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ومن الخبراء والمسؤولين والمتقاعدين العسكريين، الذين حضروا لاستكمال الملفات وجمع المعلومات، وتحقيق اختراقاتٍ، وقد حمل الإسرائيليون شاراتٍ على صدورهم أعدها منظمو الورشة تبين أنهم من "إسرائيل"، وقد طغا على حواراتهم الجانبية، ترهيب المنطقة من الخطر الإيراني، وتخويفهم من أطماعها في المنطقة، وهو ما عبر عنه إعلاميون إسرائيليون حضروا الورشة، وأشادوا بتفهم الحضور للمخاوف المشتركة التي تجمعهم مع سكان المنطقة.
أما مهندس الورشة ومنظمها الأقوى ونجمها الأوحد جاريد كوشنير، فقد اضطرب في كلمته، وتعثر في خطابه، واضطر إلى تغيير العديد من المفردات التي اعتاد عليها، إذ أربكه الحضور الأوروبي الصامت، الذي حضر ليراقب، وجاء ليعترض على تقديم الحل الاقتصادي على الحل السياسي للقضية الفلسطينية، مما دفعه لأكثر من سببٍ إلى التخلي عن مفردة "صفقة" واستبدلها بكلمة "فرصة"، وذلك لاستبعاد الطابع الاقتصادي المحض للورشة عن الآفاق والآمال المرجوة منها.
أما الشعب البحريني فقد أظهر صورةً مخالفة لما أظهرتها حكومتهم، إذ عبروا عن معارضتهم للورشة، واستنكروا اشتراك نظامهم في مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية، ورفعوا خلال أيام الورشة وما سبقها الأعلام الفلسطينية فوق أسطح بيوتهم، وفي شوارعهم العامة وسواريهم العالية، ونشروا عبر صفحاتهم الشخصية ووسائل تواصلهم الاجتماعية عن حقيقة موقفهم الرافض، وفي خارج البحرين شاركوا الفلسطينيين وإخوانهم العرب في التظاهر والاعتصام أمام سفارات بلادهم، وأعلنوا أن هذه المواقف الرسمية لا تمثلهم ولا تعبر عنهم.
[email protected]