صدر حديثًا عن مجمع اللّغة العربيَّة في النّاصرة، العدد التاسع من مجلّة المجلّة، لعام 2018، وهي مجلّة علميَّة محكمة، تُعنى بشؤون اللّغة العربيَّة وآدابها. وقد جاءت بغلاف جميل، من الورق المقوَّى، وطباعة أنيقة، ووقعت في (221) صفحة من القطع الكبير. ضمّت ثمانية مقالات، توزَّعت على دراسات في اللّغة العربيّة، ومعالجات نقديَّة لعدد من الأعمال الأدبيَّة، العربيَّة، المحليَّة. بالإضافة إلى الباب الثابت في المجلَّة، وهو: مختصرات لمحتوياتها، باللّغة الإنجليزيّة.
في مجال اللّغة العربيَّة، فقد ضمَّت المجلَّة ثلاث دراسات، لكل من: الدكتور شلومو ألون، البروفسور حسيب شحادة، والدكتور ألون فراجمن. أمَّا في مجال المعالجات النَّقديَّة، فقد خصَّصَ العدد خمس دراسات، ساهم فيها: الأستاذ محمود ريَّان، الدكتورة كلارا سروجي-شجراوي، البروفسور محمَّد صدّيق، والدكتورة كوثر جابر قسوم. كما شملت المجلة دراسة حول أدب الأطفال، شارك في كتابتها: الدكتور رافع يحيى، سهيل عيساوي، وريما الكردي.
نظرة عامَّة على محتويات المجلَّة
الدّراسة الأولى: عالج فيها كاتبها، الدَّكتور شلومو ألون، "طريقة استخدام ابن منظور لـ "صحاح" الجوهري"، وهي عبارة عن فصل من كتابه الذي يعمل مجمع اللّغة العربيَّة في الناصرة على إصداره لاحقًا، بعنوان: "لسان العرب لابن منظور-مطالعات وتنبيهات". ترجمته عن العبريّة، أثير صفا.
الدّراسة الثَّانية: يقدّم فيها الأستاذ محمود ريَّان "قراءة سيميائيَّة في الشخصيَّة المركزيّة-البطل/ والدَّلالة في رواية الكاتب ناجي ظاهر حارة البومة"، يقوم الباحث من خلالها بتحديد هويَّة الشخصيَّة المركزيّة في النَّص، وفق عدَّة معايير، منها: المعيار الكميّ-التَّراكميّ، المعيار النَّوعيّ، المعيار القصديّ، مبيِّنًا أن هذه المعايير، وغيرها، كانت ضروريَّة لتحديد الشخصيَّة المركزيّة، ومن ثمَّ مقاربة البطولة في تحديد نوعيَّة البطولة، وفق الموديل الإدراكيّ السّيميائيّ الذي انطلق منه الباحث في دراسته للشخصيَّة المركزيّة في رواية حارة البومة.
أمَّا الدّراسة الثَّالثة: فقد خصَّصتها صاحبتها الدُّكتورة كلارا سروجي-شجراوي لمعالجة رواية: "الرَّقص على حافة هاوية الجنس والعنف: قراءة في أورفوار عكّا لعلاء حليحل". ركَّزت الدّكتورة سروجي بحثها على دراسة سيكولوجيَّة النَّفس البشريّة، كاشفة خباياها في زمن الحرب عند الرَّئيس الحاكم والمقرَّبين منه، وتأثير ذلك على الإنسان العاديّ المسحوق، خاصَّة أنَّ مؤلّف هذا العمل الأدبيّ استطاع أن يتغلغل في نفسيَّة الجَّزار إِبَّان الحكم التركيّ لمدينة عكَّا، إلى جانب تصوره لشخصيَّاته السَّاديَّة عامَّة. يأتي ذلك، كما نرى في الرّواية من خلال تناول مؤلّفها لتاريخ عكَّا، عندما حاصرتها جيوش نابليون بونابارت، فترة حكم أحمد باشا الجَّزار، ليعكس حالة الإنسان عندما يتأرجح بين الأمل والعشق من ناحية، ومواجهة الطَّاعون والخراب والموت والاغتصاب من الناحية الأخرى.
نجد في الدّراسة الرَّابعة التي أوردها كاتبها البروفسور حسيب شحادة، تحت عنوان: "اللّغة العربيَّة في الجامعات الإسرائيليَّة"، أنَّ اللّغة العربيَّة وفق دراسة "صدرت مؤخَّرًا إلكترونيًا بالعربيَّة والعبريَّة، تناولت مكانة اللّغة العربيَّة في أربع جامعات إسرائيليَّة، وأظهرت ما هو واضح للجميع: "لا يتحدَّثون بها في قاعات وغرف التَّدريس بل يتكلَّمون عنها، لا يكتبون بها بل يكتبون عنها بالعبريَّة"، ما يبيّن بجلاء وضعها الدونيّ الهامشيّ في الحيّز اليهوديّ بصورة عامَّة"، وفي الجامعات الإسرائيليَّة بصورة خاصَّة، وبالتالي فهي واقعة تحت موجات متفاقمة من العبرنة، والتّعبرن.
الدراسة الخامسة في هذا العدد من المجلَّة، عنوانها: "قراءة في كتاب محمود غنايم، غواية العنوان، النص والسّياق، في القصة الفلسطينيَّة". يبحث فيها كاتبها، البروفسور محمَّد صدّيق، جامعة بيركلي- الولايات المتَّحدة، "طبيعة العنوان الدالّ وديناميكيّته بوصفه دالاً استهلاليًا في الأعمال القصصيَّة للكتَّاب الفلسطينيّين داخل إسرائيل"، ويقول: "يحدّد صاحب الكتاب، غواية العنوان، البروفسور غنايم، بشكل موفَّق، الدَّور الهام للعنوان في علاقته مع النص والسّياق لتقدّم الإطار الجدليّ الذي تُستَعرَضُ القصص المختارة ضمنه".
الدراسة السادسة، تعيدنا إلى مسألة اللّغة العربيَّة. الدكتور ألون فراجمن، صاحب الدراسة، أوردها تحت عنوان: "أن تقف مكتوف اليدين. الأزمة الفونولوجيَّة – الصوتيَّة في تدريس اللّغة العربيَّة في جهاز التَّربية والتَّعليم العبريّ". ترجمة: أثير صفا. كُتِبت هذه الدراسة قبل أن تصادق الكنيست على "قانون القوميّة"، وإلغاء رسميَّة اللّغة العربيَّة في إسرائيل. يشير الباحث، إلى الصعوبة البالغة التي يعاني منها الطلاب المتحدّثون بالعربيَّة في اكتسابهم مهارة الكتابة باللّغة العربيَّة، وفي تمكّنهم من صوتيَّات هذه اللّغة ومخارج حروفها. الدراسة تبرز المكانة المتضعضعة للّغة العربيَّة في جهاز التَّربية والتَّعليم العبريّ، وتُظهر بوضوح مدى الغُبن والاستخفاف الحاصل في طريقة تعليمها.
الدراسة السابعة، للدكتورة كوثر جابر قسوم، تمحورت حول: "خصوصيَّة اللّغة في النَّثر الأدبيَ عند سميح القاسم"، تناولت جانبًا من ميزات النَّثر الفنيّ لدى الشَّاعر سميح القاسم، استهلَّتها بالميزة التي رصدها النَّاقد نضال الصالح عن جماليَّات اللّغة في الأرض الفلسطينيَّة. تتابع: "باستجلاء جماليَّات اللّغة في رواية الأرض الفلسطينيَّة، يخلص المرء إلى أنّ ثمَّة ثلاثة مستويات لهذا المكوّن في تلك الرّواية: إبلاغيّ يؤدّي الوظيفة الأولى للّغة، أي الإيصال: وتخييليّ يجمع بين مفهومي الأدبيَّة والواقعيَّة بقدر كبير من التَّوازن والوعي بالحدود الفاصلة بينهما: وعاميّ وثيق الصّلة بالتَّداول الشَّعبيّ. وغالبًا ما يتجلَّى أكثر من مستوى من هذه المستويات الثلاثة في النص الروائيّ الواحد". ثمَّ تقول: "استنادًا إلى هذه الميزة، تأتي لغة سميح القاسم في كتاباته الأدبيَّة النثريَّة: ضمن مستويين، الإبلاغيّ: والتّخييليّ/ الشاعريّ".
الدراسة الثامنة، بعنوان: "النّهايات المغايرة في أدب الأطفال". جاء في مقدمتها: "إنَّ امتداد فعل القراءة زمنيًا يضاهي أي فعل آخر ببداياته ونهاياته، كما هي الحال في السنن الكونيَّة، وهذا يوصلنا إلى حقيقة مفادها أنَّ النّهايات أمر حتمي على الصعيدين الواقعيّ والخياليّ. لأن نتاج الكتابة نتاجٌ متخيَّل، تطالعنا النّهايات كجزء أخير من بنية النص ... وتمثّل النّهاية دورًا أساسيًا في القصص، وبشكل عام تحمل النّهايات النّاجحة التّنوير والإشراق اللذين يسعى الكاتب لتقديمهما كأيديولوجيا النص". تطرح الدراسة العديد من أنواع النهايات: "النّهاية المفاجئة/ المقلوبة/ الإشكاليَّة/ الحزينة"/ إلخ ...
الجّدير بالذّكر، أن مجمع اللّغة العربيَّة في الناصرة أصدر مؤخرًا "يوميَّات 2018-2019، ضمَّنها قائمة بالأعياد والمناسبات لسنة 2018-2019، ومعلومات شاملة عن المجمع، كما ذيَّل صفحاتها بمصطلحات معرّبة في مجالات الإعلام والهويَّة والمواطنة، كان قد عمل عليها طاقم متخصص في مجمع اللّغة العربيَّة برئاسة البروفسور مصطفى كبها. اليوميَّات توزَّع، كما في كلّ سنة مع المجلّة، بشكل واسع على الجمهور، ومختلف المؤسسات والمراكز الثقافيَّة.
(من سيمون عيلوطي، المنسّق الإعلاميّ في المجمع)
[email protected]