صدر مؤخرًا عن مجمع اللغة العربيَّة في الناصرة كتاب جديد للباحث الدكتور فادي معلوف، بعنوان: "مبدأ التحوُّل أو سؤال الهويَّة – البنية الشعريَّة في أعمال أدونيس". ينقل الكتاب منظور الشَّاعر ومفهومه الخاصّ لفكرة الهويَّة، بحسب ما يظهر في كتاباته النظريَّة. كما يرصد تطوُّرات الشَّكل والبنية الشعريَّة عند أدونيس، على امتداد أربعة عقود، وقد جاء الإصدار في حلّة جميلة، وطباعة أنيقة، زيَّنت غلافه لوحة لأدونيس، ووقع في (420) صفحة من القطع الكبير.
وزَّع الباحث كتابه على مقدّمة، وستَّة فصول.
عالج في الفصل الأوَّل مفهوم الهويَّة، والبنية عند الشاعر أدونيس، والأصول الفكريّة والأدبيَّة التي بلورت توجّهاته الفنيَّة، والمؤثّرات الفكريَّة العربيَّة والغربيَّة التي ساهمت في تبنِّيه فكرة "الهويَّة المتحرِّكة"، تلك الهويَّة التي تأتي من المستقبل لا من الماضي، المفتوحة على آفاق التنوّع والتغيير الدَّائم.
نراه في الفصل الثاني يستقصي مفهوم الشَّكل والبنية في مفهوم أدونيس النقديّ، ويلقي الضوء على الأصول الأدبيَّة والثقافيَّة التي شكَّلت مفهومه، سواء في نشأته الشَّخصيَّة، أو في النقد العربيّ القديم، أو في مدارس النقد الحديثة، أو في تطوّر حركة التحديث الشعريّ العربيَّة منذ العصر العباسيّ وحتى الحقبة الحديثة التي شكَّل أدونيس أحد أهمّ روَّدها.
أما في الفصل الثالث، فإنَّ صاحب الدِّراسة، الدكتور فادي معلوف، يسلِّط الضَّوء على الإبدالات الشكليَّة التي يجريها أدونيس على نصوصه بعد عقود من نشرها الأول. فالشاعر يعيد النَّظر في كتاباته ويجد دائمًا أنها قابلة للتَّطوير والتَّغيير، وصولًا إلى صيغة مثلى قادرة على التَّفاعل مع كلِّ قارئ في كلِّ مكان وزمان. ويرى أن فعل الشاعر هذا، يعبِّر عن منظوره الخاصّ إلى التُّراث والهويَّة.
يبحث في الفصل الرَّابع البنية الخارجيَّة للأشكال الشعريَّة الثلاثة، التي حدَّدها الشاعر نفسه في نسخة أعماله الكاملة (دار المدى 1996): القصيدة القصيرة الموزونة، القصيدة الطويلة الموزونة، والنص الشعريّ الطويل غير الموزون، وفيه يتقصّى مساحات التشابه والاختلاف بين هذه الأشكال، ويستجلي التنوّع وحركيَّة الإبداع في كل منها. فالتنوّع والاختلاف من خصائص الهويَّة المتحرِّكة غير المحكومة بمعايير قبليَّة وقوالب جاهزة.
يتابع المؤلَّف في الفصل الخامس الاختلاف بين الأشكال الثلاثة التي تناولها في الفصل السابق، من خلال النظر في البنية الداخليَّة العميقة التي ميّزتها، ولهذا الغرض اختار قصيدة "نوح الجديد" من ديوان "أغاني مهيار الدمشقيّ" نموذجًا للقصيدة القصيرة الموزونة، "هذا هو اسمي" نموذجًا للقصيدة الطويلة الموزونة، و "مفرد بصيغة الجمع" نموذجًا للنص الشعريّ الطويل غير الموزون. وقد قدّم دراسة لهذه النصوص وفق "منهج قرائيّ رباعيّ يضيء على التشكيل الطباعيّ، مترافقًا مع العنوان كموجِّه أوَّليّ للقراءة وبناء التوقّعات"، وكمقدّمة لولوج الطبقات العميقة من النصّ؛ المبنى الإيقاعيّ؛ المبنى الخطابيّ-الدراميّ؛ والدلالة".
إذا نظرنا إلى الفصل السادس والأخير، نجد أنَّ الدكتور معلوف عالج فيه البنية الشعريَّة في الكتاب "أمس المكان الآن" المؤلَّف من ثلاثة مجلّدات، نشرها الشاعر بين الأعوام (1995-2002). فيقف على المكوّنات التي تشكّل شعريَّة النص، وعلى نسيج العلاقات الذي يؤسّسه الشاعر فيما بينها، مستلهمًا أفق الهويَّة المتحركة، هذه الهويَّة التي تتمحور حولها هذه الدراسة التي نال عنها مؤلف الكتاب، شهادة الدكتوراة، وبجدارة.
من جانبه، فقد قام صاحب الكتاب الدكتور فادي معلوف بتقديم تقديره العميق وشكره الجزيل لرئيس المجمع البروفسور محمود غنايم على متابعته مشروع الكتاب منذ سنتين، وللطاقم العلميّ والفنّيّ الذي أبدى صبرًا وسعة صدر ليخرج الكتاب على أفضل ما يكون. وقد جاء ذلك في كلمة كتبها على صفحته في الفيس بوك إثر تسلّمه من المجمع نسخًا من الكتاب.
(من سيمون عيلوطي: المنسِّق الإعلاميّ في المجمع)
[email protected]