منذ قامت على أنقاض شعبنا قبل سبعين عامًا، فشل قادة الحركة الصهيونية برمّتها في أن تكون إسرائيل ديمقراطية (إن سعوا إلى ذلك أصلاً)، وفشلوا في أن تكون يهودية منذ بقينا في وطننا، وإلى اليوم الذي بلغنا به مليون ونصف عربي فلسطيني!
يأتي قانون القومية ليأخذ التناقض البنيوي في تعريف "دولة يهودية وديمقراطية" إلى مصاف الشرخ. لهذا فالخيار بين الاثنين واضح، وهو الدولة اليهودية، هكذا كان في النكبة، والحكم العسكري، وهكذا هو اليوم.
وفقط دولة مأزومة، غير واثقة بمشروعها، تعيد إثبات هويتها طيلة سبعين سنة، وهوية سكانها عبر مشاريع "بناء الأمة"، و"بوتقة الصهر" و"نفي المنفى". لم يحاول وحكام اسرائيل مرة بناء مواطنة مشتركة متساوية، وإنما مسعاهم القومي هو تشييد دولة التفوّق العرقي و"بناء الشعب".
والدولة التي لم تقم لنا، وإنما علينا، قامت تجاهنا بمشروع عكسي تمامًا، وهو "هدم الشعب". ولمن بقوا فقد حاولوا بناء شخصيتين: "العربي الاسرائيلي" وهو المخلوق الهجين المولود في العام 1948 ولا جذور له قبلها. والنهج التاريخي الثاني هو جعلنا حطابين وسقاة ماء، وفق تصوّر لوبراني، مستشار بن غوريون.
الانتخابات الأخيرة للكنيست كانت فارقة، فليس فقط أننا بنينا قائمة مشتركة وحدوية ردًا على مؤامرة رفع نسبة الحسم، ووصلنا إلى 13 مقعدًا، ولا أبالغ إن قلت أنّ أكثر اللحظات عاطفةً بالنسبة لي هي وقوف الناس أفواجًا عند صناديق الاقتراع، عامل البناء وعامل الهايتك وعامل الشاورما، الطبيبة والمهندسة والفنانة وربّة المنزل، كل الناس وهي تصوّت بانتماء: و ض ع م. كل هذا الانتماء بعد سبعة عقود من محاولات تشويه الانتماء الوطني وزرع الفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
نحن أبناء "الحطابين وسقاة الماء!" تجاوز طلابنا الجامعيون نسبتنا السكانية، بل وصلت نسبتنا في معهد "التخنيون" العلمي الرفيع إلى 23% (و35% من الطالبات عمومًا هنّ طالبات عربيات). أطباؤنا يملأون المستشفيات ويتدرجون في المواقع. كنّا كالأيتام على موائد اللئام. وما زال اللئامُ – حكّام إسرائيل وأساطين الصهيونية - لئامًا وعنصريين، ولكننا لم نعد أيتامَ!
فهل عنصريهم جديدة علينا؟ هل كنا – قبل القانون – مواطنين متساوين حقًا؟ هل كانت لغتنا لغةً رسمية حقًا؟ هل أقامت لنا الدولة بلدةً عربية واحدة طيلة هذه العقود؟ ما حدث هو أنّ رئيس حكومة إسرائيل المأزوم أماط اللثام عن العنصرية بكامل عربها وقباحتها! فهل نقنط من نضالنا في وطننا؟!
قانون القومية هو جزء من صفقة القرن التي تريد حق تقرير المصير فقط لليهود على "أرض إسرائيل". وهو جزء من سعي نتنياهو للسيطرة على مقاليد الدولة العميقة من قوانين، المحكمة العليا وسائر المحاكم، وسائل الإعلام وغيرها. ولكنها أيضًا ردّة فعل على تعاظم قوتنا كما أشرت أعلاه. إنها الفاشية الكلاسيكية، التي كان من مجمل أسباب عدائها لليهود في عشرينيات القرن الماضي تعاظم قوتهم ودورهم في الحيز العام.
لسنا المأزومين، هم المأزومون. أما نحن – الذين لم نطف أمس في حفنة ماء ولن نغرق الساعة في حفنة ماء – فعلينا التصدي لهذا القانون بثقة أهل الوطن، وثقة الذي يحرز إنجازات تراكمية بالغة العمق. بثقة من سيعزز وحدته، ويطرح بديلا ديمقراطيًّا وأخلاقيًا وسينتصر.
[email protected]