منذ اكثر من سنتين اصبحت قضية حوادث العمل في فرع البناء مسالة يتم تداولها في وسائل الاعلام الاسرائيلية وفي اروقة الكنيست، لكننا لا زلنا نعد القتلى واحد وراء الاخر، ومنهم الشباب الذين لم يذوقوا طعم الحياة بعد. فمأساة عمال البناء الشباب وخاصة الشباب العرب ليست نتيجة القضاء والقدر، بل هي حصيلة مباشرة للفوضى الاقتصادية التي يتسم بها فرع البناء وكذلك اهمال وقلة الاهتمام من قبل المؤسسات والمجتمع العربي.
كان اخر ضحايا حوادث العمل الشاب محمود نضال كناعنة كان بعمر 17 عاما عندما سقط من السقالة بالطابق الرابع وقتل (الاربعاء 22/11)، محمود كان العامل رقم 32 الذي قتل في حادث عمل خلال سنة 2017 في فرع البناء، وهذا العدد المخيف يضاف الى نحو 200 عامل تعرضوا خلال السنة الاخيرة الى اصابات خطيرة التي ستؤدي حتميا الى شلل او اعاقة دائمة واحيانا الى موتهم.
في حديث خاص اجراه مراسلنا مع مدير عام نقابة معا العمالية اساف اديب، الذي تحدث بالتفصيل عن حادثة مصرع الشاب محمود كناعنة من عرابة في ورشة عمله وعن حوادث أخرى فقال:" محمود كناعنة كان يعمل في ارتفاع 12 ميتر على السقالة رغم انه بجيل 17 بينما هنا قانون يحرم الشباب تحت جيل 18 من العمل في ارتفاع. واضح انه لم "يقتحم" الورشة بالقوة بل جاء الى المكان كعامل تابع لاحد المقاولين الفرعيين الذي يعملون في المكان. الغريب بالأمر هو ان مدير الورشة لم يتأكد من جيله ومن حصوله على شهادة العمل في ارتفاع (شاب بجيل 17 لا يمكنه ان يحص على شهادة من هذا النوع) وهذا يدل على حالة الاهمال الخطيرة التي كانت في هذه الورشة.
لا ينبغي ان نفكر انها حالة نادرة، فشركة البناء "ن.ر.ش.أ" التي تولت بناء العمارة في مدينة طبريا التي قتل بها محمود كناعنة، كانت شاهدة على مقتل عامل اخر في ورشة تابعة لها في حيفا في شهر تشرين اول 2016 – حيث قتل العامل سالم مرشد من عبلين (23 عاما).
في حينه نشرت شبكات التواصل الاجتماعي تفاصيل الحادث وكتبت الصحافة عنه وعن حوادث عمل قاتلة في عام 2016 التي وصل بها عدد القتلى من عمال البناء الى رقم قياسي – 50 عامل مقتول في عام واحد. لكن حتى اليوم لم تفتح النيابة تحقيقا في اي واحد من هذه الملفات ولم يقدم اي مسؤول او مدير او مبادر الى المحاكمة بسبب الاهمال نتيجة هذا الكم الهائل من الحوادث.
غياب التحقيق في ملابسات مقتل العمال خلال عام 2016 هو حصيلة حتمية لرفض وزراء الحكومة المسؤولين عن الموضوع تخصيص الموارد والميزانيات الضرورية لتطوير وحدة خاصة تهتم في تحقيق حوادث العمل. حسب المقال المثير الذي نشرتها مراسلة "هارتس" لي يارون (23/11) كانت هناك توجهات عديدة من قبل المستشار القانوني للحكومة الى وزراء المالية والعمل والامن الداخلي حيث حثهم الى ضرورة تشكيل وحدة تحقيقات خاصة لحوادث العمل، لكن الوزراء المعنيين بالامر يرفضون تخصيص ميزانية تقدر ب-10 مليون شيكل بالسبة لهذا الهدف.
هذا الرفض المستهجن لتحصيص الميزانيات الضرورية كي يكون من الممكن اجراء تحقيقات وتقديم المسؤولين عن حوادث العمل الى المحاكمة هو دليل للواقع وعليه يجب ان يشكل ذلك ناقوس خطر بالنسبة لعمال البناء الذين يشكل العمال العرب قسم كبير منهم.
من تجربة نقابة معا العمالية في الموضوع يمكننا ان نرى انه كل خطوة ملموسة لمتابعة قضية عامل الذي تعرض لحادث عمل او تنظيم محاضرة لارشاد العمال وتحذيرهم من مخاطر العمل دون وسائل الوقاية ام ارسال تقرير عن الاهمال في ورشة بناء معينو – كل خطوة من هذا النوع ولو كانت محدودة وصغيرة بحد ذاتها شكل خطوة نحو بناء حملة كبرى لتغيير الواقع. انه ما نراه في الفترة الاخيرة من اهتمام اعلامي ملحوظ في القضية ما هو الا نتيجة لعمل تراكمي الذي قمنا به سوية مع اخرين خلال سنوات ماضية. نحن نتعاون اليوم مع مؤسسات وجهات عديدة منها جمعية "عنوان العامل" ووحدات النهوض بالشبيبة ومؤسسة السلامة المهنية وغيرها ونرى بانها حان الوقت بان يدفع الوضع الماساوي العمال انفسهم والمؤسسات الاهلية والرسمية ووسائل الاعلام العربية الى التحرك وعدم الانتظار للحلول من فوق. اننا امام ظاهرة مؤلمة وخطيرة تجبر كل اصحاب الضمير الذين يهتمون في مصير العمال وخاصة العمال الشباب الوقوف بالمرصاد للدفاع عن حقوق العمال وكرامتهم.
[email protected]