كانت تسير قوية شامخة كامرأة حديدية .. مرتدية قناع القوة لتخفي ضعفها أمامه .. هو لا يعلم أن خلف قناعها امرأة هشة، تائهة في تفاصيله .. تخوض معارك مع ذاتها من أجله .. نوتات الموسيقي كفيلة بابكائها .. تغوص بمشاعرها كل ليلة و تضيع، تكابر علي نفسها، تحاول الادعاء أنها بخير، تحاول تصنع برود مشاعرها.
هي امرأة تنتظر منه كلمة، حرف .. تنظر إلى هاتفها عشرة مرات في الثانية لعلهيرسل همسة عن غير قصد.
تستيقظ يوميا وتلعن جبنها .. شموخها وخوفها علي نفسها .. تتمنى لو أنهاتملك من الشجاعة ما يكفي لتستسلم وترفع رايتها البيضاء .. لو تملك من القوة ما يكفي لترسل له رسالة صباحية و تعترف بأنه قد نجح في استعمار قلبها و أفكارها .. لو تخبره بأنها حلمت به ليلة أمس ..
استيقظت اليوم وللمرة الأولى في حياتها قالت: "لو" .. لو كان الحلم حقيقة .. لكنها أضعف من كل ذاك .. و قوتها ما هي إلا حصنا لتحمي ذاتها من نفسها، فهي تخاف الغرق به أكثر بينما هو لا يراها بين كل تلك الجموع .. تهاب من الضياع بتفاصيله فتكسر قلبها خيبة.
تبدأ نهارها بقراءة الأبراج .. فتمتعض حين تحذرها أقدارها من زيف اهتمامه .. لكن كيف لها أن تخنع لطالعها بينما هي ببحث دائم عنه كالمجنونة ... قلبها يؤلمها بانتظار حرف منه، همسة أو رنة .. تنظر للوقت عشرة مرات في الدقيقة لتراه من بعيد، وكأنهاتقف على شفا حفرة ..تنتظر همسة او ابتسامة لتنقذها .. تراه في كل طيف يمر بها .. تلتفت يميناً يسارا و خيبة تستعمر قلبها فغيابه يكاد يوقف نبضها .. وحضوره وحده يعطي لقلبها الأمان.
تنظر لانعكاسه في المرآة .. وتشعر أن نبض قلبها سيتوقف ، تحدق به ساعة ساعتين وتيقن أنه لا يعي وجودها، تراقبه عن بعد و تعلم أنه لن يلحظ وجودها يوما.
كانت تعلم منذ البداية أنه لن يهتم لأمرها يوما .. كانت على يقين من حدوث ما حدث .. تعلم أنه لم يجد قراءة ما بين السطور .. وأنه لم يفهم ما حاولت عينيّها إخباره به .. لم يفهم من كلماتها حرفا .. تكتب و كلها شك إن قرأ سطرا .. لربما عالمها لا يعنيه .. لن يفهم أنه السبب في كل تلك اللحظات التي كانت فيها على وشك البكاء.. هو أغبى من أن يعي حجم شوقها له ..أغبى من أن يدرك انتظارها لمشاركتها فنجان قهوة .. للجلوس في ذاك المقهى.
كانت تتمنى ألّا يكون بهذا البعد، لكن كلما حاولتُ أن تهدم حجرا بينهما، بنى سدا، كان من الممكن أن يحدث الكثير لو أنه أدرك لحظة ما قبل الوقوع في الحب .. كان هناك الكثير من النكات التي كانا سيرتلانها .. الكثير الكثير من القصص والأحاديث ليسرداها، وكتب يقرآنها معا .. ضحكات يذوبا بها ... كان من الممكن أن يسيرا على شفا الحب .. و يسقطا معا.
لكنه ليس ذنبه وحده، فهي اعتادت أن تكون قوية خشنة شامخة .. لم تسمح يوما لفكرة لشخص أو لنبض قلب أن يعكر صفو حياتها .. ولأنها تخاف على ذاتها من وجع أكبر أو خيبة قاتلة ادارت ظهرها بكل برود لحلم ظنت لوهلة أنه قد يكون مصدر سعادتها ..قررت أن تتخلى عن أمنياتها السخيفة كمشاركته لها فنجان قهوة في أحد المقاهي الهادئة .. أو يقاسمها شريحة البيتزا .. أن يبدأ نهارها ذات يوم باتصال منه مثلا .. كانت تلك الليلة بمثابة القشة التي كسرت ظهر البعير .. تلك اللحظة التي احترقت فيها آخر قطعة من القلب ليتحول إلى رماد متطاير .. اللحظة التي لم يعد أي شيء بعدها كالسابق .. قسوة ما ضربت بكل جوارحها .. صاعقة ما نسفت كل مشاعرها .. أحلامها ..أمنياتها ..قررت أخيرا، أن تغير دورها ..فتلك التي كانت تنتظره ، تلك التي غفرت له ضرباته الموجعة.. اليوم قررت أن تختفي ولا تعود أبدا.
[email protected]